هوشنك بروكا
لم يعد النظام السوري الذي يقتل شعبه منذ 17 شهراً “نظاماً صعباً” كما كان.
هو لم يعد بعد عملية الأربعاء النوعية التي أودت بحياة أربعة من كبار أركان النظام المقربين من الدائرة الضيقة للأسد، حتى الآن، صعباً على السقوط، كما ذهب إلى ذلك الكثيرون من أهل التوقعات والتحليلات والإستراتيجيات.
لم يعد النظام السوري الذي يقتل شعبه منذ 17 شهراً “نظاماً صعباً” كما كان.
هو لم يعد بعد عملية الأربعاء النوعية التي أودت بحياة أربعة من كبار أركان النظام المقربين من الدائرة الضيقة للأسد، حتى الآن، صعباً على السقوط، كما ذهب إلى ذلك الكثيرون من أهل التوقعات والتحليلات والإستراتيجيات.
ربما يكون من الصعب الإجابة على سؤال من قبيل متى وكيف سيسقط النظام، لكنه بات من السهل القول، خصوصاً بعد خروج الكثير من المدن والبلدات والمعابر الحدودية مع العراق وتركيا عن سيطرة قوات الأسد، بأن سقوطه بات قريباً على الأبواب.
ما يعني أن النظام بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط، شاء من شاء وأبى من أبى.
لكنّ ذلك ليس هو كل بيت القصيد السوري.
نهاية الأسد ونظامه، لا تعني بأيّ حالٍ من الأحوال نهاية “الدراما” السورية.
وسقوط الأسد الذي لم يعد صعباً، لا يعني أنّ القادم من سوريا سيكون سهلاً.
سقوط الأسد، لا يعني بالضرورة “خلاص” سوريا كلياً، أو صعودها، في المستقبل القريب على الأقل، كما قد يتوقعه البعض.
ولذلك أسبابه السياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية الكثيرة على الأرض، سواء في الداخل السوري، أو في خارجه.
من المعلوم أنّ سقوط الأسد ونظامه، لم يعد ضرورة سورية فحسب، وإنما بات ضرورة إقليمية ودولية أيضاً.
لكنّ اللامعلوم هو ما ستؤول إليه سوريا من بعد هذا النظام.
صحيحٌ أنّ العالم في أغلبه، هو متفقٌ على ضرورة هذا السقوط، لكنّ اللامتفق عليه بعدُ، هو سوريا القادمة وشكل القادم من الحكم فيها، الذي لا يزال محلّ اختلاف بين أقطاب المعارضات السورية نفسها، من “مؤتمر إستانبول” (26ـ27 مارس الماضي) إلى مؤتمر القاهرة الأخير (2 ـ3 من يوليو الجاري).
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ اللاإتفاق على قادم سوريا ما بعد الأسد على مستوى الداخل السوري، وتحديداً بين أطياف وفصائل المعارضات السورية، نابعٌ بالدرجة الأساس من لاإتفاق خارجها الإقليمي والدولي عليها.
تأسيساً على ذلك يمكن القول، بأنّ كثرة التدخل الإقليمي والدولي في القضية السورية، كان ولا يزال سبباً رئيسياً وراء تكاثر المعارضات السورية.
عليه فإنّ اختلاف عواصم القرار الدولي والإقليمي على سوريا، هو الذي زاد من طين الثورة السورية بلّةً، وأدى إلى تكريس الخلاف بين المعارضات في سوريا.
الصراع على سوريا، إذن، هو الذي أدى في النتيجة، إلى صبّ الزيت على نار الصراع فيها.
لهذا من الصعب القول الآن، ب”استقلالية” المعارضات السورية، بمختلف توجهاتها وتياراتها وآيديولوجياتها، أو التعويل على “استقلالية” قرارها،
كلّ المعارضات السورية، بدون استثناء، تتحرك ب”وحي” من عواصم إقليمية أو دولية متدخلة في الشأن السوري، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
كلها تريد أن تبحث عن موطئ قدمٍ لها في قادم سوريا، انطلاقاً من خارجها.
فصعوبة سوريا وقادمها، نابعةٌ أولاً وآخراً من صعوبة خارجها المتدخل في كلّ تفاصيل شئونها.
هذا الخارج، الذي لم ولن يترك كبيرةً وصغيرة سورية، إلا وسيتدخل فيها.
