وداعا (للمعارضات) الداخلية والخارجية

صلاح بدرالدين

 كلما يزدهر تسويق المشاريع الاقليمية والدولية من جانب خصوم الشعب السوري حلفاء النظام أو من (أصدقائه) المفترضين  بخصوص القضية السورية يسلط الضوء في وسائل الاعلام وبالتوازي على مصطلح معارضتي الداخل والخارج المستخدم في مقالات وأبحاث كل المعنيين بمستقبل بلادنا بلا استثناء ومن ضمنهم مثقفو الثورة وكتابها منذ اندلاع الانتفاضة الثورية السورية وحتى الآن فما المقصود بذلك وهل أن الكل يتفق على مضمون ماهو مجمع عليه في العبارتين حتى الآن أولم يحن الأوان لتجاوزهما  .
 كنت قد كتبت قبل اسبوع حول تعريف (المعارض والموالي) بحسب توصيفات ماقبل الثورة أرى الآن أنه من الضرورة بمكان اعادة النظر في العديد من التعابير المستخدمة المتعلقة بالنضال من أجل اسقاط النظام وتحقيق التغيير الديموقراطي اعتبارا من يوم الخامس عشر من آذار العام المنصرم فقبل ذلك التاريخ كان هناك على الساحة السورية وفي خارجها معارضة سياسية في أدنى درجات ضعفها منقسمة على بعضها متعددة الأوجه والبرامج تتوزع بين العمل النقدي بصوت خافت والمطالبة بالاصلاح في اطار تطوير النظام القائم بغية تعزيز قاعدته الشعبية أوالداعية الى التغيير الجذري بالوسائل السلمية من تظاهرات واعتصامات انتهاء بالعصيان المدني وكان يطلق على كل تلك الأطياف والأصوات والمسميات وبصورة مجازية : المعارضة السورية وفي تلك الحقبة السوداء التي بدأت تحديدا منذ تسلط حزب البعث على مقاليد الدولة وشهدت تراجعا كبيرا للحركة الوطنية الديموقراطية السورية لأسباب عديدة لسنا بصددها الآن لم تنطفىء تماما جذوة العمل المعارض ولو أنها كادت تقتصر على يساريي الحركة الكردية وتيارات ناشئة متجددة في كل من بعض اليسار وبعض اللبراليين العرب السوريين وحينها جرت محاولات باسم معارضة النظام في الخارج مالبثت أن سقطت في أول امتحان بسبب الطغيان المزدوج عليها : الاسلام السياسي من جهة وبعض المنشقين من أبناء مؤسسات النظام اللذان تحالفا في وجه الوطنيين الديموقراطيين اللذين ارادوا العمل الجاد في سبيل اسقاط النظام المستبد قولا وعملا .

  اذا كانت سوريا قد دخلت مرحلة جديدة منذ سبعة عشر شهرا ولم يبق أي شيء على حاله في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية واذا كان السورييون يعيشون من حينه حياة مختلفة بالثورة على النظام ومواجهة قواه الغاشمة بارادتهم الصلبة والتعرض الى أبشع صور القتل والدمار والانتقال من حالة الانتفاضة السلمية في كثير من المناطق  والمدن والبلدات الى الدفاع عن النفس والمقاومة فمن تحصيل حاصل أن يظهر خطاب سياسي وطني جديد وتطرح برامج ومشاريع دستور تتفاعل مع الحقائق الجديدة على الأرض ومن الطبيعي أن تتحول التيارات الجذرية من معارضات الأمس الى ثوار في الميدان وأن تتوسع صفوف الثورة لتشمل أيضا مختلف أصناف الحراك الداخلي وفي القلب منها الجيش السوري الحر الذين يعملون جميعا من أجل هدف معلن وهو اسقاط النظام بكل مؤسساته وتفكيك سلطته الاستبدادية ومن ثم اعادة بناء الدولة التعددية الحديثة لكل مكونات البلاد بالمساواة والشراكة والمصير الواحد وعلى ضوء هذا التطور الهائل في البنى القائمة والمفاهيم والفرز العمودي والأفقي الواضح بين أنصار الثورة من جهة والموالين للنظام من جهة أخرى لامكان يذكركما أرى  لمن هو خارج الخندقين ولاشيء فعلي على الأرض اسمه معارضة الداخل حتى جماعات ” هيئة التنسيق ” التي يطيب لها تلك التسمية نرى غالبية أطرافها في صلب مشروع النظام باسم الحيادية ومواجهة التدخل التركي في حالة جماعة ب ك ك أو التحاور مع النظام (لوقف النزيف وقطع الطريق على التدخل الخارجي) في الحالات الأخرى وفي أحسن الأحوال اتكاؤها على الخطط الايرانية والروسية التي تصب كما هو معروف في مجرى الابقاء على النظام الحاضن والضامن لمصالحهما حتى بدون الأسد .

