جبهة الكتابة

إبراهيم اليوسف

يتم الحديث، أثناء تناول العلاقة بين السياسي والثقافي، عن استنساخ الثقافي لجملة العثرات التي واجهت مسيرة السياسي، وهو يحمل رسالة شعبه التائق إلى العدالة والحرية والمساواة، وغيرها من القيم السامية والنبيلة التي تكون من عداد مسوّغات انطلاقة وديمومة أية مؤسسة سياسية، لاسيما في ظل وجود قضايا كبرى: أرض محتلة، وإنسان مستلب وثقافة بائسة، حيث ثمَّة صورة تطرق بوابة الذاكرة-بإلحاح-وهي أن جملة الآليات والوسائل والأدوات التي اعتمدها السياسي، لم تقم بأي إنجازفعلي، بالنسبة لمثل هاتيك القضايا برمتها، و إن الأمور لما تزل على أحوالها، بل إن ما يتعلق بعالم حرية المواطن، لما تزل هناك عنونات كثيرة، من حولنا، تشهد تدهوراً هائلاً في مجالاتها،
الأمرالذي يدعو إلى الحكم على مشروع السياسي، بأنه ظل في حدود صدمته بالمعوقات الذاتية والموضوعية، ولم يتمكن من تجاوزهاالبتة، وهوما سبب في الإعلان عن سقوط مشروعات كثيرة، بالرغم من انطلاقة بعضها من نقاط إيجابية، على الصعيد النظري، تحمل الخير للإنسان، في ما لو تهيأت لها حوامل فاعلة غيرتلك التي ظهرت -طرَّاً – خلال بضعة العقود الماضية، ونسبت إليها-شخصياً- أسباب سقوط هذه المشروعات، في منظور الضميرالجمعي لشعوبها، قبل سقوطها العلني وفق المعاييرالكونية، ناهيك عن أن عدم قدرة هذه الحوامل على تجديد نفسها، بسبب اعتمادها على تفردها، وما يتبع هذاالمصطلح من لوازم طبيعية..!.

ومن المآخذ التي بدت تظهرللعيان، بعد الفشل الذريع الذي مني به السياسي، أنه لم يعد يكتفي بمواصلة حالات احتوائه للمثقف -عامة- والكاتب -خاصة- من خلال ممارسة كل صنوف استمالته، وهي معروفة، الأمرالذي كان قد جعلنا أمام تصنيفات مختلفة للمثقف، تبعاً لعلاقته بالسياسي، وإنما بات السياسي يروح أبعد من ذلك، حيث يريد استنساخ فشله ثقافياً، كمحاولة أخيرة منه لخلط الأوراق، وضمان حلم ديمومته، بأدواته البالية،  بعد أن فوت على نفسه فرصة تجديدها، واللحاق بركب الحياة، والارتقاء إلى مستوى سؤال المرحلة، عبرنشرثقافة اليأس، عمودياً وأفقياً، وسد الطريق أمام أية ثقافة تنويرية – كحد أدنى- كان ولايزال يجد فيها خطراً على نزعاته الفردية، ولعل ذلك يبدأ -قبل كل شيء- من خلال سعيه إلى شرذمة جبهة الكتابة، عبر اختراقها، و شقها،  وتجزئتها، وغرس ثقافة التنافروالكراهية بين رموزها،وثمة أمثلة حية، يمكن الإشارة إليها، خلال أية وقفة مستفيضة مناسبة.
 
إن الكاتب-الآن- وفي هذه الظروف شديدة الحساسية، أمام مهمة تاريخية عظمى، إذ عليه، أن يعنى بعلاقته مع سواه من الكتاب العاملين من أجل قضايا الوطن والإنسان، مهما اختلفت السبل والطرق التي يعتمدها كل منهم، لأن الموقف التنافري، التنابذي، الذي قد يبدو ضئيلاً لاشأن له، بين معاشرالكتاب أصحاب القضية الواحدة، ستنعكس له نتائج كارثية كبيرة ليس على القضية نفسها فقط، بل على مصداقية الكاتب الواحد، أنى كانت ركائزخلافه مع غيره، حيث لابدّ من التحلي بخصيصة نبذ الأنا المتضخمة، في ما لو تكون حائلاً دون مأسسة عمل الكتاب، على أسس قوية راسخة، وهي في التالي مساهمة في تعزيز جبهة الكتابة، هذه الجبهة التي يعد أي خروج عن ثوابتها إعاقة-في أقل تقدير-لمسيرة جبهة الكتابة..! .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…

فرحان كلش طبيعياً في الأزمات الكبرى تشهد المجتمعات اختلالات عميقة في بناها السياسية والفكرية، ونحن الآن في الوضع السوري نعيش جملة أزمات متداخلة، منها غياب هوية الدولة السورية وانقسام المجتمع إلى كتل بطوابع متباينة، هذا اللاوضوح في المشهد يرافقه فقدان النخبة المثقفة الوضوح في خطوط تفكيرها، وكذا السياسي يشهد اضطراباً في خياراته لمواجهة غموضية الواقع وتداخل الأحداث وتسارعها غير المدرك…