العالم يصفي حساباته على آلام السورين

شهاب عبدكي

لم يتوقع العالم أن يقوم الشعب السوري بثورة عامة عارمة ، تشمل جميع المناطق وتضم أغلب مكوناته، مستنداً على معرفته بالنظام الحاكم في سوريا ، لما له من تجارب قمعية دموية اتجاه الشعب السوري ، وعلى معرفته بأن هذا النظام باسط لسيطرته الكاملة على كافة مفاصل الحياة ، ولم يترك متنفساً إلا وكان له فيها شأن ، حيث قسم المجتمع السوري إلى فئات وراح يبث الروح العنصرية والتفرقة بين هذه الفئات على مدى عقود ، بحيث لا توجد فئة أو قومية داخل المجتمع السوري لها ولاء وطني نتيجة الضغط الحاصل وبث روح الولاء الشخصي على حساب الروح الوطنية ,

أي أن كافة المكونات السورية كانت تعاني نوعاً من الاضطهاد, وكل فرد تحت الطلب من خلال ملف أمني مدون فيها تفاصيل حياته الاجتماعية والسياسية .
هذه الضغوطات نفسها كانت سبباً في انفجار الثورة عبر أصوات بعض الشباب في قلب دمشق وبالتحديد في سوق الحميدية ، عندما خرج حوالي خمس عشرة شاباً و هم يرددون حرية ، حرية ، بوقت زمني لم يتعدى الدقائق ، فكانت بطولة بكل ما تحمله هذا الكلمة من معاني ، لأن النظام كان يحاسب المواطنين على احلامهم وعلى أمانيهم  فما بالك بصوت عالي يرتفع في وسط العاصمة دمشق  ، والذي جاء بعد لقاء الرئيس مع إحدى الصحف العالمية وهو يفتخر بأن سورية محصنة ضد أي ثورة ولن تكون مثل تونس أو مصر أو غيرها وكانت الثورة .
لم يصدق العالم ذلك فأعطت الوعود تلوى الاخرى وتصريحات نارية أدلت بها دول مثل تركيا وفرنسا وغيرها ، والشعب السوري حاول تصديق تلك الوعود في بداية الأمر ، واستمر في ثورته لعل تلك الدول ومن خلال قرارات مجلس الامن تقوم بواجبها الإنساني والأخلاقي تجاه شعبٍ أعزل يقاوم آلة القتل ، وعند الامتحان الحقيقي كانت الصدمة قوية، حيث انقسم المجتمع حيال واجبه تجاه الشعب السوري فعرف السوريين ان الأزمة ستكلفهم آلاف الضحايا ، وأن  سوريا هي بوابة المنطقة ، لذلك كل حسابات العالم سوف تمر من على اجساد السورين وأطفالهم، وأن تلك الأخلاق التي كنا نأمل ان نحس بها ولو قليلاً لم تكن صحيحة البتة بل كشف السورين اكذوبة المجتمع الدولي خلال الشهور الاولى من الثورة .
انطلاقا من هذه المعطيات اعتمد السورين على انفسهم في تغير مفاهيم الداخل والخارج ، و بأن الداخل سيفرض الحلول على الخارج ، وسيعطي دروساً في معاني الثورة ، وأن مصالح تلك الدول مهددة إذا لم تستطع ان تعطي تفسيراً لتقاعسها ، وتعمل على ازالتها فور معرفتها ان مصالحها لن تكون بمأمن، اذا لم تكون موجودة على خط الثوار ضد نظام لا يقبل التغيير في نهجه .
استمرار الثورة بهذا الشكل، وفي كل يوم مجزرة يذهب ضحيتها أكثر من مائتي شخص والعالم ساكت ، هذا يعني أن ثوابت الامم المتحدة بدأت تهتز تحت اقدام الثوار والضحايا في سوريا ، والتاريخ سيكون منصفاً بأن السورين سجلوا بطولات على الصعيد الداخلي والدولي ضد نظام قمعي وضد المجتمع الدولي الذي خذله أخلاقياً وإنسانياً .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…