بقلم: غسان المفلح(*)
المقاوم والشانق في نفس القناع، هو الملثم الذي تعرفه ويدعي أنك لا تراه من خلال قناعه هذا، المشهد يضج بلابسي الأقنعة خريجي ثقافة الموت، كلهم ملثمون وكلنا عراة أمام أعينهم والعنف هنا مشهد توزعه القنوات الفضائية لتربية أجيال من الملثمين.
وبيانات تصدر من هنا وهناك من تيارات العروبة المنخورة أصلا بوكلائها الممهورين بختم السلطة العربية الآفلة.
لم نجد منهم هذا المشهد عندما قام أحد رعاتهم هذا باجتياح الكويت البلد الصغير والمسالم والذي قدم من أموال شعبه الكثير لكل الشعوب العربية وأنظمتها من أجل قضايا خرج منها الكويت أخيرا باحتلاله من قبل صدام.
والتنكيل وإعدام أبنائه بلا ذنب سوى لأن صدام حسين أراد ذلك.
في أي حدث يتكرر المشهد ذاته دوما، هناك ملثمون وثقافة أجهزة القمع العربية تديرهم من خلف القناع ويخرجون علينا بآياتهم التي تنذر دوما بالخراب بعد وقوعه لا قبل.
بماذا يختلف الذين أعدموا صدام عن صدام؟ لازالت الكويت وكل دول المنطقة بخطر! صدام يلبس ربطة عنق ربما وهم يرتدون قناعا!
يقول توماس فريدمان (في اعتقادي أن صدام حسين يستحق الموت ألف مرة ومرة.
ولكن لو كان القادة الشيعة فاجأوا الجميع، وأعلنوا أن تراب العراق قد تضرج بما يكفي من الدماء، وخففوا عقوبة إعدام صدام للسجن المؤبد، فأبقوا بذلك على حياته، على أمل توحيد العراق، بدلا من إعدامه وتعميق الجرح والنزيف الوطني.
وعلى رغم جهلي بما إذا كان الإبقاء على حياة صدام، سيؤدي إلى تلك النتيجة أم لا.
إلا أنني أدرك جيدا أنه قلما فاجأنا العراقيون بأية مؤشرات تصالح وطني، اللهم إلا مفاجأتنا بقدرتهم على قتل بعضهم بعضا).
هذا كله سيكون مفهوما بالنسبة لضحايا صدام وللشعب الكويتي، ولكن غير المفهوم هو التأكيد وفي السياق نفسه على جعله بطلا عروبيا وقوميا! وكأن ضحاياه ليسوا عربا والشعب الكويتي ليس شعبا عربيا! وبالتالي تمنيات توماس فريدمان الذي عبر عنها الكثير من المثقفين العرب لا يمكن أن تصب في خانة تحويله إلى بطل قومي وشهيد ورمز ..الخ من الإسطوانة المشروخة هذه!
ولكنها جزء مهم ورئيسي من المشهد العربي نفسه ومن ثقافته التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن لأنها ثقافة سلطة في سياق ملتبس أصلا.
سؤالنا بسيط: كان صدام ديكتاتورا دمويا لا يشق له غبار وهو من يتحمل المسؤولية الأساسية فيما وصل إليه وضع العراق والمنطقة فكيف يصبح شهيد العروبة والمقاومة وبطلا وكيف ان القذافي يعلن الحداد لثلاثة أيام في ليبيا وتتنادى القوى القومجية والإسلامية لعقد مهرجانات تمجيدا بالديكتاتور؟
هذا السؤال البسيط الذي ينبئ بما لا يدع مجالا للشك بأن هذه القوى تجد نفسها في المآل الأخير ضد أي ملمح يتقدم في هذه العتمة نحو ثقافة ديمقراطية حقيقية.
وأخص بالذكر هنا القوى الأردنية والفلسطينية التي خرجت ببيانات ونداءات وما شابه فاجأني في هذا السياق في الحقيقة موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي أسسها جورج حبش.
لتقول لشعوبنا المنكوبة هذه ببقاء نظم شبيهة بنظام صدام أنها هي أنظمة هذه الرموز وهذه الثقافة!
لهذا ليس مفاجئا أن يكون موقف التيار الإسلامي في الأردن ومصر والجزائر وفلسطين..الخ موقفا محابيا للنظام في سورية وعلاقته وطيدة مع ركائز النظام الإيراني في المنطقة.
أليست مفارقة أن يعلن القذافي الحداد على صدام حسين!؟
أليس هذا تأكيدا على أن ضحايا صدام لا قيمة لهم بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والطائفية أم أن هذا يصب في نفس المجرى الإيراني السوري في تذكية المسألة طائفيا في المنطقة؟
أليست القوى التي تتصدر الآن العنف الطائفي هي قوى حليفة رغم الدم الذي يجري بينها؟
تعالوا لنستعرض المشهد: القوى التي حرصت على إعدام صدام بهذه الطريقة وبهذه السرعة وما رافق هذا الإعدام من ترميزات ودلالات هي قوى إسلامية ولكنها موالية إلى هذا الحد أو ذاك لإيران.
وأليست القوى التي تريد تحويل صدام إلى رمز وبطل وشهيد هي قوى إسلامية أو عروبية برداء إسلامي؟
وأليست كلها كان صدام يستقبلها في نفس فضائه كما كانت إيران تستقبل القوى الحاكمة الآن في العراق؟
إنها الثقافة نفسها التي دعمها صدام ومولها وإن كان الشقاق بين هذه القوى موجودا ودمويا إنما نجد عمقه في الصراع بين هذه الأنظمة ذاتها على النفوذ وعلى استمرار هذه الإشكال من السلطات والنظم؟
ولنلاحظ الآن موقف التيار الإسلامي من النظام السوري، موقف حماس والقوى الإسلامية الفلسطينية من إيران ..الخ
إنها ثقافة القناع والإعدام والتلذذ بهذا الإعدام هي التي رباها صدام ويربيها الآن النظام الإيراني في المنطقة.
لهذا ممن نطلب أن يقوم بثقافة التسامح في المشهد السياسي العراقي والإقليمي؟
والأنكى من كل هذا أن كل هذه القوى بما فيها فرق الموت الصدرية هي ضد أميركا !
* كاتب سوري- سويسرا
ghmo111@mysunrise.ch