إلى الشيخ مرشد معشوق الخزنوي مع المحبة

حسين جلبي

البداية من هانوفر

كُنت من المدعوين قبل شهرٍ من اليوم للمساهمة في إحياء الذكرى السابعة لإستشهاد الشيخ محمد معشوق الخزنوي في مدينة هانوفر، و قد تشرفت بالحديث عن شيخ الشهداء عبر كلمة أعددتها للمناسبة، شأني في ذلك شأن الأخوة الآخرين من مختلف أطياف المجتمع السوري، لكن الحضور الطاغي للشيخ مرشد الخزنوي حولنا جميعاً، أو على الأقل حولني أنا، إلى مستمع خلال تلك الأمسية، و جعل وجودنا معاً على تلك المنصة يفتقر إلى العدالة، فقد كان خطيباً مفوهاً يتحدث بالحماسة ذاتها التي كان يتحدث بها المرحوم والده، ما شكل ضغطاً علينا جميعاً للإختصار، و إستغلال وقت الأمسية للإستفادة من فرصة وجوده بيننا.
لم يخطف الشيخ مرشد الأضواء لأنه فقط إبن الشهيد و يعرف عنه أكثر من الجميع، بل على العكس من ذلك، فقد رتب ذلك على عاتقه مسؤوليةً أكبر، صحيحٌ أن تجربة الشهادة قد صقلت شخصيته أكثر، لكن الرجل يمتلك في الواقع كاريزما و موهبة يبدو أنه صقلها بالدراسة و التجربة.
أود الوصول من ذلك كله إلى القول أنه لم يكن هناك إنسجامٌ تام بين صورة الشيخ مرشد هذه و بين ما صدر عنه من توضيح بشأن مؤتمر القاهرة، فكل تلك الصفات لم تنجح في تبرير ما صدر عنه و زملاءه، الذين سيصعب ربما على بعضهم التعرف على وجهه فيما لو لو أعاد مشاهدة الفيلم الذي ظهر فيه نتيجة سورة الغضب الشديد البادية للعيان، و على كل حال فأنا لم أكن أنتظر من الشيخ مرشد دفاعاً عن نفسه بشأن ما حدث معه هناك، فمثله لا يحتاج إلى ذلك الدفاع، بل فقط إلى الأعتذار إذا أخطأ.

محطة القاهرة: مبررات الإنسحاب

يقول الشيخ عن الإنتقادات التي وجهت للكُرد على خلفية إنسحابهم إن المؤتمر (لم يعقد من أجل مناقشة الثورة السورية و دعمها، بل إنعقد المؤتمر من أجل البحث و النقاش لما بعد الثورة و توزيع الحصص و كتابة الدستور) و في مكانٍ آخر يكمل الفكرة: (و بالتالي لو ناقش المؤتمر آلية أسقاط النظام و دعم الحراك الثوري و اغاثة الشعب المنكوب و توحيد الصفوف اجزم و الحلف بالله غير حانث ان الكرد كانوا هم الداعمين الاول و لن يكون موقفهم الا التجمع و ليس التفرق).

كما يقول: (ليس خافياً أن الثوار الذي هم على الأرض من اتحاد التنسيقيات انسحب منذ اللحظة الاولى و الجيش السوري الحر عبر عن موقفه من المؤتمر منذ اللحظة الأولى عندما قال مؤتمر القاهرة مؤتمر مؤامرة).
و هنا لا يخفى على ذكاء الشيخ العزيز إن كل مؤتمر تعقده المعارضة السورية تتم فيه مناقشة الثورة السورية و دعمها حتى و إن لم يكن ذلك على جدول الأعمال بشكلٍ رسمي ، فالثورة هي المركز الذي تدور حوله المعارضة و نشاطاتها كلها، و كل عمل تقوم به المعارضة حتى و إن كان يناقش مستقبل سوريا بعد مئة عام يؤثر على الثورة سلباً أو إيجاباً حسبما ينتهي إليه، ما دامت هذه الثورة قائمة و لم يُحسم أمرها بعد، و إذا لم يكن التأثير مادياً فهو بالتأكيد معنوي، و الأخير قد يفوق في الأهمية التأثير المادي، خاصةً في ظل معارضة عاجزة عن تقديم دعم مادي حقيقي لها، فالأولى بها تقديم المعنوي على الأقل و هو أضعف الإيمان، لا زيادة نسبة الإحباط و اليأس بدل ذلك.

