لاجئو القوارب : العلويّون ربما سيركبون البحر كما الفيتناميين .

  لورانس سولومون / الفاينانشال بوست
ترجمة: مسعود الحسن

  في حال خسر الرئيس السوري بشار الأسد و معه الاقلية العلوية ، الحرب الأهلية الدائرة لصالح الأغلبية السنية فإن _ و كما قد تنبأت الحكومات الغربية منذ أكثر من سنة – حمّام الدم الحقيقي سيبدأ للتو .

فمن المؤكد ان السنّة – كرد فعل انتقامي على عقود من حكم آل الأسد المليئة بالقتل – سيسعون للأخذ بثأر 20000 ألفا قتلوا بوحشية من قبل الأسد في ال 18 شهرا الماضية ، و كذلك ال 10000 آلاف الذين تم محوهم من قبل حافظ الاسد والد بشار الاسد ، و ما لا يحصى من المظالم و التعدي على الكرامات التي حفلت بها فترة حكم الأقلية العلويّة على الأغلبية السنية .
مع توقع مذابح بالجملة – تكثر الدعوات إلى إبادة جماعية ضد العلويين – فإن العديد إن لم نقل أن معظم علويّ هذا البلد الذين يشكلون اكثر من مليونين سيفرون مذعورين .

فليس من احد من جيران سوريا في الشمال أو في الجنوب و في الغرب  لديهم القدرة أو الرغبة في استقبال أعدادا كبيرة من العلويين – الذين ينظر اليهم كهراطقة من قبل المسلمين السنة كما المسلمين الشيعة على حد سواء – العديد من العلويين سيركبون البحر في محاولة للوصول إلى الغرب .

هذا من شأنه ان يخلق أزمة هجرة كبيرة للدول الغربية لم تشهدها منذ نهاية الحرب الاهلية الفيتنامية في السبعينات من القرن الماضي و التي شهدت احتجاز ، و من ثم إعادة توطين اكثر من مليون من اللاجئين (الفارين بالقوارب) في سنوات السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي .

و بالتالي فإنه تتكشف بوادر كارثة إنسانية على نطاق ملحمي ، الامر الذي سيؤدي إلى إرهاق ميزانيات الدول الغربية في هذا المرحلة من التقشف – كلفة احتجاز اللاجئين الفيتناميين في الثمانينات من القرن الماضي ، عندما كانت قضية الامن أقل أهمية من اليوم ، وصلت إلى 75 الف دولار أمريكي لكل فرد سنويا .


لا يزال من الممكن تجنب هذه التكاليف و بطبيعة الحال تجنب هذه الكارثة الانسانية التي تلوح في الافق ، ليس من خلال الاستراتيجية الغربية بتغيير النظام – احلال حكم من تحالف سني محل نظام الأسد مع الحفاظ على الحدود السورية سليمة – بل من خلال إنشاء دولة علوية ضمن الحدود السورية الحالية تضم السكان العلويين .

في الحقيقة  مثل هذه الدولة – كانت تدعى الدولة العلوية – وجدت في أعقاب الحرب العالمية الأولى عندما تمرد العلويّون ضد الحكم الفرنسي الاستعماري على طول اراضيهم في السواحل الشمالية الغربية  للدولة السورية الحالية .

و التي استمرت و- بمباركة عصبة الامم – من عام 1920 الى 1936 عندما انضمت إلى سوريا ، و ذلك كمحمية ضمت اقليات متعددة متباينة أُنشئت من قبل القوى الاستعمارية .


استطاع العلوييون – المعروفون ببراعتهم العسكرية – في أن يصبحوا لاحقا قوة في حزب البعث الفاشي الذي حكم سورية بدكتاتورية عسكرية .

نظام حزب البعث الفاشي و كما غيره من الانظمة العلمانية  الاخرى في الشرق الاوسط ، يتداعى الآن ، و معظم هذه الانظمة هي من صناعة الفرنسيين و البريطانيين بعد الغنائم التي حصلوا عليها من الامبراطورية العثمانية .


إذا كانت القوى الغربية غير مصرة على الحدود السورية الحالية فإن دولة علوية محتملة قادمة ، فالعلويّون ، في الحقيقة ، يحصنون اراضيهم التاريخية من أجل الانكفاء اليها عند الضرورة كآخر حل .

و كذلك يفعل الكرد السوريون بتحصين اراضيهم ليجنبوا انفسهم حمام الدم بغض النظر عن من ستؤول  إليه السلطة .

لكن الغرب يعارض فكرة تفتيت سوريا ، كما جيران سوريا الاقليميين ايضا ، فالكل يخشى من تبعات ان يشكل ذلك سابقة تشجع التطلعات القومية لأقليات اخرى موجودة في الشرق الاوسط .

ذلك ان حربا طائفية محلية يمكن ان تندلع في هذه المنطقة من العالم ، المملوءة بالضغائن  .


ان تبعات الاصرار على الابقاء على حدود سوريا دون تغيير ، و إجبار العلويين و الاغلبية السنية على العيش معا ستكون غير معقولة ، فاستمرار قتل الأبرياء من السنة على ايدي القوات العلوية ، سيُتبع بقتل الابرياء من العلويين في حال فوز السنة .

في المقابل ، فإن الاسراع بتشكيل دولة علوية لهو امر ملح ، لأسباب ، ليس أقلها زيادة احتمالات تقصير مدة ، و تقليل احتمال نهاية بشعة للحرب الاهلية الدائرة اليوم .

، نرى العلويين يقاتلون بضراوة بسبب  أنهم لا يملكون ملاذا آمنا في دولة تعود لهم ، و في حال الضرورة قد يلجؤن إلى استعمال الاسلحة الكيميائية ، و إذا خسروا الحرب ، و قام المنتصرون السنة بغزوهم في معاقلهم و فرض حصار على عاصمتهم (اللاذقية) الواقعة على البحر المتوسط ، فإن ظهورهم ستكون إلى البحر  .


ستشهد اللاذقية ، الميناء البحري الأكبر في البلاد ، حركة إجلاء واسعة النطاق للسكان ، و سيشهد الغرب مشكلة لاجئين واسعة النطاق ، من صنعها هي .


عن الفاينانشال بوست – لورانس سولومون
 لورنس سولومون: عالم كندي مهتم بشؤون البيئة و تاثيرها بالاقتصاد ، مستشار للرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر .


ترجمة : مسعود الحسن

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…