بيوار ابراهيم
الوجود بكل مكوناته و مكنوناته, بكل قوائمه و قائماته يبقى وجوداً للكائن الحي الذي يشعر بوجوده أي كان خلقه أو خليقته و إذا كان الوجود مرتبط شرطياً بوجود الإنسان فهذا بحد ذاته قيمة أخلاقية مضافة لهذا الكائن الموجود في هذا الكون و الذي يسمى بالإنسان.
الإنسان الذي جعله الله شعوباً و قبائل ليتعارفوا و يتحابوا لا أن يتحاربوا و يبغضوا بعضهم بعضاً.
الوجود بكل مكوناته و مكنوناته, بكل قوائمه و قائماته يبقى وجوداً للكائن الحي الذي يشعر بوجوده أي كان خلقه أو خليقته و إذا كان الوجود مرتبط شرطياً بوجود الإنسان فهذا بحد ذاته قيمة أخلاقية مضافة لهذا الكائن الموجود في هذا الكون و الذي يسمى بالإنسان.
الإنسان الذي جعله الله شعوباً و قبائل ليتعارفوا و يتحابوا لا أن يتحاربوا و يبغضوا بعضهم بعضاً.
عندما انتهيت من قراءة كتاب( المسألة الكردية في سوريا برؤية حركة الإحياء العربي الديمقراطي) للمرة الثانية فكرت ملياً قبل الخوض في انتقاد أو بالأحرى إبراز رؤية واقعية عن الكتاب و نقاش بعض النقاض التي لفتت إنتباهي وكذلك إبراز بعض التناقضات الموجودة ضمن الكتاب بحد ذاته.
الشوفينية صفة غير محببة في أي إنسان كان بهذا الكون يحاول الرقي بنفسه ليصل إلى مطاف الإنسانية بلا قيود أو حدود و هذه الصفة – أن يكون الإنسان إنساناً- قبل أي شيء و كل شيء هو النبل بحد ذاته, في ظاهر رؤية حركة الإحياء فإنها تحاول نبذ العنصريات القومية و الطائفية و لكن مكامن الحقائق تكمن في أعماق هذه الرؤية.
قبل أي سؤال أو نقد أوجهه للأستاذ العزيز عبد المسيح قرياقس مؤلف الكتاب حاولت جاهدة البحث عن تفسير أو استفسار لتوضيح المغزى أو الفكرة التي تربط مضمون الكتاب بغلافه, المضمون يدعو إلى توحيد الرؤية في العمل السياسي و الحزبي بعيداً عن القومية و الطائفية, توحيد سوريا بكل أطيافها المتنوعة عبر الديمقراطية و المساواة في الوطن الواحد و الموحد و بين غلاف الكتاب الذي فرش أرضيته بالحروف الآرامية – مع احترامي الشديد لتاريخ الحضارات في جميع أنحاء الكون و ليس في شرقه فقط- في وسط الغلاف الأول نقش خريطة سوريا بكامل حدودها لكن أسماء المدن السورية غابت عن داخل تلك الخريطة باستثناء نقطة محددة في أقصى الشمال سطر أمام تلك النقطة اسم مدينة القامشلي و الأهم من ذلك وجود كلمة( العربي) فوق الغلاف, إذا كانت هناك ديمقراطية لأهداف أو رؤيا حركة الإحياء ما الداعي لفرض كلمة العربي على بقية الأطياف الأخرى؟؟؟
لو كان الكتاب أو الدراسة السياسية التاريخية كما هو مكتوب على الغلاف الأول رؤية شخصية للمؤلف ما كنت أخوض هذا النقاش عبر الكتابة, لكن أن يكون الكتاب رؤية حركة أو تنظيم أو أية جهة تتخذ من السياسة بنيان لمواقفها و آرائها و تحركاتها فهذا هوالأهم والأخطر بالنسبة لشعب مضطهد مثل الشعب الكردي و الذي لم يذق في تاريخه طعم السلام و الأمان أما الحرية فهذا فردوس أعلى يحلمون به مازالوا يدفعون ثمنه أغلى ما يملكه الإنسان ألا و هي الحياة برمتها ما زالوا يسقون جبالهم القاسية بدماء شبابهم.
و هنا أود التنويه عن ما ورد في الكتاب الصفحة 18( و فشل الأكراد في إقامة دولة و حضارة لهم فقد تحولوا إلى شعب يعيش لا من زراعة أرضه أو من صناعتها بل من فوهات بنادقهم, و أصبحوا بندقية جاهزة للإيجار…) من أشد ما آلمني في هذه الفكرة هي الجملة الأخيرة( أصبحوا بندقية جاهزة للإيجار) بغض النظر عن الأسباب التي دفعت المؤلف إلى هذا التجريح للشعب الكردي و هو يقول أنه ينتقد الحركات السياسية لا الشعب و بغض النظر عن المراحل التاريخية للثورات الكردية الواردة في الكتاب مازالت فوهات البنادق متأهبة فوق أكتاف شبابنا و بناتنا حتى اللحظة من أجل القضية الكردية, مازال الدم يسيل نحو صحراء حريةٍ قد تكون لنا أو علينا و هنا يكمن السؤال-الألم هل يضحي الآلاف من شبابنا و فتياتنا بأرواحهم ليعتاشوا منها؟؟؟.