أما عن عدم مناقشة المؤتمر لإسقاط النظام و غيره كمبرر للإنسحاب فأحيل أخي الكريم إلى الإنسحابات المتكررة من معظم المؤتمرات متسائلاً: ألم يناقش واحدٌ من تلك المؤتمرات آلية إسقاط النظام، و دعم الحراك الثوري، و إغاثة الشعب المنكوب و توحيد الصفوف، لكي ينسحب منها جميعاً ممثلي المكون الكُردي!؟
و إذا كان الجيش السوري الحُر قد قال عن المؤتمر و منذ اللحظة الأولى أنه مؤتمر مؤامرة، و إذا كانت إتحاد التنسيقيات قد إنسحبت منه منذ اللحظة الأولى، فلماذا لم ينسحب شيخنا الجليل و رفاقه من مؤتمر بهذه المواصفات يخلو من الممثلين الحقيقيين للثورة، و لماذا إستمروا فيه و شاركوا في أعماله حتى اللحظة الأخيرة، و إنسحبوا منه لدواعٍ أخرى بعيدة كل البعد عن تلك التي تخص التنسيقيات و الجيش الحر، و لم يتذكروا إنسحاب هيئات التنسيق و توصيف الجيش الحُر له إلا فيما بعد، بعد أيامٍ من إنتهاء المؤتمر.

رغم أن هذه هي عقلية المعارضة فلا مرحباً ببشار

يسوق الشيخ مرشد أقوال مجموعة من المعارضين ليقارنها بما تفوه به قاتل السوريين بشار الأسد ليبرر زلته في الترحيب بما صدر عن الأخير، و كأننا أصبحنا في عداء مع المعارصة و بالتالي عدو عدوي قد أصبح صديقي حسبما يتغنى به البعض، رغم أن بيننا ما صنع الحداد، و لا أرغبُ هنا بدوري في إجراء مقارنة تفضيلية بين الطرفين، و لكني أشير فقط إلى المتصيدين في مستنقع التصريحات الذين ذكر هو بعضهم، و وظيفة بعضهم في الأصل هي الإنتقاء و التحريف و التزوير، فكيف يكون الحال و بين أيديهم قولٌ واضحٌ كامل الأوصاف لا يحتاج تعديلاً، حتى أنه معرضٌ لأن يصبح قولاً مأثوراً و مثلاً يُذكر كلما جاء الحديث عن سيرة الكُرد في سوريا.
و إذا كان رأس النظام قد قال ما قاله عن الكُرد في لحظة غياب وعي و توجهٍ للخارج لتلميع نفسه، فإن مقولته لم تكن سوى كلام حق يراد به باطل، و لم تتجسد على أرض الواقع إلا مزيداً من المراسيم العنصرية و الأعمال القمعية، و أتخذَ كغطاء لضرب الوجود الكُردي بعمق.

و ليس المرء بحاجة هنا إلى التذكير بآخر إنجازات النظام في وضع أسس القتال الكُردي ـ العربي و الكُردي ـ الكُردي إن لم يكن هذا القتال قد بدأ بالفعل.
لكن كم من حادثٍ مثل ذلك الذي جرى أمام عدسات المصورين في القاهرة و في القاعات المُغلقة  قد غطى بغُباره على الحقيقة و أضاعها، و كم من صوتٍ مرتفع أُعتبر تعبيراً عن قلة الحيلة، و أعطى إنطباعاً بعدم عدالة القضية، و بالمقابل كم من موقفٍ فيه من المُكابرة شبيهٍ بذلك الذي إتخذه الشيخ حمد بن جاسم تجاه شتائم سفير النظام في مصر لم يكن له وزن الصفعة القوية على وجه رئيس النظام فحسب، بل كان له مفعول إسقاط النظام إن لم يكن من أسبابه.

 

بين الشعب و القومية ضاعت القضية

لستُ في وارد الدخول في جدال بيزنطي عن السؤال الإعجازي الذي يدور اليوم عن تعريف الكُرد في سوريا، هل هم شعب أم قومية؟ و أيهما سابقٌ على الآخر في الوعي الكُردي، أو أكثر تعبيراً عن الحالة الكُردية الراهنة في سوريا هل هي الحالة القومية أم حالة الشعب، كما لستُ في مجال إعطاء محاضرة جافة عن الشعب و القومية، أو تعريفهما، هو ما يمكن أن يوفره د.

