دائرة النار تقترب من الكورد

جان كورد

 في البداية, بعد أشهر عديدة من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية السلمية في سوريا, شعر النظام الأسدي بأنه معرض لهزيمة ماحقة على أيدي الشعب, كسواه من تلك الأنظمة العربية التي رفضت الانصياع لارادة شعوبها, فصارت هباءً منثورا, وهرب من هرب من أسيادها أو ألقي القبض عليهم أو قتلوا, ولذلك أضطر نظام الأسد الأخرق إلى خوض حربٍ على الوطن والشعب, فالتهبت دائرة ناره في البداية  بمحافظة درعا بجنوب سوريا وأحرقت الأخضر واليابس, وظن السوريون, ومنهم فصائل تسمي نفسها ب”المعارضة الوطنية”, وكذلك بعض الأطراف السياسية الكوردية, أن النظام يريد بتلك العمليات مجرد القاء الرعب في قلوب المواطنين, ثم يكتفي بذلك للانتقال بعدئذٍ إلى مساعي المصالحة لصون الوحدة الوطنية والحوار والشروع في انتقال سلمي للسلطة مع ممارسة عنادٍ ما لكسب صلاحيات وامتيازات وعدم تعريض نفسه لمحاكمات ومساءلات سورية أو دولية.
 ومع الأسف فإن بعض قيادات الكورد السوريين, وبخاصة تلك التي ترى نفسها فوق النقد والمساءلة, وبالتحديد منذ انعقاد مؤتمر الجالية الكوردية السورية في هه ولير (أربيل) عاصمة اقليم جنوب كوردستان, وتجد نفسها(مؤلهة) تأليهاً مفرطاً بعد توقيع وثيقة الاتفاق مع بعضها بعضاً في المدينة ذاتها بعد ذلك بفترة, كانت تقول لشعبنا: “ما لنا ولما يجري في درعا, نحن في شمال البلاد ودرعا في جنوبها, نحن كورد وهم عرب, والنار لن تصل إلينا قبل انطفائها…” 

ولكن تاريخ الشعوب قد علمنا بأن النظم الاستبدادية لاتفسح المجال لشعوبها لتحكم نفسها بنفسها, إلا بعد أن تخسر معاركها كلها وتنهزم هزائم منكرة أمامها.
لقد جاءت وثيقة (هه ولير) برعاية السيد رئيس اقليم جنوب كوردستان لتخفي ضعف حركتنا السياسية وتشتتها وخلافاتها العميقة وعدم قدرتها على تحضير نفسها من أجل حمل مسؤوليتها التاريخية في الظروف الصعبة التي قد تتطلب مساهمة فعلية في صراعاتٍ ربما تتخذ أشكالاً عنيفة, في حين أن تنسيقيات الشباب الكوردي اكتشفت ذلك الضعف والتشتت وعدم الحيلة, فراحت تطالب بمطلبين أساسيين لكي تتمكن الحركة السياسية الكوردية بهما قيادة شعبها, ألا وهما المساهمة في الثورة الوطنية الكبرى دون تردد أو تأخير, والقيام ببناء قوة دفاعية لحماية الشعب الكوردي, عوضاً عن التصرف وكأن الثورة في وادٍ والحركة الكوردية في وادٍ آخر, وطالبت التنسيقيات بعض أطراف الحركة بالذات أن تكف عن الاستمرار في سياسة إخفاء ولائها للنظام المترنح, حيث لاينفع ذلك شعبنا وانما يضر به.

واختار الشعب الكوردي طريق التضامن مع الإخوة والأخوات في محافظة درعا, فاضطرت قياداتنا إلى التراجع عن مواقفها السابقة إلى حدٍ ما, ومنها من ساهم في تلك التظاهرات الضخمة مقتنعة بأن الشعب لايخطىء, ولكن منها من ساهم مكرهاً, خوفاً من انشقاقات قواعده الحزبية.
اليوم تغيرت الخارطة السياسية والعسكرية في البلاد, فالجيش السوري الحر يقاتل ببسالة وصبرٍ لامثيل لهما في أكبر مدن سوريا (حلب) التي تعتبر البوابة الرئيسية في شمال البلاد للوصول إلى مناطق الجزيرة وكوباني وجبل الأكراد, المعاقل الأساسية للحركة السياسية الكوردية, والمعارضة الوطنية والديموقراطية السورية قد تعاظمت, ويرفدها كل يوم انشقاق مستمرللسياسيين والاداريين والدبلوماسيين والعسكريين, ولكن لاتزال أطراف معينة في الحركة السياسية الكوردية غير قادرة على القيام بمهام الدفاع عن الشعب الكوردي, في حال وصول لهيب دائرة النار الأسدية إلى عقر دارها.

