الثورة…. كرديا

  ريزان قامشلوكي

هناك حالة من الخلط بين الحراك الثوري الكوردي و ممارسات الاحزاب و التنظيمات الكوردية التي فقدت و منذ فترة رونقها بين الجماهير و التي سبقتها الجماهير و تقدمت عليها سواء من ناحية الوعي او من ناحية الفعل الذي انطلق اساسا من كسر حاجز الخوف (الذي لا تزال تعانية تلك الاحزاب و يستغلة كل من لدية القوة) الذي كانت الجماهير الكوردية سباقه فيه على صعيد سوريا عموما وذلك منذ 2004.

حالة الخلط المذكورة تخدم في ماهيتها تلك الاحزاب فقط سواء في بازاراتها السياسية او في الادعاء بتمثيل ذلك الحراك الذي تلعب فية تلك الاحزاب دورا باهتا ان لم يكن عكسيا,
 و بالرغم من الادعاء المتكرر من قيادات تلك الاحزاب بالامساك بزمام الامور و قدرتها على السيطرة على الشارع الكوردي فان الحقيقة التي لم يعد بالامكان حجبها هي ان العلاقة بين تلك الاحزاب و الجماهير العريضة لم تعد تتعدى حالة من التعاطف القومي (بعد ان اثبتت التجارب المتكررة ان الأحزاب الحالية بهيكليتها وبرامجها الغامضة و انظمتها الداخلية التي عفا عليها الزمان لا ترتقي الى مستوى تمثيل مكون أساسي في بناء دولة او تسيير امور اقليم لهذا المكون) وهذا التعاطف يتم استغلاله بصورة بشعة من قبل الاحزاب كما من قبل النظام كما ان حالة الخلط المذكورة انفا تخدم في نفس الوقت النظام و مخططاته و دوائره الامنية التي استطاعت و منذ زمن ايجاد الاليات المناسبة للتحكم بتلك الاحزاب و السماح لها بالحركة و لكن في اطار المتحكم به سواء تعلق الامر بطروحاتها او بتوسعها التنظيمي.

وقد تناولت في كتابة سابقة حقيقة مشاركة الكورد (وهنا اقصد الجماهير) في الثورة و ساحاول ان اتناول هنا و باختصار وضع الحركة (وهنا اعنيها كهياكل و قيادات اولى لعلمي بالاخلاص الشديد و التفاني الذي يبذله الاعضاء العاديين المغلوب على امرهم).

فقد اثبتت الثورة ان احزاب حركتنا الكوردية لا تستطيع ان تعمل الا وفق الاجواء و المناخات و الشروط التي فرضتها سلطات القمع البعثي و ضمن الحدود التي سمحت لها بها الاجهزة الامنية التي كانت تغض الطرف عن و جودها  الهش فتحولت  بذلك تلك الاحزاب الى حالة من حالات المسايرة مع النظام و هنا لا بد للثورة العارمة الحالية ان تغير فيها ايضا ما تريد تغييره في النظام.
لقد اثبتت انتفاضة اذار 2004 عدم صلاحية الاطر الحزبية الحالية لادارة الازمات الحقيقية و قيادة النضالات العملية و ليس كما تعودت بالنضال على الورق وفي اطار الممكن و المسموح امنيا وادت ارتجالية قراراتها الى انزلاق الكثير من تياراتها حينها و تحت حجج و ذرائع مختلفة (كالمحافظة على السلم الاهلي او وأد الفتنة او غيرها) الى جهة اخماد الثورة و بسرعة بينما كان عليها اخذ العبرة من التجربة و ايجاد اليات تستطيع توظيف الاحتقان الشعبي و الطاقات الشبابية التي فجرت الانتفاضة المذكورة  في خدمة الهدف الاسمى التي تدعي العمل لاجله و ذلك بتنظيمها في اطر تتناسب و الحالة الكوردية الجديدة التي افرزتها تلك الانتفاضة, و لكن و لان البنية الاساسية لهذه الاحزاب سواء تنظيميا او فكريا قد شاخت (و اخترقت “بضم التاء) واصبحت تتطلب اعادة بناء جذرية يجعلها قابلة لاستيعاب و تفعيل الطاقات الشبابية و الخروج من النمط الحزبي القابل للتحكم به امنيا والذي اعتادته تلك الاحزاب ,
كما ان عملية اعادة البناء المذكورة ستطال اول من تطال القيادات المفروضة على الاحزاب و الشعب الكوردي بان واحد و التي اتت بمعظمها بانقلابات داخلية فان هذه الاحزاب لم تستطع تلبية متطلبات اعادة البناء تلك بل لم تحاول ذلك, مما جعل عملها يدور في حلقة مفرغة من ردود الافعال و محاولة التجاوب الاني الترقيعي مع المتغيرات و المستجدات و ارتأت لنفسها بعض الهياكل التنسيقية و الاعمال المشتركة كغطاء قد يستر عورتها و هيكليتها المتفتتة و المبتلية بكل امراض العصر و رات
 قياداتها في تجمعات شكلية منفذا يخرجها من تحت قصف النقد الذي ركزه كل من تناول الحال الحزبية الكوردية على حال التشرذم و التفتت مما جعلها تشكل تجمعات (نظرية) مختلفة التسميات من جبهة الى تحالف الى هيئة تنسيق و هلم جرا.