جعلت حركة الإحياء العربي الديمقراطي من الشعب الكردي في سوريا نموذجاً لحل كافة مسائل الأقليات و الأجناس الأخرى في الوطن و التي سمحت لهم و ترحمت عليهم بالسماح لهم بممارسة الحرية الثقافية الكاملة و إنشاء عموم جمعيات المجتمع المدني و ترفع شعار (لنتحد سياسياً و نتمايز ثقافياً و إجتماعياً )و التناقض الواضح بين هذه الدعوة أو الإدعاء وهو ما ورد في الصفحة عشرين من الكتاب:(الآن و نحن نشهد ولادة الديمقراطيات في بلادنا فعلى الحركات السياسية العربية العراقية و السورية منها بشكل خاص التوجه الصادق لهذا الشعب ذي الأمجاد التاريخية المميزة في تاريخ هذه الأمة و مد يد العون الوطنية الصادقة له لتحريره من أفكار قياداته التي اختطفته و عزلته عن أبناء شعبه سياسياً و فكرياً و روحياً و دعوته للاندماج ببحر الوطن و إزالة الحواجز النفسية و الفكرية و الحياتية بين ما هو عربي أو كردي و مد يد العون و الإنقاذ له لسحبه من عزلته…) و السؤال الذي يفرض نفسه بشدة لماذا انتظرت هذه الحركة أو أعضائها كل هذه السنين القاسية التي مرت على هذا الشعب المضطهد كي تمد لهم يد العون و الإنقاذ و تدعوه للاندماج ببحر الوطن؟؟؟ لو إن الوطن لم يتحول إلى بحر من الدم لما ولدت مثل هذه الدعوات إلى الشعب الكردي الذي إنصاف إلى الحكمة و الضمير الحي و لم يتحول إلى بنادق مأجورة معلقة على أكتاف الظلم و الاضطهاد بعكس ما يفعله الآخرون و الذين يعرفهم حركة الإحياء نفسها من هم أولئك الآخرون و ماذا يفعلون لكنهم يغضون النظر عنهم و عن فضح أعمالهم التخريبية التي تنخر في نخاع عظام الوطن.
حركة الإحياء التي تدعو الجميع إلى قطيعة كاملة مع ثقافة سايكس- بيكو و إلى حد ما مع الغرب الذي زرع الديكتاتوريات الدموية في الشرق بأكمله و هذا ما لا يختلف عليه اثنان من المطلعين على التاريخ الخفي لسياسات الغرب في كافة أنحاء دول الشرق الأوسط.
بالمقابل تمنح هبة إنشاء المجتمعات المدنية للشعب الكردي و هي تدرك جيداً إن مفهوم المجتمع المدني نشأ من المجتمع الغربي في ظروف سياسية و اجتماعية و فكرية أدت بهم إلى هذا المفهوم الذي بات مفهوماً عالمياً لكن لم ينجح في كافة الدول و خصوصاً في الشرق الأوسط شأنه شأن مفهوم الحداثة و الديمقراطية و التقدم و حقوق الإنسان.
هنا أنا لا أقصد الإقصاء في التباعد من الاستفادة من تجارب الغرب التي دفعت بمسيرتهم الحياتية نحو الأمام و لكن القصد لماذا نحاول دائماً تقليد الغرب في كل شيء؟.
بالرغم من محاولات حركة الإحياء لتمزيق كافة وثائق و اتفاقيات سايكس-بيكو لكن عنصرية الهوية تبقى ثابتة في ذهنيتها التي لم تستطع أن تمزق الشوفينية المزدوجة بين العربية و السريانية من الجذور و بالمقابل تطالب الشعب الكردي بالذوبان في النسيج الواحد للوطن الواحد.
الهوية ليست ممارسة في الجمعيات و المنتديات, في هذه الحالة يكون الممارس لهويته ممسوخاً لا يسأل عن جنس تلك الهوية وعن طبيعتها وشكلها و يؤمن إن الهوية جزء كلي من الثقافة السائدة للأمة التي يعيش بينها أو معها و يتفاعل مع هويته على هذا المفهوم الذي يغيره عبر كل تغير للحياة وفي آخر المطاف ينسى هويته وتيبس جذور تكوينه للأبد.
الهوية هي إثبات لوجود أرض و شعب ووطن على هذا الكون وليس متغير مثل أي متغير آخر و محاولة تثبيتها ذهنياً و ثقافياً و اجتماعيا و سياسياً ضمن عناصر منتقاة يقضي على تلك الهوية في النهاية و تذهب إرادة المحافظة على وجودها مع الريح.
في ذكر فضيلة إستشهاد الشهيد شيخ معشوق خزنوي يصر لاوعي المؤلف إن شهادته كانت جناية و ذلك عبر كلمة( مقتل الشيخ) و يذكر أيضاً أن الأحزاب الكردية المتطرفة مثل حزب يكيتي اتهمت السلطة بمقتله و هنا أريد أن أسأل قيادة حركة الإحياء و كذلك الأستاذ قرياقس, هل آلاف الجماهير التي شيعت جثمان الشيخ الشهيد كلهم منتسبون إلى حزب يكيتي؟؟؟ بالتأكيد لا , لم يطلب منهم أحد المشاركة في تشييع الجنازة بل كان خروجهم عفويا و ليس منظما من قبل حزب يكيتي أو غيره, هذا الحزب المتطرف كما نعته المؤلف كان المنظم الأبرز لمراسيم دفن و عزاء الشيخ الشهيد و لولا تبني حزب يكيتي لدم الشيخ الشهيد لكان دمه ذهب هدراً بين جهات أخرى لصالح مكاسبهم السياسية, أما بالنسبة لمقاطعة العائلة الخزنوية لمجلس العزاء أرغب بذكر موقف حصل معي و الذي لم أشأ ذكره لأنه مرتبط بشخصي لكن سبب ذكري لذلك الموقف يعود إلى ذلك الشعور الخفي بالسعادة للمؤلف لأن العائلة الخزنوية لم تفتح مجالس العزاء و كذلك لم تحضر العزاء الذي نصب أمام منزله في قامشلو و هنا أقول بكل تواضع إنني كنت شاهدة كما آلاف من الشعب الكردي الذين حضروا مجلس عزاء الشيخ و كان اليوم الثاني حيث ذهبت بغية المشاركة عبر إلقاء كلمة و لم أكد أجلس حتى حضر وفد مؤلف من بعض إخوة الشيخ الشهيد و أعمامه و جلسوا أمامي مباشرة لأنني كنت قريبة من منصة خلية الإعلام كما أراد المؤلف تسميتها و ما أن التقت عيونهم بعيوني حتى هبوا واقفين و محتجين لوجود فتاة بين آلاف الرجال تحت خيمة عزاء أحد أفراد الأسرة الخزنوية لكن أنجال الشيخ الشهيد و كذلك قيادة حزب يكيتي غضوا النظر عن موقفهم و طلبوا مني إلقاء كلمتي, حينها خرج ذلك الوفد من الباب الخلفي لمجلس العزاء و هم غاضبين بشدة و أذكر حينها كما يذكر الكثيرون من الحضور في ذلك اليوم مداخلة فضيلة الشيخ عبد الرزاق جنكو و فضيلة ملا محمد ملا رشيد على الملأ إن وجود فتاة كردية بيننا و مشاركتها معنا جنباً الى جنب في هذا المصاب الأليم ثبت منهج الشيخ الشهيد عبر مناداته للمساواة بين الرجل و المرأة في المجتمع الكردي.
