في المعارضة والموالاة

صلاح بدرالدين

  من جملة ماتتميز بها الثورة السورية المتعاظمة تلك – الديناميكية – السريعة في تهيئة شروط الانتقال من وضع ميداني الى آخر والتوازن الدقيق بين معادلة سلمية الثورة كقاعدة عامة والمقاومة الدفاعية في عمليات الكر والفر كاستثناءات في مناطق معينة في صد عدوان قوى النظام على الشعب وتدميرها للمتلكات الخاصة والعامة وبين هذا وذاك استلام زمام المبادرتين العسكرية الدفاعية في شل قدرات الآلة التدميرية النظامية واستنزافها الى حدود الانهاك والسياسية أيضا خاصة بمايتعلق برسم وسائل وشروط وآفاق الصراع مع النظام بمعزل وبالنقيض عن كل مايشاع حول مبادرات دولية واقليمية للحوار والمصالحة تهدف الى الحفاظ على النظام مابعد الأسد أو مشاريع حكومات بالمنفى تتعاطى بها مجاميع وفئات باسم – المعارضات – خارج البلاد.
 تعاظم واستمرارية الثورة السورية في الميدان كانت كفيلة بتحقيق انجاز في غاية الأهمية ليس في الكشف عن كل سيئات وخطايا – المعارضات – الخارجية والداخلية فحسب بل في تسليط الضوء الكاشف على خفايا الضفة الأخرى أيضا أي الموالاة والتأثير الواضح في اصطفافاتها وتبدلاتها وأطرافها الثابتة والمتحولة الداخلية منها والخارجية .