غوغل، الحاصل على ماجستر في القانون الدولي، و دكتوراة في كل شئ دولي، لذلك أحيل المهتمين بالموضوع إلى العزيز غوغل، دون زملاءه القافزين من الإبتدائية إلى حمل الماجسترات و الدكتورات المتنوعة التي تباع اليوم بأزهد الأثمان على أرصفة عدد هائل من الجامعات العائلية المنتشرة في كل البلدان و خاصةً أوربا، و بذلك أوفر على نفسي عناء القطع و اللصق من كل البضاعة التي يوفرها غوغلنا مجاناً، بدءاً من القوانين الدولية إلى القوانين المحلية التي تنظم شؤون أصغر كيان موجود على هذه الأرض، دون أن يضطر أحد إلى دفع المال لشراء شهادة أو لقب من إحدى دكاكين العالم المنسية.

الكُرد في وثائق مؤتمر القاهرة و خارجها

من خلال مراجعة وثيقتي العهد الوطني و المرحلة الإنتقالية لتحديد الرؤية السياسية للمرحلة الإنتقالية الصادرتين عن مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية يلاحظ المرء ما يلي:
1.

لم يرد ذكر سوريا في الوثيقتين على أنها الجمهورية العربية السورية، و كلما أقتضى الأمر ذكر أسم الدولة كانت تتم الإشارة إليها كل مرة بـ (سورية) فقط.
2.

لم ترد في الوثيقتين أية إشارة إلى الشعب العربي في سوريا كأحد المكونات السورية، و كذلك إلى الشعب الكُردي أو غيره.
3.

كلما وردت كلمة الشعب كانت تلحق بكلمة السوري، و قد عُرف الشعب السوري على الشكل التالي: الشعب السوري شعبٌ واحد، تأسست لحمته عبر التاريخ على المساواة التامة في المواطنة بمعزل عن الأصل أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الإثنية أو الرأي السياسي أو الدين أو المذهب، على أساس وفاق وطني شامل، لا يجوز لأحد فرض دينٍ لأحد أو اعتقادٍ على أحد، أو أن يمنع أحداً من حرية اختيار عقيدته و ممارستها.
4.

تمت الإشارة عدة مرات إلى القومية الكُردية، و ذلك لبعث رسائل تطمين إلى الكُرد، و خاصةٍ القول أن الدولة السورية تقر بوجود قومية كُردية ضمن أبنائها, و بهويتها و بحقوقها القومية المشروعة وفق العهود و المواثيق الدولية ضمن إطار وحدة الوطن السوري، و كذلك عند ذكر إزالة آثار السياسات و القوانين التمييزية و المجحفة بحق القومية الكُردية في سوريا و تداعياتها، و تعويض المتضررين من أبناء الشعب السوري كافة و إعادة الحقوق لأصحابها.
من كل ذلك يستطيع المرء قراءة المشهد السوري المستقبلي بصورة أخرى، تقوم على أن المعايير الدولية التي تتناول حقوق الشعوب و تُعرِف الدول ليست كتاباً منزلاً، ليس بوسع المرء أن يتحرك إلا ضمن دائرته، بل هي قواعد قانونية وضعها بشر و لمصلحة بشر، و هي من المرونة بمكان بحيث يمكن تطويعها لتناسب حالات حديثة طرأت، أو حتى بالإضافة إليها أو تغييرها لتناسب كل حالة على حدة.
كما يتوجب عدم إنكار أنه ليس كل من حضر مؤتمر القاهرة هو ضد صياغة الحقوق الكُردية بالشكل الذي يريده أبناء الشعب الكُردي، فما سمعناه هو مجرد أصوات تخالف سياق الثورة السورية التي قامت أصلاً لكسر القيود، و هي ضد سوريا التي يعمل الثوار على الأرض لبناءها، و حتى صياغة تلك الوثائق لن تكون نهائية غير قابلة للتغيير، فربما لن تكون صالحة سوى للإستئناس بها كونها صادرة عن جهة غير منتخبة، و هي لن تلزم سوى الموقعين عليها، بل هم أنفسهم يستطيعون التراجع عنها دون أن يترتب على ذلك أية عواقب.
و أخيراً ألسنا واثقين من أنفسنا أننا شعب؟ و لماذا نريد أن نُرغم الآخرين على الإعتراف بذلك بالصراخ؟ ليقل من يشاء ما يشاء عنا فلن يغير ذلك في الحقيقة شيئاً، و ليطلق من يشاء الصفة التي يشاء علينا، فلدينا من الوسائل السلمية بعد سقوط النظام، ما يجعل الآخرين يعترفون بأننا شعب الله المختار، و ليس أقل.

09.07.2012

jelebi@hotmail.de

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…