أكرر إنني لم أرغب ذكر هذا الموقف لكن الاستخفاف و التصغير الذي ورد في الكتاب عن شهادة شيخ معشوق خزنوي جعلوني أذكر ذاك الموقف لأن أهداف و أحلام و مسيرة الشهيد شيخ معشوق كانت فوق أسرته و عائلته, كانت كبيرة بحجم وطنه الذي أستشهد من أجله.
في الصفحة 65 يسقط القناع عن الوجه الحقيقي للحقيقة التي أرادت الحركة أن تخفيها عن الأعين تحت قناع لنكن يداً واحدة و قلب واحد في وطن أوحد و موحد لكن إذا ما أمعن القارئ النظر بصبر قليل بين أسطر هذه الصفحة و التي تليها سيرى تلك الرائحة القوية لروح القومية السريانية الممجدة و التي تتأسف بشدة على الهجرة المنظمة من قبل الغرب للقومية السريانية و إفراغ مدينة القامشلي منهم تماماً و من ثم إسكان الكرد مكانهم حتى تحولت المدينة من عاصمة للقومية السريانية إلى عاصمة للقومية الكردية, هنا مكمن الجرح الذي يضحك ألاماً, لأننا لم نرى مسيحياً واحداً ليس السريان وحدهم سكنوا الحارات العشوائية في ضواحي مدينة القامشلي و من هذه العشوائيات و القرى المجاورة بالمدينة من كل الجهات خرج المئات من الشابات و الشباب ليكافحوا من أجل الحصول على أعلى مراتب العلم و التقدم و إذا كان هناك أي فضلٍ ما للحزب الشيوعي على بعض من الشباب الكردي فهذا أقل مما تقدمه أمام الضرر الذي سببه هذا الحزب الدخيل الآتي من شرق الغرب إلى مجتمعنا و الذي تحول إلى محور مهم و حجة قوية في يد التيارات الإسلامية لتأسيس الحركات و المنظمات المتعصبة لمكافحة الفساد الأخلاقي بين المجتمع حتى تحول الشرق كله إلى حلبة صراع أزلية بين المنظمات العلمانية و الدينية.
و هنا أطمئن حركة الإحياء و كافة أعضائها إن الشخصيات الكردية في قيادة الحزب الشيوعي بكافة إنشقاقاتها لم تخدم بشيء يذكر الشعب الكردي على مستوى القومية و أمثال السيد سعيد رمضان بوطي و السيد خالد بكداش و السيد قدري جميل لا يمثلون الشعب الكردي أينما كانوا و هنا يجب التنويه بين قدري جميل الجد الذي ورد اسمه في الصفحة 46 باعتباره أحد أعضاء الوفد الكردي الكبير الذي ذهب إلى دمشق يوم 28 أيلول 1961 لتأييد الانفصال و تهنئة قادته و بين قدري فؤاد جميل الحفيد الذي ورد اسمه في الصفحة 70 من الكتاب لأن المؤلف لم يفرق بين الجد و الحفيد و كأن ذكر هذا الاسم جاء مجاملة أو شيء من هذا القبيل, لإن الممثل القوي للكرد في ذلك الوقت كان الزعيم حسن حاجو المشهور بقوته و شجاعته و مثل الجزيرة عدة مرات تحت قبة البرلمان السوري لكن المؤلف غض النظر عن ذكر هذا الزعيم الكردي الكبير الذي يجابه التعتيم منذ رحيله من قبل الكثير من الجهات حتى الآن و كأن لسان حال الكتاب يقول كما قال محمد طلب هلال من قبله في دراسته المشهورة عن الجزيرة:
لا تقطعن ذنب الأفعى و ترسلها إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا
و هنا لا أقصد ابداً الإساءة إلى مناضل بقامة قدري جميل الجد و سيبقى دائماً و أبدا رمزاً منيراً في تاريخ الشعب الكردي بنضاله و كفاحه المستميت من أجل حقوق شعبه المضطهد, أما قدري جميل الحفيد بكل نفاقاته السياسية فهو و أمثاله مبارك لكل من يطالب الشعب الكردي بتقديم صلاح الدين أيوبي جديد ليتقدم أمامهم إلى تحرير القدس, لأن الشعب الكردي ليس بحاجة لأمثالهم لأنهم بالنسبة للكرد في كافة أنحاء الكون نسخات منسخة من عصمت إنانو و بولند أجويد , وعلى سبيل المثال لا الحصر للكرد صلاح الدين أيوبي آخر إسمه صلاح الدين دمرداش الذي يصوب إصبعه في عين أردوغان تحت قبة برلمانه مطالباً بكافة حقوق شعبه الكردي أينما كانوا.