بالاضافة الى بعض الحالات الوحدوية الارتجالية الهشة التي ما لبثت ان انهارت بل و فرخت ايضا.
وإذا استطاعت الأحزاب تجاوز مرحلة الانتفاضة في اذار 2004 باقل الخسائر على المستوى الحزبي وذلك بسبب قصر أمدها و عدم تجاوب الكل السوري معها (لاسباب عديدة لسنا بصدد التعرض لها هنا) عندما شكلت ما سمي بمجموع الاحزاب الكورديه والتي ارتكبت خطأ سياسيا تأريخيا فادحا وذلك عندما تجاوبت مع الحل الامني و حاورت سلطات امنية في قضية و طنية سياسيه بحتة مفرغة بذلك القضية من محتواها السياسي ومحولة اياها كما اراد لها النظام الى مسألة امنية, فان الثورة السورية العارمة الحالية و سرعة تجاوب شباب الكورد معها لم يعد من الممكن تجاوزها بتشكيلات مشابهة و ذلك لانها فرضت واقعا جديدا تمثل في خروج الشباب الثائر من قوقعة الصومعات الحزبية و تجاوبة الفطري مع الثورة العامة في اصقاع البلاد و ايجادة فيها متنفسا حقيقيا لطموحه نحو الانعتاق و لم يبقى امام الاحزاب المذكورة و بعد شهور من انطلاق الثورة و بعد ان تيقنت من استمراريتها وحتمية انتصارها الا محاولة التسلق على جهود هؤلاء من خلال تطويع تلك التنسيقيات الشبابية الثائرة , ساعدتة في ذلك ضعف تجربة الشباب الثائر و انعدام الدعم المادي و اللوجستي لمتطلبات نشاطهم التي اصبحت تتزايد باطالة امد الثورة و استغلت هذه الاحزاب حاجة الشباب للدعم و كذلك علاقاتها مع قيادات الاحزاب الكوردستانية من خارج الحدود لتستطيع تطويع هؤلاء و ادخالهم في فلكها ورأت منفذها في ما سمته بالمجلس الوطني الكوردي الذي حاولت من خلاله الحفاظ على بقائها و بنفس الوقت السيطرة على التنسيقيات و التحركات الشبابية.


