الصراع على كرد سوريا (نهاية الأحزاب) الجزء الثاني والأخير

جان دوست

بعد أن عرضت في المقال السابق أطراف الصراع على كرد سوريا كان لا بد لي أن أكمل القصة إلى نهايتها وأتحدث عن طرف خفي أرى أنه الطرف الذي يستحق  نيل شرف امتلاك الساحة الكردية في سوريا مستقبلاً دون سواه وأعني به الجيل الشاب الذي تجاوز بحيويته أحزابنا الفولكلورية الكسيحة تماماً كما تجاوزوا اللغة الخشبية للآبوجيين الذي هم النسخة الكردية المشوهة لمحور الممانعة.

هؤلاء الشباب الذي تضج بهم الجامعات والنوادي الثقافية، وتضيق بهم شوارع بلدات كوباني وعفرين وديريك وتربه سبي وسري كانيه و الدرباسية وعامودا والقامشلي وغيرها من بلداتنا التي تنتظر حسم النتيجة في المعركة الدائرة والرهان على امتلاك قلب الكرد السوريين.
هؤلاء الشباب الذين تعد تستهويهم شعارات القومية الفولكلورية وادعاءات “النضال الوطني”، وباتوا يقرفون من الأمناء العامين المزمنين المدمنين على القيادة ويشمئزون من تمجيد الموت والاحتفاء به كمعطى سامِ تحت عباءة الشهادة واسترخاص الحياة لدرجة الولع بالموت.هؤلاء الشباب الذين خرجوا لتوهم من النفق الطويل الذي تعودت على السير فيه أحزابنا واستطابت الحياة فيه بحيث صارت تكره النور، هم من سينتصر في معركة السيطرة على الشارع الكردي في سوريا.
الشباب الواعي الذي يسعى إلى فصل المسار الكردستاني العام عن الوطني الخاص، ويعترف بعقلانية وواقعية بأن هناك حدوداً جيوبوليتيكية ينبغي عليهم حفظ معالمها حتى لا يقعوا في أخطاء السلف التائه بين العلم الكردي وبين علم البلاد التي يعيشون فيها، السلف الغائص في وحل الشعارات الكبيرة (تحرير كردستان وتوحيدها، الدولة الكردية المستقلة، حكومات بهدينان وبوطان وجمهورية لولان ووووو) السلف الذي جر الشعب الكردي من فشل إلى آخر وهو يجر أذيال الخيلاء والفخر “بالمنجزات الكبيرة” .


هذا الجيل الشاب الذي لا يرى في القومية الكردية ثوباً فضفاضاً يرتديه المرء وينزعه عن جسمه متى شاء، ولا يرى في تاريخ الكرد  قرآناً لا يأتيه الباطل من بعيده ولا من قريبه، ولا يرى في زعماء الكرد آلهة أسطوريين لا ينبغي المساس بقدسيتهم ولا الاقتراب من ملكوتهم قبل الوضوء بماء مقدس.

هذا الجيل الشاب الذي فتح جميع نوافذ عقله واستقبل رياح الأرض جميعاً حتى أعاصيرها الهوجاء، هو الجيل الجدير بالنصر في معركة الاستحواذ على الشارع الكردي في سوريا وليس تلك الأحزاب الغارقة في مستنقعها البيزنطي متسائلة عن “عدد الملائكة الذين بإمكانهم الوقوف على رأس إبرة”، الأحزاب التي هرمت وشاخت وشاخ أمناؤها العامون حتى أصابهم الخرف.


هؤلاء الشباب الذين يستطيع المرء أن يعقد عليهم الأمل لإنقاذ الشعب الكردي أولاً من “ثلة السياسيين العتيقين” الذين أدمنوا الانشقاقات وأدمنوا النظريات وأدمنوا الارتهان إلى الأشقاء الكبار معترفين بقصور عقلهم السياسي وتخلفهم القيادي وحاجتهم الماسة إلى من يرشدهم في كل شاردة وواردة.

وثانياً ينعقد الأمل على هؤلاء الشباب  من المتشبعين بروح الثورة مازجين شعلة الثورية الكردية القومية بالشعلة الثورية الوطنية السورية عبر معادلة واقعية مفادها أن الحل في دمشق والشريك في دمشق والمستقبل القريب على أقل تقدير في دمشق وليس في مكان آخر.

نعم نحن نشهد الآن الفصول الأخيرة من سفر نهاية الأحزاب  التي كانت كالخمر والميسر في الآية القرآنية ” وإثمهما أكبر من نفعهما”.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…