هذا على المستوى العام أما على مستوى الشعب الكردي في سوريا يمكنني الجزم إن كل كردي يفوق صلاح الدين الأيوبي بكثير و لكنه أخذ العبرة و بات صلاحاً لنفسه و أمته و أرضه و إذا ما صلح المرء لأرضه و بيته و أهله لا بد أن يكون صالحاً مع الآخرين و هذا ما تحتاجه سوريا الجديدة أو بالأحرى سوريا الشهيدة التي تحتاج إلى عشرات السنين كي يتوقف نزيف دمها و تلتئم جراحاتها.
و هنا مطلوب من كل كردي يحمل في نفسه حتى و لو ذرة حقيقية من قوميته أن يحيي كافة الأحزاب الكردية بكل توجهاتها و بكل انقساماتها و بكل عيوبها و تمزقاتها قبل التوحيد و بعد وحدة التوحيد الذي نسأل الله على أحدية هذه الوحدة الواحدة و أن لا تكون مجرد حبر على ورق يذهب في آخر المطاف مهب الريح, نحييهم لأنهم سارعوا في لم شمل الشارع
الكردي و عدم السماح لأولئك الذين ملأوا شوارع المدن الكردية بشعاراتهم الهادفة إلى جرد الشعب الكردي ليس فقط من جنسيته كما فعل البعث بل جرده من أرضه و اسمه و كل ما هو كردي في نظرهم عبر شعاراتهم المواطنية مثل( اتركوا كرديتكم وراءكم و تعالوا نتحد و نتمسك بسوريتنا لأنها أمنا الأولى و الأخيرة) ما يحز في النفس إن مثل هذه الأفكار و الشعارات ولدت على أيدي البعض من الكرد الذين صدقوا إنهم سيتحولون إلى صلاح أيوبي جديد, و بعكس ما ورد في الكتاب إن الأحزاب الكردية بدون استثناء تستغل الدم الذكي لسوريا الجريحة و تحقق على حسابها مكاسب و يهيئون مناجلهم لحصد ما زرعه دم الأبطال في معظم محافظات سوريا… فإن الشعب الكردي و على رأسه حركته القومية بكل تمزقاتها حتى لو تعدت ألف جزء و بكل خلافاتها و إختلافها ليس متطفلاً ليحصد ما يزرعه الآخرون و هم لا ينصبون أفخاخً للوطن في نهاية المطاف و هنا يمكننا ذكر الجرح الكردي الذي لا زال ينزف منذ انتفاضة قامشلو و حتى اللحظة يزف الكرد شبابهم المجندين في الجيش العربي السوري و هم بأعمار الزهور إلى مثواهم الأخير, بعد إندلاع إنتفاضة قامشلو 2004 وتم قمعها بأشد الأساليب وحشية كانت السلطات تقتل شباب الكرد المجندين في الجيش العربي السوري لإنتمائهم القومي و بعد إندلاع الثورة السورية باتت تقتلهم لأنهم يرفضون قتل الغير من السوريين, سنوات مضت و لم نسمع إن شاباً مسيحياً أو عربياً قتل في الجيش أو تعرضوا للإعتقالات حتى اشتعلت نيران الثورة و بات الوطن بأكمله مشروع شهيد
رؤية حركة الإحياء العربي الديمقراطي عبر كتاب المسألة الكردية في سوريا هي تجديد عنصري آخر لدراسة محمد طلب هلال أو بالأحرى الوجه الحضاري و المتمدن لاجتثاث و تحرير سوريا من كل ما هو كردي, كما عبر الأستاذ قرياقس في الصفحة 65 من الكتاب معبراً بجملة تجريحية قوية: (بعد اتفاقية الجزائر 1975و تحرر العراق من القضية الكردية…) و كأن القضية الكردية هي التي استعمرت العراق و دمرت العراق و ليس العراق الذي دمر نفسه بنفسه عبر خوفه أو بالأحرى تمسكه برجالٍ من رماد لكن العراق حولهم إلى نيران تحرق الأخضر و اليابس حتى اخترق ذلك الحريق حدود العراق و رويداً رويداً بدأ الشرق الأوسط كله بالاحتراق, هذا الشرق المسكين الذي يبحث عن السبب الحقيقي لكل هذه الثورات و الصراعات فوق أرضه و هو لا يدرك أو إنه يدرك و يغض النظر عن الإدراك إن السبب هو فشلهم في السياسة و إذا ما نجحوا في التعبير عنها فإنهم يفشلون في تطبيقها عملياً و كل ذلك سببه الخوف, لأن الخوف بات العدو الأول و الأخير لأبناء هذا الشرق الدامي لسنوات طويلة و هم قابعين في خنادق الخوف و لم يعرفوا الخروج منها و إذا ما خرج البعض منهم كان الموت لهم بالمرصاد.
إن القيادة الحقيقة للوطن و الشعب هي التي تثبت للآخرين إن أعداءه يصدرون لرأي واحد و يعملون لأهداف مشتركة و يؤكد لشعبه إن الشعوب التي تشتت قواها في مواجهات كثيرة من الداخل و الخارج لا تلبث أن تنكسر و تصاب بارتياب الشك في عدالة قضيته و هذا ما يحصل بالضبط لهذا الشرق المسكين المصاب بالنقص و انعدام القوى أمام الآخرين.
الشعوب القوية هي تختار قياداتها و تستغل فنونها لتهتم بأوطانها و تركز على تقدم و تطوير مدنها أما قياداتها فإنها تركز على أعداءها الحقيقيين لا المفتعلين و الوهميين التي هي من صناعة الأعداء أنفسهم و هذا ما يحتاجه الشرق في هذه الأوضاع الدامية.
