أسباب تراجع المظاهرات في المناطق الكوردية وتقيمها

  شهاب عبدكي
 
حوار غير رسمي وبدون مقدمات جرى في قاعة المجلس المحلي في سري كانيه ، بين بعض المثقفين والمهتمين والسياسيين حول أسباب تراجع حجم المظاهرات في مناطقنا ، وما هي السبل لإعادة الوضع لحالته الطبيعية ، حتى تشارك كل فئات المجتمع بالتظاهرات كون أسبابها لا تزال قائمة.
تكمن أهمية هذا الحوار انها تأتي في وقت مهم بالنسبة للوضع الكوردي ، وبعد توقيع اتفاقية هولير والتي تتعرض لانتقادات  من أغلب المهتمين لبطئ تطبيقها ، وهي مقارنة بين تأثير الوضع السياسي والمزاج العام في دعم المظاهرات ، وكان الطرح والنقاش يدور حول اراء  اجتمعت في ثلاث محاوراساسية  .

الرؤية الأولى  :
 حيث ردت الأسباب إلى عدم المشاركة الفعلية للأحزاب الكوردية في التظاهرات والاكتفاء بمشاركة رمزية ، بالتالي لابد من اجبار الأحزاب التي تدعي أنها جزء من الثورة القيام بواجبها في تعبئة جماهيرية وإلزام أعضاءها في الخروج لدعم الاحتجاجات .
الرؤية الثانية :
ركزت على عمل التنسيقيات الكوردية ، والتي ابتعدت عن هموم الشعب الكوردي وقضيته ، وبدأ بفرض أجندات خارجية ، فمثلاً المجلس الوطني الكوردي له موقف مضاد بخصوص التدخل الخارجي ، فتقوم التنسيقات الكوردية بقبول ورفع  لافتات تحت هذه التسمية التي تدعو إلى التدخل العسكري ، مما يثير حفيظة الأحزاب من الوضع بشكل عام  .
 سبب أخر حول تلقي  بعض التنسيقيات لأموال سياسية مقابل رفع لافتات تدعم بعض الجهات الخارجية سواء كانت إعلامية أو إطار معارض ، وهذه التنسيقيات هي نفسها التي تقوم بترويج الادعاءات على بعضها ، وحول أمور كثيرة لا يقبلها المجتمع الكوردي  ، والتي قللت من احترام هذه التنسيقيات في الاونة الاخيرة ، فالدعم المادي وارى هذه التسمية أكثر انسجاماً مع واقعنا ، هي ضرورة بشرط أن تحافظ هذه التنسيقيات على اتزانها ،  وتقبل بفكرة انها حالة طارئة ، وكانت إيجابية في بداية الثورة ،  ولكن لم تستطع أن تحافظ على تلك الحالة ، فبدلاً أن ترتقي تصاعدياً كان العكس هو المسيطر .
الرؤية الثالثة :
والتي طرحتُها في هذا الحوار ، ركزتُ فيها على جوانب عدة وأسباب عديدة .
 البحث في موضوع بهذا الحجم لابد من شرح للخارطة السورية الحالية ، لأننا نناقش قضية في ظرف لا يزال النظام يمارس كل أنواع القمع والقتل وهناك تطورات أخرى مرافقة لما قام به النظام ، مما يحتم زيادة حجم الاحتجاجات وليس تراجعها ، وتطرقت في  ذلك لسببين رئيسين   :
الأسباب الموضوعية :
والتي تتعلق بالوضع العام في سوريا ، حيث تحولت الثورة من احتجاج سلمي إلى احتجاجا مسلحا للدفاع عن النفس ، من ثم إلى حرب عسكرية بين فريقين مؤيد للنظام ومعارض له  ، والذي فرضه النظام على المجتمع السوري لعدم استجابته لمطالب الشعب ، عبرت عنها  المظاهرات السلمية في بداية الامر ، والتي تطالب بالتغير من دول استبدادية إلى دولة ديمقراطية مدنية ينعم المواطن بالحرية .
هذه الحرب تطورت وأخذت بُعداً طائفياً في بعض المحافظات ، ويمكن القول أن النظام نجح في تمرير ذلك ، ونجح في الفخ الذي نصبه للإعلام والذي بدأ يروج  بكثافة لحرب أهلية قوامها طائفيتين  ، من هنا تأتي ضرورة تفهم نفسية الشعب السوري عامة  ، و الكوردي خاصة ، و الذي ينبذ النزاع الحاصل والمستمر ، لأنه غير معني بكل ذلك ، فكل مطالبه تدور حول سوريا كدولة ومؤسسات تخدم الشعب بكل مكوناته ،  وليس الانتقام من طائفة معينة .
