مطارحة نقدية في أسباب صراعات المجالس الكردية ..!!

خليل كالو

على اعتبار أن المجلسين هما آخر ما توصل إليه العقل المبدع والمدبر للكرد كمنتج من صنع محلي كردي من خلال نخبه المتنوعة بغض النظر عن التدخلات الخارجية هنا وهناك  ويعتقد أن المرحلة قد فرضت على الجميع ذلك فرضا للبقاء والوجود والخروج من حالة السكون وليس كخيار استراتيجي قومي لقيادة المرحلة أو حتى كحالة منفصلة وذاتية لمجلس عن الآخر ولم تستطع النخب القائمة على التأسيس من نسيان ماض الذي بات حضوره متميزا من جديد وانطلقت من ذاك المنهج وها نعيش طقوسه بشكل عملي يوميا على الأرض.
لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة على عصي المجتمع الكردي بشكل عام على التغيير والإصلاح السياسي والثقافي لإنتاج سلوك عصري في ظل المتغيرات الدراماتيكية بالرغم من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية له وفي ظل وتيرة الحراك والثورات الشعبية والمصادمات الداخلية بوصف التغيير قد بات من ضرورات الحياة لأي مجتمع حيوي وما أكثر من تحدث عن الإصلاح والثورة والتغيير منذ بداية الحراك الشعبي السوري ومنه الكردي حصرا ولكن في نهاية المطاف لم يجد المجتمع الكردي شيئا من هذا القبيل سوى إنتاج القديم ذاته مع بعض التطور البسيط في منهج وتفكير أعداد قليلة من النخب الثقافية دون السياسية ولكن هذا القليل ما زال يعيش الكثير من التخبط والعبثية الفكرية في طرح مشروعها الحداثي على مستوى الوطني السوري والكردي القومي .فخلال حراكها المتواضع لم تستطع تلك النخب من زحزحة شيئا من الجمود العقائدي للعشيرة الحزبية والثقافة السائدة المعوقة للتطور وإلى الآن ظلت الأوضاع تراوح مكانها إن لم نقل أنها تراجعت إلى الوراء بحسب الكثير من المؤشرات والدلائل التي تشهدها الساحة السياسية الكردية والتذمر الشعبي وقد تجسد فعليا من خلال الصراعات الحزبية البينية  وذهنية العناد والغل وأنا الديك أولا وما تشهده الميادين والساحات في بعض المناطق الكردية بين مجلس غربي كردستان والمجلس الوطني الكردي من صراع على مناطق نفوذ ومصالح للعشيرة الحزبية ثانيا.

 
رغم الأصوات والحاجة الماسة إلى تغييرات شاملة وجذرية جدية في الوضع العام الكردي لا سيما السياسي منه إلا أن الأوضاع باتت تتفاقم وتتأزم أكثر من خلال وجود المجلسين وهي ليست وليدة اليوم أو بعد انطلاقة الثورة السورية وإنما تمتد إلى فترة سابقة في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي لأسباب كثيرة وفي مقدمتها ضعف الوعي الجمعي القومي .

ورغم البطء والتلكؤ في تحقيق معدلات حقيقية ومؤشرات فاعلة لإصلاح طبيعة الفكر والتفكير والعقل الجاد للحراك السياسي والثقافي والتنظيمي الكردي هناك أسباب بنيوية تحول دون ذلك ومن هذه الأسباب الرئيسية هي:
أولاً ….  عدم أهلية المجاميع السياسية العاملة على الساحة الكردية من خلال شخصياتها القائدة مع روح العصر وثبوت فشلها على جمع الكرد في وحدة إطار قومي حتى تؤسس للكرد من مركز قرار ووحدة خطاب كون تلك المجاميع سياسية وليست قومية بالدرجة الأولى بالرغم من تطعيمها بفكر القومية البدائية ولا علاقة للبعض الآخر منها بالكردايتي عملا فلو كانت أحزاب قومية لانعدمت ثقافة التشتت والانقسام والتخندق في حراكها عمليا ونظريا وكما تفتقد البعض الآخر منها إلى سياسة قومية عصرية واضحة ومستقلة للشعب الكردي في سوريا تتلاءم مع التطورات الجارية وروح العصر وتجد نفسها وصيا على شؤون الكرد كامتداد للعمق الجغرافي والسياسي الكردستاني بل يعتبر البعض منها كجزء لا يتجزأ منها على حساب تطور والتغيير الحالة الفكرية والثقافية والوعي الذاتي للكرد هنا كحالة وطنية سورية أولا وقومية كردستانية ثانية وليس العكس .
ثانيا … تخلف الحراك الثقافي والفكري الحداثي عن اللحاق بالتطورات المستجدة والمتسارعة كجهة محركة وناقدة ومعرية وفاضحة للسلب حسب المكان والزمان والموقف هذا من جهة ومن جهة ثانية ما زال المثقف الكردي يبحث عن ذاته ولم تجدها بعد وهو أسير الموروث الفكري والثقافي لمرحلة الحرب الباردة ولثقافة العشيرة الحزبية .