و لكن هذا المجلس كان امام محك اصعب باصطدامة بتنظيم (لا يعترف اصلا بالباقين كاحزاب) رفض الانطواء تحت خيمة المجلس المذكور وذلك لان الظروف الحالية و العلاقات التاريخية التي نسجتها امتداداته الكوردستانية مع النظام تسمح له باكثر و كذلك جاهزيتة التنظيمية العالية و امكانية استخدامه لامتداداته الكوردستانية تلك بدعم عسكري وقت ما شاء خاصة وان وجود مثل هذا التواجد العسكري مرحب به و لا يتناقض البته مع مخططات النظام (بمحاولاته خلق بلبلة على حدود دول الجوار التي ترعى تيارات من المعارضة السورية بالتلويح بالورقة الكوردية التي استخدمها مرارا)
 و محاولاته ضبط المناطق الكوردية الحساسة و الاستراتيجية كخطوط امداد ممكنة لمعارضية او جسر تواصل جغرافي بين دول الجوار و الداخل الثائر عسكريا بوجة النظام و باقل التكاليف فما بالك اذا كان مجانا او على حساب الكورد ..
 هذا التنطيم دخل وبقوة و بدا بفرض سيطرته الى جانب النظام (وليس كما يدَعي البعض محل النطام)  على اغلب المناطق وعلى مرأى و مسمع من النظام بل بموافقة ضمنية منه و بدا بممارسة سلطته و مهمته الموكلة الية بالقوة بدءا بالتعرض للمظاهرات و تحويل مسارها و شعاراتها وأعلامها و تحويلها الى مظاهرات موجهة الى دول الجوار وخاصة تركيا وليظهرها و كانها ليست جزءا من الحراك الثوري السوري العام كما اراد لها الشباب الكوردي الثائر و انتهاء بمنعها في مناطق عدة و الاعتداء على نشطائها,  مما وضع المجلس الكوردي في موقف حرج خاصة بعد تعرض الكثيرين من اعضاء تنظيمات المجلس نفسة للاعتقال و الملاحقة على ايدي مسلحي سلطات الامر الواقع الجديدة و جعلة يبحث لنفسة عن مخرج فكان تشكيل ما يسمى بالهيئة الكوردية العليا كمنفذ, و لكن المولود الجديد اتى برأيي منذ بدايته ممسوخا فال ب ي د اراده تشريعا لعمله و ممارساته التي يصفها الكثيرون بالتشبيحية  و فرصة له لامتصاص النقمة التي بدات تتزايد ضده و ذلك بالادعاء بتواجده باتفاق عام وضمن اطار شامل مستغلا ان  راعي هذا الاتفاق هو الرمز مسعود البارزاني, و المجلس اراده كمحاولة للجم سيطرة ال بي د المنفردة و بالقوة على الارض و تبريرا يغطي به على ضعفه و هشاشته  امام هيمنة ال ب ي د و واجهاته المختلفة ويتهرب من خلالة من استحقاقات اعادة بناءه و بناء مكوناته الحزبية التي فقدت باغلبها مصداقيتها و زخمها الجماهيريين, و هذان الهدفان يتعارضان في فحواهما ويجعلاه غير قابلا للحياة  بالرغم من محاولة القيادة في كوردستان العراق و باخلاص الاضطلاع بدور الضامن و الراعي للاتفاق المذكور (كمحاولة لمنع اي اقتتال داخلي كوردي).


 ان تشكيلة الهيئة العليا الحالية و الواقع على الارض ومنطلق طرفي الاتفاق في التوقيع عليه حولاه الى نسخة كورديه للجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة شكليا في سوريا (و التي سعى البعض من احزابنا سابقا و دون مواربة او خجل الى الانضمام اليها)  يتبع اتجاها واحدا بحزبه و هيئاته و اتحاداته و غيرها من التسميات والقوة و السلطة الفعليتين بيده يقمع و يعتقل حتى حلفاءه في الهيئة  والاخرون ما عليهم الا الرضوخ و يفرض من خلال شرعيته المستمدة شكلا من الهيئة اتاوات و ضرائب و لا ينسى الاستفادة القصوى من الوقت الضائع الحالي بان يجند لساحة حزبه الام اكبر عدد ممكن من الشباب تارة باسم الشعارات الكوردستانية واخرى بابتزازهم بمسائل كالتخيير بينهم وبين التجنيد الالزامي في جيش النظام و غيرها ..
خلاصة القول وامام هذه الحالة التي حاولت و باختصار التعرض لها  فان الثورة في مناطق الكورد لا بد لها ان تاخذ منحى اخر و معنآ اضافيا و ذلك بالمشاركة التامة مع الثورة الحالية وهو ما تم منذ اليوم الاول و لابد من زيادة زخم تلك المشاركة و فعاليتها حتى اسقاط النظام ومن ناحية اخرى الثورة على التجمعات الحزبية التي تشكل بنمطها الحالي افرازا لسياسات النظام وتفرض علينا واقعا سياسيا مزريا لم يعد بالامكان اصلاحه .


انني اعتقد جازما ان سياسة التنكيل و الاضطهاد المضاعفين التي تعرض لها الشعب الكوردي و التي جعلته يتفاعل و بسرعة مع الثورة السورية المظفرة وكذلك سياسة اللا حركة لتجمعاتنا الحزبية  لن تمر بعد الان و تحت اية مسميات وذرائع كانت , وان شعبنا الذي قدم كل هذا الكم من التضحيات على مدى العقود الماضية لن يسمح بعد اليوم لكل من هب و دب للتحكم برقاب ابناءه .

وان الثورة ستاخذ منحاها الطبيعي بكل ما تعنية كلمة الثورة من التغيرات الجذرية
rezanqamisloki@hotmail.com  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…