الأسباب الذاتية :
لا يمكن اغفال دور اتفاقية هولير وتأثيرها على الوضع السياسي الكوردي ، وهذا الجانب سوف أناقشه بشكل موسع وأكثر وضوحاً .
الاتفاقية التي وقعت بين المجلس الوطني الكوردي ومجلس غربي كوردستان  ، وإن كانت لأجل حماية الشعب الكوردي من صراع داخلي محتمل ، ولكنها أتت على حساب المواقف السياسية للمجلس الوطني الكوردي اتجاه الثورة السورية ، ومع مرور الوقت ، وعدم تنفيذ بنودها والاستفراد الكلي بإدارة بعض الأمور في مناطقنا ، وتسهيل ذلك من قبل الجهات الرسمية ، يعطي انطباعاً بأن الكورد أصبحوا خارج دائرة الثورة ، بالتالي أدت هذه السياسيات الممنهجة لابعاد النخبة السياسية عن الاحتجاجات ، والذي يؤثر في محيطه الشعبي بشكل مباشر .
من ناحية أخرى المجلس بحاجة لآلية تنظيمية سليمة ، لاتخاذ بعض التدابير الاحترازية لعدم الانزلاق إلى مواقف لا تخدم مصالح القومية الكوردية في سوريا وتحالفاتها المستقبلية ، بالتالي عليها عدم الخلط بين بعض المفاهيم السائدة ، فمثلاً التفاهم مع مجلس غربي كوردستان لا يعني حل المجلس الوطني الكوردي سياسياً ، إنما السعي لإيجاد نوع من التوازن بين تنفيذ هذه الاتفاقية ، وكيفية الحفاظ على موقعه في الثورة السورية ، وذلك عبر اجراءات محددة تتعلق بخدمة الثورة في المناطق الكوردية  .
السبب الذاتي الآخر متعلق بعمل التنسيقيات في المناطق الكوردية وقد اشرت لبعض الأمور في الرؤية الثانية ، ونتطرق هنا لبعضها الاخر ، ببساطة هذه التنسيقيات لم تستطع ان تخرج من الحراك السوري بتحليل يخدم المصلحة الكوردية ، وبقيت تدور في فلك بعض التنسيقات المتواجدة في المدن الكبرى وتقلدها ،  ولم تستطع أن تنتقل إلى مرحلة اكثر تطوراً في عملها ، والذي كنا نأمل أن يكون بداية لكسر التقليد الحزبي ، بالتالي بقيت اسيرة لتناقضاتها الداخلية من جهة ، ووهمت نفسها أنها حالة حداثة في السياسة الكوردية من جهة اخرى ، علماً انها كانت تعيش حالة رتابة غير معقولة .
أما الحركة الكوردية إضافة لما ذكرته في بداية الموضوع ، كانت غير جدية للقيام بدورها الحقيقي في الدعوة للتظاهر ، وللتذكير فقط أن أغلب الاحزاب الكوردية ان لم تكن جميعها مكتوب في برامجها ( ان نضالها سلمي ، واعتمادها في ذلك هو الاحتجاج و الاعتصام  والتظاهر) بمعنى أخر هربت من الاستحقاق النضالي الذي تؤمن به ، وأخفت نفسها خلف التنسيقيات ، والمحصلة إننا لم نرى نتاجاً تفاعلياً بين الشارع والحركة الكوردية ، بل انتقاداً حاداً لمواقفها الهزيلة في كثير من الاحيان .
حتى يعود التظاهر في الشارع الكردي الى ما هو مطلوب ، لابد من خطاب سياسي يتبنى مواقف الثورة و يترافق مع التظاهرات ، ويأخذ المصلحة الكوردية بعين الاعتبار من تسميات ولافتات ، وتكون الحركة الكورية حاضنتها ، وعلى التنسيقيات ان تعمل في هذا الإطار ، وان يتم تقييم موقفها بشكل جدي من قبل المعنيين ، و ألا تكون هناك مجاملات على حساب المواقف السياسية مع أخذ ما ذكر من الانتقادات بروح المسؤولية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…