لم أشأ الخوض أكثر بين السطور المخفية من محتوى الكتاب و سأوجز بما سردته لأن الغوص في قاع مظلم يحتاج إلى أنفاس عميقة و قد ضاق بي النفس و أنا أغوص بين بحر نور رؤية حركة الإحياء العربي الديمقراطي لقضية أرض و شعب و وطن يناضل منذ آلاف السنين من أجل حريته و كرامته الممزقة بين حقول الألغام و أسلاك الحدود.
لم تنجح النازيات الشرقية أمثال الحزب العفلقي و البعث السوري و الحزب الشيوعي من محو الشعب الكردي في سوريا فهل ستنجح القادمات أمثالهن و منهن حركة الإحياء العربي الديمقراطي في محو هذا الشعب من على أرضه التاريخي و التي تشهد على وجودها التلال الصامدة من حضارات مثل حضارة أوركيش.
سؤال يتصيد جوابه من مستقبلٍ قاتم لوطن شهيد اسمه سوريا الجديدة.
قبل أي سؤال أو نقد أوجهه للأستاذ العزيز عبد المسيح قرياقس مؤلف الكتاب حاولت جاهدة البحث عن تفسير أو استفسار لتوضيح المغزى أو الفكرة التي تربط مضمون الكتاب بغلافه, المضمون يدعو إلى توحيد الرؤية في العمل السياسي و الحزبي بعيداً عن القومية و الطائفية, توحيد سوريا بكل أطيافها المتنوعة عبر الديمقراطية و المساواة في الوطن الواحد و الموحد و بين غلاف الكتاب الذي فرش أرضيته بالحروف الآرامية – مع احترامي الشديد لتاريخ الحضارات في جميع أنحاء الكون و ليس في شرقه فقط- في وسط الغلاف الأول نقش خريطة سوريا بكامل حدودها لكن أسماء المدن السورية غابت عن داخل تلك الخريطة باستثناء نقطة محددة في أقصى الشمال سطر أمام تلك النقطة اسم مدينة القامشلي و الأهم من ذلك وجود كلمة( العربي) فوق الغلاف, إذا كانت هناك ديمقراطية لأهداف أو رؤيا حركة الإحياء ما الداعي لفرض كلمة العربي على بقية الأطياف الأخرى؟؟؟
لو كان الكتاب أو الدراسة السياسية التاريخية كما هو مكتوب على الغلاف الأول رؤية شخصية للمؤلف ما كنت أخوض هذا النقاش عبر الكتابة, لكن أن يكون الكتاب رؤية حركة أو تنظيم أو أية جهة تتخذ من السياسة بنيان لمواقفها و آرائها و تحركاتها فهذا هوالأهم والأخطر بالنسبة لشعب مضطهد مثل الشعب الكردي و الذي لم يذق في تاريخه طعم السلام و الأمان أما الحرية فهذا فردوس أعلى يحلمون به مازالوا يدفعون ثمنه أغلى ما يملكه الإنسان ألا و هي الحياة برمتها ما زالوا يسقون جبالهم القاسية بدماء شبابهم.
و هنا أود التنويه عن ما ورد في الكتاب الصفحة 18( و فشل الأكراد في إقامة دولة و حضارة لهم فقد تحولوا إلى شعب يعيش لا من زراعة أرضه أو من صناعتها بل من فوهات بنادقهم, و أصبحوا بندقية جاهزة للإيجار…) من أشد ما آلمني في هذه الفكرة هي الجملة الأخيرة( أصبحوا بندقية جاهزة للإيجار) بغض النظر عن الأسباب التي دفعت المؤلف إلى هذا التجريح للشعب الكردي و هو يقول أنه ينتقد الحركات السياسية لا الشعب و بغض النظر عن المراحل التاريخية للثورات الكردية الواردة في الكتاب مازالت فوهات البنادق متأهبة فوق أكتاف شبابنا و بناتنا حتى اللحظة من أجل القضية الكردية, مازال الدم يسيل نحو صحراء حريةٍ قد تكون لنا أو علينا و هنا يكمن السؤال-الألم هل يضحي الآلاف من شبابنا و فتياتنا بأرواحهم ليعتاشوا منها؟؟؟.
جعلت حركة الإحياء العربي الديمقراطي من الشعب الكردي في سوريا نموذجاً لحل كافة مسائل الأقليات و الأجناس الأخرى في الوطن و التي سمحت لهم و ترحمت عليهم بالسماح لهم بممارسة الحرية الثقافية الكاملة و إنشاء عموم جمعيات المجتمع المدني و ترفع شعار (لنتحد سياسياً و نتمايز ثقافياً و إجتماعياً )و التناقض الواضح بين هذه الدعوة أو الإدعاء وهو ما ورد في الصفحة عشرين من الكتاب:(الآن و نحن نشهد ولادة الديمقراطيات في بلادنا فعلى الحركات السياسية العربية العراقية و السورية منها بشكل خاص التوجه الصادق لهذا الشعب ذي الأمجاد التاريخية المميزة في تاريخ هذه الأمة و مد يد العون الوطنية الصادقة له لتحريره من أفكار قياداته التي اختطفته و عزلته عن أبناء شعبه سياسياً و فكرياً و روحياً و دعوته للاندماج ببحر الوطن و إزالة الحواجز النفسية و الفكرية و الحياتية بين ما هو عربي أو كردي و مد يد العون و الإنقاذ له لسحبه من عزلته…) و السؤال الذي يفرض نفسه بشدة لماذا انتظرت هذه الحركة أو أعضائها كل هذه السنين القاسية التي مرت على هذا الشعب المضطهد كي تمد لهم يد العون و الإنقاذ و تدعوه للاندماج ببحر الوطن؟؟؟ لو إن الوطن لم يتحول إلى بحر من الدم لما ولدت مثل هذه الدعوات إلى الشعب الكردي الذي إنصاف إلى الحكمة و الضمير الحي و لم يتحول إلى بنادق مأجورة معلقة على أكتاف الظلم و الاضطهاد بعكس ما يفعله الآخرون و الذين يعرفهم حركة الإحياء نفسها من هم أولئك الآخرون و ماذا يفعلون لكنهم يغضون النظر عنهم و عن فضح أعمالهم التخريبية التي تنخر في نخاع عظام الوطن.