كما أن مئات الألوف من أبناء وبنات الشعب الكوردي تعيش في مدينة حلب التي صارت ساحة قتال دموي واسعة تساهم فيه مختلف الأسلحة البرية والجوية السورية.

والأمر الآخر الذي يثير القلق هو أن تركيا تحشد الآن قواتها العسكرية بشكل متزايد يومياً, وكأنها على وشك القيام بغزوٍ لشمال البلاد السورية.

ومع ذلك فإن اطرافاً كوردية سورية لاتزال ترفض عودة العسكريين الكورد السوريين الذي لجأوا إلى جنوب كوردستان وتم تدريبهم هناك من قبل إخوتهم البيشمه ركه الكورد على وسائل الدفاع عن شعبهم, فأي سياسة هذه ومن تخدم؟
لقد طالبت شخصياً في مقالاتي المتواضعة والصريحة,  كما طالب المجلس الوطني الكوردستاني – سوريا, الذي أنتمي إليه, منذ شهورٍ عديدة, من خلال بيانات بأن يتشكل “جيش كوردي حر” ينسق مع الجيش السوري الحر, ولكننا نرفض أن يكون هكذا جيش تحت أمرة تنظيم كوردي دون سواه, ولذلك فقد انتقدنا سياسة حركة المجتمع الديموقراطي في القيام لوحدها بوضع نقاط تفتيش ومراكز حراسة وخفر على الطرقات, فهذا سيثير حنق الحكومة التركية, ونحن لسنا بحاجة إلى أعداء من خارج البلاد أيضاً في هذه المرحلة الحرجة خاصة, وطالبنا أن تتولى الأحزاب الكوردية معاً مسؤولية تلك الحواجز, وبخاصة تلك المنضوية مع “مجلس شعب غرب كوردستان!” تحت لواء الهيئة الكوردية العليا, وكذلك السماح للجنود المتواجدين بالعودة إلى سوريا للمساهمة في تعزيز النشاطات المختلفة التمهيدية للدفاع عن شعبنا.

وأكدنا على ضرورة تقوية مشاركة تنسيقيات الشباب الكوردي في رسم سياسات الحركة الداخلية والخارجية, وليس مجرد ضمها إلى مجالسها دون افساح مجالٍ حقيقي أمامها.

ويجدر بالذكر هنا أن الشباب الكوردي مع ثلاث نقاط أساسية وهامة للغاية, وهي:
– المساهمة بفعالية في الثورة السورية حتى اسقاط النظام الأسدي وإيجاد البديل الحر الديموقراطي له.
– مطلب الفيدرالية للشعب الكوردي واقعي ويتلاءم مع حجم القضية الكوردية في سوريا ولاتنازل عنه.
– لابد من ممارسة الدفاع عن الشعب الكوردي لأن صون دماء وأموال وأعراض المواطنين أهم شيء.

ولذلك أناشد مجدداً كل الإخوة والأخوات في الحراك السياسي – الثقافي لشعبنا في غرب كوردستان, للعمل معاً من أجل فرض مطلب حماية الشعب الكوردي على قياداتنا السياسية وجعله أهم نقطة في برنامج عملها الحالي لأن دائرة النار الأسدية تقترب من الكورد أيضاً, بعد أن قضت على آلاف السوريين من جنوب البلاد إلى شمالها, وهاهي تحرق حلب الشهباء الوادعة المسالمة التي كان يسيير النظام فيها قبل شهورٍ فقط مسيرات مليونية تأييداً للطاغية الأسد… فالحوادث تتوالى بسرعة, والوقت ضيق.

   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…