أما الأصعب في أمر سوريا القادمة فهو تعدد هذا الخارج الموزع على أكثر من جبهة إقليمية ودولية.
فهناك على الحدود على طول أكثر من 850كم، “تركيا الأردوغانية” التي ترى نفسها امتداداً للدولة العثمانية والتي تتخذ من سوريا “عمقاً استراتيجياً” مهماً لها، وهناك دول الخليج وعلى رأسها السعودية وقطر، والتي تحسب “سوريا السنية”(سوريا الأكثرية) على خارطة “قمرها السني”، وهناك إيران(مع “العراق الشيعي”) التي ستتمسك بسوريا حتى النهاية بإعتبارها جزءاً لا يتجزأ من “هلالها الشيعي”، وهناك الغرب(أميركا+أوروبا) الذي لن يترك إسرائيل وحيدةً في مواجهة “المجهول السوري”، وهناك على الحدود مع الجولان المحتل، إسرائيل التي ستفعل كلّ ما في وسعها لئلا تتحول سوريا من “عدوة معتدلة” طيلة أكثر من 40 سنةٍ إلى “عدوة متطرفة”، وهناك في الشرق الأوروبي روسيا التي لن تتخلى بسهولة عن آخر موطئ قدمٍ لها(ميناء طرطوس) في مياه المتوسط الدافئة، وهناك أيضاً الأكراد(في الشمال بزعامة العمال الكردستاني وفي الجنوب بزعامة مسعود البارزاني) الذين لن يتركوا أكرادهم السوريين، ثواراً في سوريا من دون قضية، والذين يشكلون امتداداً لقضيتهم الكبرى: كردستان الكبرى.
كلّ هؤلاء تهمهم سوريا ما بعد الأسد ومستقبلها.
كلّ هؤلاء سيحاولون الدخول إلى سوريا التي لن تكون بأي حالٍ من الأحوال، كما يريد لها السوريون أن تكون.
الكلّ سيتدخل في سوريا وسوف يدخلها، لا ليخرج منها، بل ليبقى فيها، إلى أن تشاء السياسة وما حولها من مصالح.
الكلّ سيتدخل، لأن كلٌّ ينظر إليها من نافذة “عمقه الإستراتيجي” الخاص به.
فمثلما للأتراك فيها عمقٌ، كذا للأكراد فيها عمق.
ومثلما للعرب السنة فيها عمق، كذا للفرس مع العرب الشيعة فيها عمق.
ومثلما لأهل “الإسلام هو الحلّ” فيها عمقٌ كذا لأهل “ولاية الفقيه” فيها عمقٌ، ومثلما لأميركا فيها عمقٌ كذا لروسيا والصين فيها عمقٌ، ومثلما للغرب فيها عمقٌ كذا للشرق فيها عمق.
سوريا، بحكم موقعها في الجغرافيا والسياسة وما بينهما من تاريخٍ وثقافة، هي عمقٌ لكلّ العالم.
ما يعني أنها ستدفع فاتورة صراع الكلّ ضد الكل.
وما يحدث في سوريا منذ 17 شهرٍ، هو خيرُ شاهدٍ على هذه الفاتورة الباهظة الثمن.
بناءً على كلّ ما تقدم، يمكن القول بإنّ القادم من سوريا، في المستقبل القريب في الأقل، لن يكون أقل صعوبة من سوريا الفائتة.
سوريا القادمة، ستكون صعبةً بمعارضاتها، حيث الأحزاب والأيديولوجيات والطوائف صعبةٌ.
هي، ستكون صعبةً بين سنييها(و ربما درزييها) وعلوييها، بين مسلميها ومسيحييها، بين عربها وأكرادها وآشوريييها.
هي، ستكون صعبةً في وحدتها كما في فرقتها، في كلها كما في أجزائها، في دولتها الواحدة، كما في دويلاتها، في مركزها كما في أطرافها.
هي، ستكون صعبة في داخلها كما في خارجها.
صعُبَ العراق على العراقيين، لهذه الأسباب أو لأخرى شبيهة، كذا ستصعب سوريا على السوريين لذات الأسباب ولذات الدوافع.
المكان مختلف، لكنّ الزمان يبقى واحداً، كما الأسباب تبقى هي نفسها: حيث الطائفة أكبر من الدولة، والقومية أكبر من الوطنية، والخيمة أكبر من البرلمان، والدين أكبر الدنيا، والجامع أكبر من الجامعة، وقانون السماء في “دولة الله” أعلى من قانون الأرض في “دولة الإنسان”، والشورى أهم من الديمقراطية، وحقوق الإنسان في السماء أهم من حقوقه على الأرض، والأكثرية ديكتاتورية على الأقلية.