حركة الإحياء التي تدعو الجميع إلى قطيعة كاملة مع ثقافة سايكس- بيكو و إلى حد ما مع الغرب الذي زرع الديكتاتوريات الدموية في الشرق بأكمله و هذا ما لا يختلف عليه اثنان من المطلعين على التاريخ الخفي لسياسات الغرب في كافة أنحاء دول الشرق الأوسط.
بالمقابل تمنح هبة إنشاء المجتمعات المدنية للشعب الكردي و هي تدرك جيداً إن مفهوم المجتمع المدني نشأ من المجتمع الغربي في ظروف سياسية و اجتماعية و فكرية أدت بهم إلى هذا المفهوم الذي بات مفهوماً عالمياً لكن لم ينجح في كافة الدول و خصوصاً في الشرق الأوسط شأنه شأن مفهوم الحداثة و الديمقراطية و التقدم و حقوق الإنسان.
هنا أنا لا أقصد الإقصاء في التباعد من الاستفادة من تجارب الغرب التي دفعت بمسيرتهم الحياتية نحو الأمام و لكن القصد لماذا نحاول دائماً تقليد الغرب في كل شيء؟.
بالرغم من محاولات حركة الإحياء لتمزيق كافة وثائق و اتفاقيات سايكس-بيكو لكن عنصرية الهوية تبقى ثابتة في ذهنيتها التي لم تستطع أن تمزق الشوفينية المزدوجة بين العربية و السريانية من الجذور و بالمقابل تطالب الشعب الكردي بالذوبان في النسيج الواحد للوطن الواحد.
الهوية ليست ممارسة في الجمعيات و المنتديات, في هذه الحالة يكون الممارس لهويته ممسوخاً لا يسأل عن جنس تلك الهوية وعن طبيعتها وشكلها و يؤمن إن الهوية جزء كلي من الثقافة السائدة للأمة التي يعيش بينها أو معها و يتفاعل مع هويته على هذا المفهوم الذي يغيره عبر كل تغير للحياة وفي آخر المطاف ينسى هويته وتيبس جذور تكوينه للأبد.
الهوية هي إثبات لوجود أرض و شعب ووطن على هذا الكون وليس متغير مثل أي متغير آخر و محاولة تثبيتها ذهنياً و ثقافياً و اجتماعيا و سياسياً ضمن عناصر منتقاة يقضي على تلك الهوية في النهاية و تذهب إرادة المحافظة على وجودها مع الريح.
في ذكر فضيلة إستشهاد الشهيد شيخ معشوق خزنوي يصر لاوعي المؤلف إن شهادته كانت جناية و ذلك عبر كلمة( مقتل الشيخ) و يذكر أيضاً أن الأحزاب الكردية المتطرفة مثل حزب يكيتي اتهمت السلطة بمقتله و هنا أريد أن أسأل قيادة حركة الإحياء و كذلك الأستاذ قرياقس, هل آلاف الجماهير التي شيعت جثمان الشيخ الشهيد كلهم منتسبون إلى حزب يكيتي؟؟؟ بالتأكيد لا , لم يطلب منهم أحد المشاركة في تشييع الجنازة بل كان خروجهم عفويا و ليس منظما من قبل حزب يكيتي أو غيره, هذا الحزب المتطرف كما نعته المؤلف كان المنظم الأبرز لمراسيم دفن و عزاء الشيخ الشهيد و لولا تبني حزب يكيتي لدم الشيخ الشهيد لكان دمه ذهب هدراً بين جهات أخرى لصالح مكاسبهم السياسية, أما بالنسبة لمقاطعة العائلة الخزنوية لمجلس العزاء أرغب بذكر موقف حصل معي و الذي لم أشأ ذكره لأنه مرتبط بشخصي لكن سبب ذكري لذلك الموقف يعود إلى ذلك الشعور الخفي بالسعادة للمؤلف لأن العائلة الخزنوية لم تفتح مجالس العزاء و كذلك لم تحضر العزاء الذي نصب أمام منزله في قامشلو و هنا أقول بكل تواضع إنني كنت شاهدة كما آلاف من الشعب الكردي الذين حضروا مجلس عزاء الشيخ و كان اليوم الثاني حيث ذهبت بغية المشاركة عبر إلقاء كلمة و لم أكد أجلس حتى حضر وفد مؤلف من بعض إخوة الشيخ الشهيد و أعمامه و جلسوا أمامي مباشرة لأنني كنت قريبة من منصة خلية الإعلام كما أراد المؤلف تسميتها و ما أن التقت عيونهم بعيوني حتى هبوا واقفين و محتجين لوجود فتاة بين آلاف الرجال تحت خيمة عزاء أحد أفراد الأسرة الخزنوية لكن أنجال الشيخ الشهيد و كذلك قيادة حزب يكيتي غضوا النظر عن موقفهم و طلبوا مني إلقاء كلمتي, حينها خرج ذلك الوفد من الباب الخلفي لمجلس العزاء و هم غاضبين بشدة و أذكر حينها كما يذكر الكثيرون من الحضور في ذلك اليوم مداخلة فضيلة الشيخ عبد الرزاق جنكو و فضيلة ملا محمد ملا رشيد على الملأ إن وجود فتاة كردية بيننا و مشاركتها معنا جنباً الى جنب في هذا المصاب الأليم ثبت منهج الشيخ الشهيد عبر مناداته للمساواة بين الرجل و المرأة في المجتمع الكردي.