 من هو المعارض ؟
 بعد انقضاء أكثر من عام ونصف من عمر الثورة الوطنية المثقل بأعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين والمشردين من المفيد اعادة تعريف المعارضة بعد كل تلك التحولات والاستقطابات وبعد انتقال مركز القرار الثوري الى الداخل أرى أن المعارض الحقيقي من الآن وصاعدا هو :
–  من يسعى الى اسقاط النظام الاستبدادي قولا وعملا مؤسسات ورموزا وبنى وثقافة ونهجا ويعمل من أجل تفكيك سلطة الدولة بكل مرتكزاتها تمهيدا لاعادة بناء الدولة الديموقراطية التعددية الجديدة الكفيلة بترسيخ الشراكة الحقة بين كل مكونات الشعب السوري وحل القضية الكردية حسب ارادة الكرد في اطار سوريا الجديدة .
–  من يرفض كل الصفقات والمشاريع الهادفة الى الحفاظ على بنية النظام القائم ان كانت دولية أو اقليمية أو من جانب فئات من – المعارضات – تحت ظل شعارات فضفاضة مثل رفض التدخل الخارجي وعسكرة الثورة وماالى ذلك من ذرائع وحجج لاتنطلي على أحد .
–  من يعتبر أن الثورة هي عبارة عن مختلف أطراف ومكونات الحراك : التنسيقيات وتجمعات الناشطين في التظاهرات الاحتجاجية ومجاميع الجيش الحر وكتائب المقاومة الشعبية المنتشرة في المدن والآرياف .
لقد اختبر السورييون وخاصة بعد الأشهر الستة الأولى من الانتفاضة الثورية أشكالا من مدعي المعارضة خاصة من جانب الأحزاب التقليدية العربية والكردية وخلافها التي ترددت ثم مالبثت أن ركبت الموجة بعد ملاحظة دنو أجل النظام وكذلك من جانب جماعات ” المعارضة الوطنية ! ” بحسب توصيف النظام أو جماعات من ” المعارضة بشروط ” مثل جماعة – الآبوجيين – ( ب ك ك ) أو معارضات باحثة عن مواقع أو حاملة لأجندات مثل جماعة – الاخوان المسلمين – المتسلطة على المجلس السوري وقد حان الوقت الآن بعد تصليب عود الداخل ودوره الرائد أن يستعد المترددون وحاملي الأجندات الحزبية والآيديولوجية والخارجية والشرطية المعنيين بكل مايخطر على البال ماعدا القضية السورية على حسم أمورهم وحتى لايرتدوا نهائيا نحو مواقع الثورة المضادة أن يعيدوا قراءة الواقع الراهن المستجد كما هو وبعد ذلك اما تسليم مصائرهم لارادة الثورة والثوار أو الانسحاب من المشهد من دون رجعة .
 من هو الموالي ؟  
 ليس سرا أن معسكر الموالين للنظام الحاكم بداخله وخارجه في مأزق حقيقي وتتقلص صفوفه يوما بعد يوم أمام العزلتين الداخلية والاقليمية والحصار الدولي مما يستدعي كل ذلك اعادة توصيف المشهد الراهن المستجد للموالين كما هو بالشكل التالي :
–  قوى النظام العسكرية والأمنية التي تتفكك يوما بعد يوم ورافعته الاقتصادية على شفا الانهيار ومؤسساته الحزبية والادارية تمضي قدما في معركتها المصيرية الخاسرة ضد الشعب على حساب المزيد من التدمير واراقة الدماء .
–  مجموعة مافيا تجارة السلاح التي بلغت ذروة نشاطها الآن المتعاقدة مع أوساط الرتب العليا في أجهزة المخابرات السورية والروسية وأحد وجوهها البارزة – قدري جميل – الذي كوفىء من أجل ذلك فقط بمنصب نائب رئيس الحكومة السورية للشؤون الاقتصادية واذا كان وزير خارجية فرنسا قد أعلن منذ نحو اسبوع أن التكاليف العسكرية الشهرية لحرب النظام تفوق الأربعة مليارات دولار وهي من خزينة ايران وتوابعها طبعا يمكن أن نفهم مدى تفاني مافيات التسليح في الدفاع المستميت عن نظام دمشق والعمل على أكثر من صعيد لوقف انهياره أو تأخيره ويذكرنا هذا التاجر الحزبي – الحكومي و (المعارض الوطني !!) بسلفه تاجر السلاح (منذر الكسار) الذي انتهى به الأمر أخيرا في قبضة المحاكم الأمريكية وكيف تشعبت أعماله مع جهاز (الجنرال علي دوبا) كتجسيد حي على طبيعة نظام الأسد الأب المستندة على سلطة العسكر والمال والأمن وهذا ما ينطبق الآن على نظام الابن الوريث .
– أطراف لايمكن تصور فكاكها عن نظام دمشق كل لأسبابه الخاصة أولها جمهورية ايران الاسلامية وتوابعها مثل حزب الله اللبناني لأسباب عقيدية واستراتيجية ومسألة النفوذ وروسيا بدرجة تالية لأسباب اقتصادية وجيوسياسية والآبوجيين (ب ك ك) لسبب مصلحي ذاتي ضيق يتعلق (اذا أخذنا الأمور بنية صافية) بالصراع مع تركيا وهو موقف يتعارض مع المفاهيم القومية أولا ويتنافى مع مصالح الشعب السوري وفي القلب منه الشعب الكردي الذي لم ينعم بفرصة تاريخية مناسبة كما يتمتع بها الآن والتي يحاول هؤلاء (الأشقاء) النيل منها .
– تيارات سياسية تحسب نفسها من المعارضة ونجد أنماطا منها في هيئة التنسيق والتيار الديموقراطي وبعض رموز العشائر كانت تعمل فعليا على اجهاض الثورة منذ البدايات بالتواصل مع مساعدي الأسد مثل – فاروق الشرع وبثينة شعبان – بحسب اعترافات – ميشيل كيلو – بدأت بتبديل تكتيكاتها في الاستعداد للتعاون والتحاور مع النظام بدون الأسد الذي لم يعد له وجود أصلا في حسابات المجتمع الدولي ورغم الاختلافات – الذاتية – بين مجاميعها الا أنها سائرة نحو التعاون مع فلول حزب البعث الحاكم ومسؤوليه المنشقين حديثا والمهم عند هؤلاء أن لايتفكك النظام ولاتمس المؤسسات .

اصطفافات جديدة قابلة للتبديل كل ساعة من غير المجدي الرهان عليها وأهم مافي المشهد السوري هو عودة القرار السياسي الى الداخل الثائر المبتغى والأمل .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق. إننا…

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…

د. محمود عباس قُتل محمد سعيد رمضان البوطي لأنه لم ينتمِ إلى أحد، ولأن عقله كان عصيًا على الاصطفاف، ولأن كلمته كانت أعمق من أن تُحتمل. ولذلك، فإنني لا أستعيد البوطي اليوم بوصفه شيخًا أو عالمًا فقط، بل شاهدًا شهيدًا، ضميرًا نادرًا قُطع صوته في لحظة كانت البلاد أحوج ما تكون إلى صوت عقلٍ يعلو فوق الضجيج، مع…