سوريا القادمة ستكون صعبةٌ، حيث كلّ شيءٍ فيها وعليها وحواليها، لا يزال صعباً: الجغرافيا صعبةٌ، والتاريخ صعبٌ، والثقافة صعبةٌ، والمال صعب، والسياسة صعبةٌ، والدينُ صعبٌ، والدنيا صعبةٌ.
سوريا تصعُب، فهل من مسهّل؟
لكنّ ذلك ليس هو كل بيت القصيد السوري.
نهاية الأسد ونظامه، لا تعني بأيّ حالٍ من الأحوال نهاية “الدراما” السورية.
وسقوط الأسد الذي لم يعد صعباً، لا يعني أنّ القادم من سوريا سيكون سهلاً.
سقوط الأسد، لا يعني بالضرورة “خلاص” سوريا كلياً، أو صعودها، في المستقبل القريب على الأقل، كما قد يتوقعه البعض.
ولذلك أسبابه السياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية الكثيرة على الأرض، سواء في الداخل السوري، أو في خارجه.
من المعلوم أنّ سقوط الأسد ونظامه، لم يعد ضرورة سورية فحسب، وإنما بات ضرورة إقليمية ودولية أيضاً.
لكنّ اللامعلوم هو ما ستؤول إليه سوريا من بعد هذا النظام.
صحيحٌ أنّ العالم في أغلبه، هو متفقٌ على ضرورة هذا السقوط، لكنّ اللامتفق عليه بعدُ، هو سوريا القادمة وشكل القادم من الحكم فيها، الذي لا يزال محلّ اختلاف بين أقطاب المعارضات السورية نفسها، من “مؤتمر إستانبول” (26ـ27 مارس الماضي) إلى مؤتمر القاهرة الأخير (2 ـ3 من يوليو الجاري).
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ اللاإتفاق على قادم سوريا ما بعد الأسد على مستوى الداخل السوري، وتحديداً بين أطياف وفصائل المعارضات السورية، نابعٌ بالدرجة الأساس من لاإتفاق خارجها الإقليمي والدولي عليها.
تأسيساً على ذلك يمكن القول، بأنّ كثرة التدخل الإقليمي والدولي في القضية السورية، كان ولا يزال سبباً رئيسياً وراء تكاثر المعارضات السورية.
عليه فإنّ اختلاف عواصم القرار الدولي والإقليمي على سوريا، هو الذي زاد من طين الثورة السورية بلّةً، وأدى إلى تكريس الخلاف بين المعارضات في سوريا.
الصراع على سوريا، إذن، هو الذي أدى في النتيجة، إلى صبّ الزيت على نار الصراع فيها.
لهذا من الصعب القول الآن، ب”استقلالية” المعارضات السورية، بمختلف توجهاتها وتياراتها وآيديولوجياتها، أو التعويل على “استقلالية” قرارها،
كلّ المعارضات السورية، بدون استثناء، تتحرك ب”وحي” من عواصم إقليمية أو دولية متدخلة في الشأن السوري، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
كلها تريد أن تبحث عن موطئ قدمٍ لها في قادم سوريا، انطلاقاً من خارجها.
فصعوبة سوريا وقادمها، نابعةٌ أولاً وآخراً من صعوبة خارجها المتدخل في كلّ تفاصيل شئونها.
هذا الخارج، الذي لم ولن يترك كبيرةً وصغيرة سورية، إلا وسيتدخل فيها.
أما الأصعب في أمر سوريا القادمة فهو تعدد هذا الخارج الموزع على أكثر من جبهة إقليمية ودولية.