أكرر إنني لم أرغب ذكر هذا الموقف لكن الاستخفاف و التصغير الذي ورد في الكتاب عن شهادة شيخ معشوق خزنوي جعلوني أذكر ذاك الموقف لأن أهداف و أحلام و مسيرة الشهيد شيخ معشوق كانت فوق أسرته و عائلته, كانت كبيرة بحجم وطنه الذي أستشهد من أجله.
في الصفحة 65 يسقط القناع عن الوجه الحقيقي للحقيقة التي أرادت الحركة أن تخفيها عن الأعين تحت قناع لنكن يداً واحدة و قلب واحد في وطن أوحد و موحد لكن إذا ما أمعن القارئ النظر بصبر قليل بين أسطر هذه الصفحة و التي تليها سيرى تلك الرائحة القوية لروح القومية السريانية الممجدة و التي تتأسف بشدة على الهجرة المنظمة من قبل الغرب للقومية السريانية و إفراغ مدينة القامشلي منهم تماماً و من ثم إسكان الكرد مكانهم حتى تحولت المدينة من عاصمة للقومية السريانية إلى عاصمة للقومية الكردية, هنا مكمن الجرح الذي يضحك ألاماً, لأننا لم نرى مسيحياً واحداً ليس السريان وحدهم سكنوا الحارات العشوائية في ضواحي مدينة القامشلي و من هذه العشوائيات و القرى المجاورة بالمدينة من كل الجهات خرج المئات من الشابات و الشباب ليكافحوا من أجل الحصول على أعلى مراتب العلم و التقدم و إذا كان هناك أي فضلٍ ما للحزب الشيوعي على بعض من الشباب الكردي فهذا أقل مما تقدمه أمام الضرر الذي سببه هذا الحزب الدخيل الآتي من شرق الغرب إلى مجتمعنا و الذي تحول إلى محور مهم و حجة قوية في يد التيارات الإسلامية لتأسيس الحركات و المنظمات المتعصبة لمكافحة الفساد الأخلاقي بين المجتمع حتى تحول الشرق كله إلى حلبة صراع أزلية بين المنظمات العلمانية و الدينية.
و هنا أطمئن حركة الإحياء و كافة أعضائها إن الشخصيات الكردية في قيادة الحزب الشيوعي بكافة إنشقاقاتها لم تخدم بشيء يذكر الشعب الكردي على مستوى القومية و أمثال السيد سعيد رمضان بوطي و السيد خالد بكداش و السيد قدري جميل لا يمثلون الشعب الكردي أينما كانوا و هنا يجب التنويه بين قدري جميل الجد الذي ورد اسمه في الصفحة 46 باعتباره أحد أعضاء الوفد الكردي الكبير الذي ذهب إلى دمشق يوم 28 أيلول 1961 لتأييد الانفصال و تهنئة قادته و بين قدري فؤاد جميل الحفيد الذي ورد اسمه في الصفحة 70 من الكتاب لأن المؤلف لم يفرق بين الجد و الحفيد و كأن ذكر هذا الاسم جاء مجاملة أو شيء من هذا القبيل, لإن الممثل القوي للكرد في ذلك الوقت كان الزعيم حسن حاجو المشهور بقوته و شجاعته و مثل الجزيرة عدة مرات تحت قبة البرلمان السوري لكن المؤلف غض النظر عن ذكر هذا الزعيم الكردي الكبير الذي يجابه التعتيم منذ رحيله من قبل الكثير من الجهات حتى الآن و كأن لسان حال الكتاب يقول كما قال محمد طلب هلال من قبله في دراسته المشهورة عن الجزيرة:
لا تقطعن ذنب الأفعى و ترسلها إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا
و هنا لا أقصد ابداً الإساءة إلى مناضل بقامة قدري جميل الجد و سيبقى دائماً و أبدا رمزاً منيراً في تاريخ الشعب الكردي بنضاله و كفاحه المستميت من أجل حقوق شعبه المضطهد, أما قدري جميل الحفيد بكل نفاقاته السياسية فهو و أمثاله مبارك لكل من يطالب الشعب الكردي بتقديم صلاح الدين أيوبي جديد ليتقدم أمامهم إلى تحرير القدس, لأن الشعب الكردي ليس بحاجة لأمثالهم لأنهم بالنسبة للكرد في كافة أنحاء الكون نسخات منسخة من عصمت إنانو و بولند أجويد , وعلى سبيل المثال لا الحصر للكرد صلاح الدين أيوبي آخر إسمه صلاح الدين دمرداش الذي يصوب إصبعه في عين أردوغان تحت قبة برلمانه مطالباً بكافة حقوق شعبه الكردي أينما كانوا.
هذا على المستوى العام أما على مستوى الشعب الكردي في سوريا يمكنني الجزم إن كل كردي يفوق صلاح الدين الأيوبي بكثير و لكنه أخذ العبرة و بات صلاحاً لنفسه و أمته و أرضه و إذا ما صلح المرء لأرضه و بيته و أهله لا بد أن يكون صالحاً مع الآخرين و هذا ما تحتاجه سوريا الجديدة أو بالأحرى سوريا الشهيدة التي تحتاج إلى عشرات السنين كي يتوقف نزيف دمها و تلتئم جراحاتها.
