قراءة في تجربة لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الكردي في سوريا

عبد الحميد درويش

باشرت الأحزاب الكردية بعقد اجتماعاتها ومداولاتها على إثر إندلاع ثورة الحرية والكرامة التي انطلقت في 15 آذار من درعا بجنوب البلاد ، من اجل الوصول إلى صيغة من التحالف والتعاون لمواجهة ماقد تؤول إليه أحداث درعا ، والتي قد تتطور لتشمل البلاد بأكملها في مواجهة الحكم الديكتاتوري البعثي ، وبالفعل عُقدت عشرات الاجتماعات بين تلك الأحزاب خلال فترة قاربت الستة أشهر ، إلى أن أنجزت اتفاقاً بعقد مؤتمرعام للقوى الحزبية والوطنية المستقلة ، فعقد المؤتمر بحضور ( 253) شخصية تشمل معظم الأطراف والقوى الوطنية ، وخلال يوم كامل من المناقشات والمداولات ، تمَّ الاتفاق على تسمية المؤتمر بالمجلس الوطني الكردي الذي تمخض عنه قيادة سميت ( باللجنة التنفيذية ) انبثقت عنها لجنة سميت بالأمانة العامة .
وبالرغم من جميع السلبيات التي رافقت النقاشات في المؤتمر والمزاودات التي برزت هنا وهناك من بعض الأطراف والتي لاتتلاءم والمرحلة التي يمر بها الشعب الكردي في سوريا ، فقد قبل حزبنا إلى جوار أطراف أخرى كل ذلك على أمل أن تتمكن الأحزاب الكردية تجاوز تلك السلبيات وترقى إلى مستوى المسؤولية الوطنية ، وتمارس سياسة تنسجم مع نضال القوى الوطنية السورية بوجه عام ، وأن لاتتحول إلى عائقٍ أمام توحيد القوى المعارضة الوطنية ، كذلك قبل حزبنا مبدأ التساوي مع باقي الأحزاب بغض النظر عن احجامها وجماهيريتها ، بغية انجاح المؤتمر الوطني الكردي .
إلى ذلك انبثق عن اللجنة التنفيذية ، لجنة اخرى سميت بلجنة العلاقات الخارجية تكونت من ستة شخصيات وهم : عبد الحميد درويش – كاميران حاج عبدو – وليد شيخو – سعد الدين ملّا – كاميران حاجو – طلال الباشا ، مارست هذه اللجنة مهامها بشكل مقبول بين أوساط المعارضة الوطنية ، واستطاعت في النهاية التوصل إلى اتفاق ثلاثي مع ممثلي المجلس الوطني السوري – المجلس الوطني الكردي- هيئة التنسيق الوطنية ، على أن تباشر الأطراف الثلاثة مناقشاتها وحوارها حول مستقبل البلاد والوصول إلى صيغة للمرحلة الانتقالية مابعد حكم الدكتوربشار الأسد ، وبالفعل فقد أدت تلك اللقاءات الثلاثية إلى نتائج من أهمها قبول التعامل مع المجلس الوطني الكردي ككتلة مستقلة تمثل المكون الكردي .


بيد أنَّه لم يمض وقت طويل حتى بدأت المناورات لإفشال هذه اللجنة والاتصال بشكل منفرد وبدون علم اللجنة مع المجلس الوطني السوري ، بل والاتفاق معه خلافاً لقرارات المجلس الوطني الكردي ، وعليه دخلت لجنة العلاقات الخارجية مرحلة من الجمود والعجز ، ثم عقبت هذه الخطوة خطوة أخرى تعجيزية وذلك بإضافة أربعة أعضاء جدد إلى اللجنة ، وكأن اللجنة بحاجة إلى زيادة الاعضاء ، وليس إلى دعم حقيقي من اللجنة التنفيذية ، وكانت هذه الخطوة بدورها تعقيداً آخر أمام اللجنة التي أضحت ميداناً للمناورات الحزبية والشخصية ضيقة الأفق .
وعلى الرغم من كل ماحدث من نقائص ، حاولنا إنجاز مايمكن إنجازه مع المعارضة الوطنية من توافق حول الرؤى والتوصل إلى مايمكن الوصول إليه من أجل خدمة الشعب السوري ، ونضاله البطولي في سبيل الحرية والديمقراطية وفي سبيل إقرار الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا .
وكانت آخر هذه المسرحيات المخجلة في القاهرة خلال مؤتمر المعارضة الوطنية في الثالث من شهر آب 2012 ، حيث افتعل بعض أعضاء الوفد الكردي المشارك – وبشكل مدبّر- مسألة الانسحاب من المؤتمر وإحداث ضجة مفتعلة اغضبت القريب والبعيد ، فكانت – بحق – مثار تساؤل واستفهام ، والجدير بالذكر أن الانسحاب وقع خلافاً للاتفاق بين اعضاء اللجنة ذاتها .
ثم جاء تدبير آخر من الوطن ومن أعضاء المجلس الوطني الكردي يقضي بتوسيع لجنة العلاقات الخارجية لتشمل كل الأحزاب المنضوية في المجلس وأربعة مستقلين ليصبح العدد (20) عضواً يتولون مهام التواصل مع المعارضة وتدبير الشؤون الخارجية ،  ويتولى مسؤولية اللجنة المذكورة أربعة اعضاء يستبدلون بأربعة آخرين كل شهرين ، وبالتالي تحولت هذه اللجنة إلى كرة يتقاذفها هؤلاء ويتولى شؤونها في بعض الدورات أعضاء قليلي الكفاءة والخبرة السياسية ، ناهيك عن إنعدام المسؤولية ، إنَّ الإفراط في عدد اعضاء اللجنة بهذا الشكل وخلافاً لقرارات اللجنة التنفيذية  إنما كان هدفها إفشال أي جهد من قبل المجلس الوطني الكردي على طريق التفاهم مع المعارضة الوطنية السورية والوصول معها الى صيغة للتفاهم حول تثبيت الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، ونظراً لأنني كنت رئيساً لهذه اللجنة لفترة طويلة نسبياً، فإنني أقول لإخواني أعضاء المجلس الوطني الكردي بأن مثل هذه الأساليب قد تخدم بعض الأحزاب التي لاتشكل تواجداً على أرض الواقع، لكنها تلحق أشد الأضرار بمصلحة الشعب الكردي ونضال الشعب السوري من أجل الحرية والديمقراطية وعلى هذا الأساس فإنني أدعو إخواني في المجلس الوطني الكردي إلى إعادة النظر في القرارات التي تتخذ بشكل لاتراعي المصلحة العامة وإنما مصلحة بعض الجهات والأحزاب التي تريد إثبات تواجدها عن طريق المجلس الوطني الكردي وليس عن طريق جماهير الشعب.
من هنا يتوجب على المجلس الوطني الكردي أن يعيد النظر بهذه القرارات الخاطئة والتي تشكل خطراً على استمرارية المجلس ذاته وتهدد المكاسب التي تحققت بعد جهود طويلة، وأن لايكون هذا المجلس مسرحاً للمناورات والمزاودات التي لاطائل من ورائها وان يصار إلى إختيار أعضاء لجنة العلاقات الخارجية من الهيئة التنفيذية حسب الكفاءة والقدرة السياسية للأشخاص – حزبيين كانوا أم مستقلين – وليس حسب المحاصصة الحزبية التي يريدها البعض والتي لاتصب مطلقاً في خدمة ومصلحة شعبنا القومية والوطنية.

السليمانية 15/09/2012

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…