في الحالة السورية
منذ البداية حصل المحظور وزرعت بذرة الردة يوم ان تم تسليم امر ” المجلس الوطني السوري ” طوعا الى الاخوان في بيئة تركية تتحكم فيها المعادلة الجغرافية مدعومة من جانب الحزب – الاخواني – الحاكم وتشجيع قطري مباشرة أو عبر وكلاء مثل عزمي بشارة ورضا القوميين العرب بالداخل السوري كمنحى آيديولوجي في خضم موجة التحالف الاسلاموي – القوموي على مستوى المنطقة وتخاذل شخصيات ليبرالية سعيا وراء المصالح الخاصة – تجربة مصر كانت أكثر وضوحا في استيعاب الاخوان للتيارات القومية والناصرية والممانعة ( صباحي وقنديل … ) ولم ينفع الندم بعد أشهر قليلة من انقلاب الاسلام السياسي على كل تعهداتها الانفتاحية ) – تكرار هذه الخطيئة التاريخية في القضية السورية من جانب قوميي اعلان دمشق وقومويي حزب رياض الترك ذي اليافطة الشيوعية الشعاراتية فحسب ابان الاعلان عن المجلس المذكور ( أولم يصر الأخير زورا على اعتبار الاخوان السوريين قبل أعوام عضوا في اعلان دمشق من دون أي أساس تنظيمي وسياسي وفكري) .
نحن ندرك أن الثورة السورية ستجتاز مرحلتين ولكل منهما ضروراتها وخصوصياتها ووظائفها في الأولى بأمس الحاجة الى أوسع التحالفات لبلوغ مهمة اسقاط النظام وما يستدعي ذلك من اتفاقيات جبهوية ومن بعض التنازلات من جميع الأطراف لتحقيق القاسم المشترك بين الجميع وهناك امكانية التوافق على أسس سليمة وفي منتهى الحذر والترقب واذا كان اسقاط النظام يجمع الكل في المرحلة الأولى مهما اختلفت السبل والوسائل فان الصراع التناحري المحقق سيبدأ في المرحلة الثانية بين جماعات الاسلام السياسي وحلفائها ومناصريها بغض النظر عن التسميات من جهة وبين قوى الثورة الوطنية ومجاميع الجيش الحر الملتزمة بأهداف الثورة والحراك الشعبي والحركة الديموقراطية السورية وفي مقدمتها الحركة الوطنية الكردية السورية الأصيلة والتعبيرات السياسية للمكونات الوطنية الأقل عددا من الجهة الأخرى وسيكون الحسم للارادة الشعبية وأكثرية الأصوات فكلا الطرفين ينادي بتفكيك سلطة الاستبداد ولكنهما يختلفان الى درجة التناقض حول الدستور الجديد وحقوق المكونات الوطنية والفئات الأقل عددا والقضية الكردية وفي طبيعة وجوهر سبل اعادة البناء لنظام قادم ديموقراطي تعددي علماني لاديني أو دولة اسلامية ولاخيار ثالث بينهما كما دلت تجربة مصر ونسبيا تونس وتقديرا ليبيا .
كثيرون من الوطنيين الصادقين الذين يتسمون بسعة المدارك وصحة استشراف المستقبل واكتساب خبرات ثمينة في نضالاتهم الطويلة ضد نظام الاستبداد السوري الأسدي – البعثي حذروا مرارا وتكرارا من مغبة وخطورة سيطرة الاخوان المسلمين على مقدرات المعارضة السورية في الخارج والداخل وذلك سعيا لخطوات استباقية قبل فوات الأوان ولكن تخاذل المحسوبين على الليبراليين والديموقراطيين المستقلين ( وهم معروفون ) وافتقارهم الى خبرة العمل المعارض ومزايا النضال السري في مقارعة الاستبداد الذين سكتوا عن قول الحقيقة والالتزام بها وارتضوا ان يكونوا موظفين بالاجرة لدى جماعات الاسلام السياسي كان السبب الأول والأخير في حصول الكارثة – والمسؤلية الثانية يتحملها الحزب الحاكم التركي كما أسلفنا وشريكه القطري الذي يسعى الى اقامة نظم وامارات اسلامية اخوانية في مواجهة السلفية التي تدعمها السعودية بالرغم من عدم تناحرية الصراع بين – السفساطين – التابعين بالنهاية لمرجعية أصولية روحية واحدة وكتاب واحد وسنة واحدة .
ليس سرا أن حركات الاخوان المسلمين بالمنطقة مازالت تشعر بنشوة النصر وتعيش أفضل أيامها بعد سيطرة الاخوان المصريين على مقاليد السلطة هناك وهي بصدد استكمال القوس الاخواني ليتسنى لها اقامة ” الشرق الأوسط الجديد ” بحسب تعبير أحد منظريها – احمد داود أوغلو – وسيكون كيانا اخوانيا تتوفر فيه كل الشروط للتحالف مع نظيره الاسلام السياسي الشيعي بقيادة ايران سعيا وراء تحويل ربيع الثورات الى خريفها ووأد الأهداف النبيلة التي استشهد من اجلها مئات الألوف من الشباب الثائر من أجل الحرية والكرامة والمساواة والديموقراطية والتقدم الاجتماعي وتحويل المنطقة الى مرتع لجهلة القرون الوسطى ومركزا لصراع الأديان والمذاهب والحضارات ووكرا لجماعات الارهاب والأصولية .