فهناك على الحدود على طول أكثر من 850كم، “تركيا الأردوغانية” التي ترى نفسها امتداداً للدولة العثمانية والتي تتخذ من سوريا “عمقاً استراتيجياً” مهماً لها، وهناك دول الخليج وعلى رأسها السعودية وقطر، والتي تحسب “سوريا السنية”(سوريا الأكثرية) على خارطة “قمرها السني”، وهناك إيران(مع “العراق الشيعي”) التي ستتمسك بسوريا حتى النهاية بإعتبارها جزءاً لا يتجزأ من “هلالها الشيعي”، وهناك الغرب(أميركا+أوروبا) الذي لن يترك إسرائيل وحيدةً في مواجهة “المجهول السوري”، وهناك على الحدود مع الجولان المحتل، إسرائيل التي ستفعل كلّ ما في وسعها لئلا تتحول سوريا من “عدوة معتدلة” طيلة أكثر من 40 سنةٍ إلى “عدوة متطرفة”، وهناك في الشرق الأوروبي روسيا التي لن تتخلى بسهولة عن آخر موطئ قدمٍ لها(ميناء طرطوس) في مياه المتوسط الدافئة، وهناك أيضاً الأكراد(في الشمال بزعامة العمال الكردستاني وفي الجنوب بزعامة مسعود البارزاني) الذين لن يتركوا أكرادهم السوريين، ثواراً في سوريا من دون قضية، والذين يشكلون امتداداً لقضيتهم الكبرى: كردستان الكبرى.
كلّ هؤلاء تهمهم سوريا ما بعد الأسد ومستقبلها.
كلّ هؤلاء سيحاولون الدخول إلى سوريا التي لن تكون بأي حالٍ من الأحوال، كما يريد لها السوريون أن تكون.
الكلّ سيتدخل في سوريا وسوف يدخلها، لا ليخرج منها، بل ليبقى فيها، إلى أن تشاء السياسة وما حولها من مصالح.
الكلّ سيتدخل، لأن كلٌّ ينظر إليها من نافذة “عمقه الإستراتيجي” الخاص به.
فمثلما للأتراك فيها عمقٌ، كذا للأكراد فيها عمق.
ومثلما للعرب السنة فيها عمق، كذا للفرس مع العرب الشيعة فيها عمق.
ومثلما لأهل “الإسلام هو الحلّ” فيها عمقٌ كذا لأهل “ولاية الفقيه” فيها عمقٌ، ومثلما لأميركا فيها عمقٌ كذا لروسيا والصين فيها عمقٌ، ومثلما للغرب فيها عمقٌ كذا للشرق فيها عمق.
سوريا، بحكم موقعها في الجغرافيا والسياسة وما بينهما من تاريخٍ وثقافة، هي عمقٌ لكلّ العالم.
ما يعني أنها ستدفع فاتورة صراع الكلّ ضد الكل.
وما يحدث في سوريا منذ 17 شهرٍ، هو خيرُ شاهدٍ على هذه الفاتورة الباهظة الثمن.
بناءً على كلّ ما تقدم، يمكن القول بإنّ القادم من سوريا، في المستقبل القريب في الأقل، لن يكون أقل صعوبة من سوريا الفائتة.
سوريا القادمة، ستكون صعبةً بمعارضاتها، حيث الأحزاب والأيديولوجيات والطوائف صعبةٌ.
هي، ستكون صعبةً بين سنييها(و ربما درزييها) وعلوييها، بين مسلميها ومسيحييها، بين عربها وأكرادها وآشوريييها.
هي، ستكون صعبةً في وحدتها كما في فرقتها، في كلها كما في أجزائها، في دولتها الواحدة، كما في دويلاتها، في مركزها كما في أطرافها.
هي، ستكون صعبة في داخلها كما في خارجها.
صعُبَ العراق على العراقيين، لهذه الأسباب أو لأخرى شبيهة، كذا ستصعب سوريا على السوريين لذات الأسباب ولذات الدوافع.
المكان مختلف، لكنّ الزمان يبقى واحداً، كما الأسباب تبقى هي نفسها: حيث الطائفة أكبر من الدولة، والقومية أكبر من الوطنية، والخيمة أكبر من البرلمان، والدين أكبر الدنيا، والجامع أكبر من الجامعة، وقانون السماء في “دولة الله” أعلى من قانون الأرض في “دولة الإنسان”، والشورى أهم من الديمقراطية، وحقوق الإنسان في السماء أهم من حقوقه على الأرض، والأكثرية ديكتاتورية على الأقلية.
سوريا القادمة ستكون صعبةٌ، حيث كلّ شيءٍ فيها وعليها وحواليها، لا يزال صعباً: الجغرافيا صعبةٌ، والتاريخ صعبٌ، والثقافة صعبةٌ، والمال صعب، والسياسة صعبةٌ، والدينُ صعبٌ، والدنيا صعبةٌ.
سوريا تصعُب، فهل من مسهّل؟