 
  تنطبق شروط الداخل وافرازاتها على الخارج السوري فهناك حركات وتجمعات مستحدثة قامت منذ أشهر اما ببعض التوافق مع الداخل الثوري أو كحاجة موضوعية لمصالح اقليمية او كاستجابة لمتطلبات وحاجات انسانية وانقاذية وخيرية مستقلة ليست موضوع بحثنا وبعد حصول التطورات السالفة الذكر وانقضاء هذه المدة الطويلة في عمر الثورة انتفت شروط بقاء أو استمرار ماأطلق عليها سابقا ” بالمعارضة الخارجية ” فالثورة بمقدورها قيادة نفسها ميدانيا وبلورة أهدافها ومطالبها والمشاركة الفعلية بالقرار السياسي وليس هناك من خيار سوى اعتراف الجميع بحقيقة انتهاء دور ” المعارضات الخارجية ” وخاصة المجلس الوطني السوري الذي لم ينشأ أصلا على أسس سليمة قبل سقطته الحالية وقد تكون الحاجة ماسة أكثر الى التوافق على ضرورة انبثاق هيئة سياسية مصغرة رديفة للثورة والجيش الحر تسير في نهجها وتحقق أهدافها وتعبر عن واقعها وتمثلها في المحافل الاقليمية والدولية واذا كان هناك من حاجة داخلية في المستقبل القريب فلن تكون خارج التفكير باختيار جمعية تأسيسية اشتراعية وحكومة انتقالية مؤقتة لتسيير شؤون البلاد في مرحلة ما بعد اسقاط النظام  .
 قد يتساءل البعض حول الوضع الكردي وجوابي كما أرى أن الحالة الوطنية العامة التي أسلفنا ذكرها مفصلا  تسري على كل المناطق وتعني كل المكونات القومية والدينية والمذهبية بصيغها العامة فقط وكما ذكرت أكثر من مرة هناك خصوصية لحالتنا الكردية على أشقائنا في أجزاء كردستان الأخرى وشركائنا من عرب ومكونات أخرى في الوطن والمصير مراعاتها وذلك بالتفاهم والتوافق فالكرد جزء أصيل من الثورة السورية الوطنية ولن يغير من هذه الحقيقة لا خطط النظام الانقسامية ولا سلطات الأمر الواقع النافذة قسرا في بعض مدننا ولا محاولات جر الكرد السوريين الى وقود في حروب – ب ك ك – الخاصة به ضد الآخرين وعلى أرضنا ووطننا .

 تمر المسألة السورية في أدق وأخطر أيامها ليس جراء المذابح الجماعية الهمجية الحالية في ريف دمشق وادلب رغم فظاعتها فالشعب السوري كفيل بالصبر على المعاناة ومواصلة الثورة حتى تحقيق النصر بل ازاء مايحاك ضده من مخططات هادفة الى فرض حلول لمصلحة بقاء نظام الاستبداد واستمراره بوجوه جديدة مما يستدعي ذلك الاسراع في اعادة توحيد صفوف الثورة وقوتها الأساسية مجاميع وتشكيلات الجيش الحر وتحقيق الخطوة التالية في بناء المؤسسة السياسية الرديفة من أجل التمكن من انجاز المهام الوطنية والسياسية والعسكرية والاغاثية المطلوبة في مرحلتي الثورة واعادة البناء .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…