فمجمل خطابه ونتاجه الفكري والثقافي المرسل هو للتعريف بذاته ضمنا لإثبات حضوره كشخصية ورقم ملفت لا كمتنور ومنور ربما بسبب القهر والظروف التي عاشه من اضطهاد مزدوج من الطبقة السياسية الكردية والموروث الماضوي المقيد للتحرر الفكري وحكم المركز اللا ديمقراطي والشوفيني البعثي في اغلب مراحل حكمه  حيال الكرد بشكل عام فهو الآن بلا مشروع كردواري فكري وثقافي حداثي.

وما زال يرى في السياسي والقديم الفاشل القدوة والمخلص للكرد ولا يثق بذاته ودوره الفاعل لكي يكون الرائد للنهضة الفكرية والثقافية ومحدث للموروث الماضوي كأقل واجب له باعتباره مثقف منتج  له رسالة تاريخية يستوجب أدائها مهما كلفته من متاعب .

   
 ثالثا …… الملفت للنظر أن العجز عن تحقيق معدلات إصلاح وتغيير في المجتمع الكردي على المستوى الذاتي “هنا لا نناقش الموضوع والعدو الخارجي للكرد ” مردّه إلى ضعف قدرات الفهم والتدبر والالتزام عند الأكثرية الساحقة من أفراد هذا المجتمع فيما يحصل حوله من تلاعب وتسخير قدراته في غير محله حينما تصدر العشائر الحزيية أزماتها على داخل المجتمع الكردي كوسيلة للهروب من مسؤولياتها القومية والوطنية .فهذه الظاهرة المستشرية وغير الطبيعية في المجتمع الكردي دليل صارخ على التخلف العام  وممارسة النخب السياسية والثقافية دور المتطفل والمستغل لقدرات الكرد وتسخيرها لصالح الخاص الشخصي والحزبي وليس على العكس ولتبقى المسيطرة والمسيرة لدفة الصراعات كما تريد .علما بأن لها سوابق وتقاليد عريقة في ذلك وتاريخ مسيرتها الطويلة شاهد عليها وليس خليل كالو وحده.


مختصر القول فيما ورد من الأسباب أعلاه هدفه معرفي للشروع والتفكير في بناء نهضة كردوارية فكرية وثقافية جديدة بغية التخلص من أسباب الضعف والعوامل المعيقة لتطور الكرد مستقلا وًلتوفير متطلبات للتغير وهنا لا بد من أن تعمم ثلاثة أنواع من العقول المدبرة أو الثقافات في المجتمع الكردي قبل أي حركة وحراك على أن تعتمد ثقافة النقد والتقويم للموروث ورفض البالي منه كـأدوات رئيسية وليس الصراع على الطريقة السلف وعنف العشيرة الحزبوية وهي..العقل المعرفي المرتبط  بالفهم والتعلم والإدراك للتحكم والحكم على الأفكار الخاطئة والصالحة للسياسات الكردية للكرد “أي بناء مرجعية قومية عصرية ” والعقل العاطفي لنشر ثقافة المحبة والتعاضد والتواصل ووحدة الحال كمجتمع لا كأفراد أمام التحديات على أساس الانتماء”  والعقل الاجتماعي المرتبط بفهم منطق التغيير للكثير من العادات والتقاليد والنظام الاجتماعي”على أساس المصير المشترك كقومية ” والبحث عن الإمكانيات اللازمة لتحقيق ذلك والعمل على تعميم ونشر مثل هكذا ثقافة وفكر بشكل عملي وتوظيف القدرات المتاحة في خدمة مشاريع بناء جيل مدرك لحقيقة ذاته له هوية ثقافية متمايزة الآن ومستقبلا .
2.7.2012
xkalo58@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…