و هنا مطلوب من كل كردي يحمل في نفسه حتى و لو ذرة حقيقية من قوميته أن يحيي كافة الأحزاب الكردية بكل توجهاتها و بكل انقساماتها و بكل عيوبها و تمزقاتها قبل التوحيد و بعد وحدة التوحيد الذي نسأل الله على أحدية هذه الوحدة الواحدة و أن لا تكون مجرد حبر على ورق يذهب في آخر المطاف مهب الريح, نحييهم لأنهم سارعوا في لم شمل الشارع
الكردي و عدم السماح لأولئك الذين ملأوا شوارع المدن الكردية بشعاراتهم الهادفة إلى جرد الشعب الكردي ليس فقط من جنسيته كما فعل البعث بل جرده من أرضه و اسمه و كل ما هو كردي في نظرهم عبر شعاراتهم المواطنية مثل( اتركوا كرديتكم وراءكم و تعالوا نتحد و نتمسك بسوريتنا لأنها أمنا الأولى و الأخيرة) ما يحز في النفس إن مثل هذه الأفكار و الشعارات ولدت على أيدي البعض من الكرد الذين صدقوا إنهم سيتحولون إلى صلاح أيوبي جديد, و بعكس ما ورد في الكتاب إن الأحزاب الكردية بدون استثناء تستغل الدم الذكي لسوريا الجريحة و تحقق على حسابها مكاسب و يهيئون مناجلهم لحصد ما زرعه دم الأبطال في معظم محافظات سوريا… فإن الشعب الكردي و على رأسه حركته القومية بكل تمزقاتها حتى لو تعدت ألف جزء و بكل خلافاتها و إختلافها ليس متطفلاً ليحصد ما يزرعه الآخرون و هم لا ينصبون أفخاخً للوطن في نهاية المطاف و هنا يمكننا ذكر الجرح الكردي الذي لا زال ينزف منذ انتفاضة قامشلو و حتى اللحظة يزف الكرد شبابهم المجندين في الجيش العربي السوري و هم بأعمار الزهور إلى مثواهم الأخير, بعد إندلاع إنتفاضة قامشلو 2004 وتم قمعها بأشد الأساليب وحشية كانت السلطات تقتل شباب الكرد المجندين في الجيش العربي السوري لإنتمائهم القومي و بعد إندلاع الثورة السورية باتت تقتلهم لأنهم يرفضون قتل الغير من السوريين, سنوات مضت و لم نسمع إن شاباً مسيحياً أو عربياً قتل في الجيش أو تعرضوا للإعتقالات حتى اشتعلت نيران الثورة و بات الوطن بأكمله مشروع شهيد
رؤية حركة الإحياء العربي الديمقراطي عبر كتاب المسألة الكردية في سوريا هي تجديد عنصري آخر لدراسة محمد طلب هلال أو بالأحرى الوجه الحضاري و المتمدن لاجتثاث و تحرير سوريا من كل ما هو كردي, كما عبر الأستاذ قرياقس في الصفحة 65 من الكتاب معبراً بجملة تجريحية قوية: (بعد اتفاقية الجزائر 1975و تحرر العراق من القضية الكردية…) و كأن القضية الكردية هي التي استعمرت العراق و دمرت العراق و ليس العراق الذي دمر نفسه بنفسه عبر خوفه أو بالأحرى تمسكه برجالٍ من رماد لكن العراق حولهم إلى نيران تحرق الأخضر و اليابس حتى اخترق ذلك الحريق حدود العراق و رويداً رويداً بدأ الشرق الأوسط كله بالاحتراق, هذا الشرق المسكين الذي يبحث عن السبب الحقيقي لكل هذه الثورات و الصراعات فوق أرضه و هو لا يدرك أو إنه يدرك و يغض النظر عن الإدراك إن السبب هو فشلهم في السياسة و إذا ما نجحوا في التعبير عنها فإنهم يفشلون في تطبيقها عملياً و كل ذلك سببه الخوف, لأن الخوف بات العدو الأول و الأخير لأبناء هذا الشرق الدامي لسنوات طويلة و هم قابعين في خنادق الخوف و لم يعرفوا الخروج منها و إذا ما خرج البعض منهم كان الموت لهم بالمرصاد.
إن القيادة الحقيقة للوطن و الشعب هي التي تثبت للآخرين إن أعداءه يصدرون لرأي واحد و يعملون لأهداف مشتركة و يؤكد لشعبه إن الشعوب التي تشتت قواها في مواجهات كثيرة من الداخل و الخارج لا تلبث أن تنكسر و تصاب بارتياب الشك في عدالة قضيته و هذا ما يحصل بالضبط لهذا الشرق المسكين المصاب بالنقص و انعدام القوى أمام الآخرين.
الشعوب القوية هي تختار قياداتها و تستغل فنونها لتهتم بأوطانها و تركز على تقدم و تطوير مدنها أما قياداتها فإنها تركز على أعداءها الحقيقيين لا المفتعلين و الوهميين التي هي من صناعة الأعداء أنفسهم و هذا ما يحتاجه الشرق في هذه الأوضاع الدامية.
لم أشأ الخوض أكثر بين السطور المخفية من محتوى الكتاب و سأوجز بما سردته لأن الغوص في قاع مظلم يحتاج إلى أنفاس عميقة و قد ضاق بي النفس و أنا أغوص بين بحر نور رؤية حركة الإحياء العربي الديمقراطي لقضية أرض و شعب و وطن يناضل منذ آلاف السنين من أجل حريته و كرامته الممزقة بين حقول الألغام و أسلاك الحدود.
لم تنجح النازيات الشرقية أمثال الحزب العفلقي و البعث السوري و الحزب الشيوعي من محو الشعب الكردي في سوريا فهل ستنجح القادمات أمثالهن و منهن حركة الإحياء العربي الديمقراطي في محو هذا الشعب من على أرضه التاريخي و التي تشهد على وجودها التلال الصامدة من حضارات مثل حضارة أوركيش.
سؤال يتصيد جوابه من مستقبلٍ قاتم لوطن شهيد اسمه سوريا الجديدة.