محاضرات المثقف والسياسي الكردي تبين بأنهما وجهين لعملة واحدة

دلكش مرعي

من يلقي نظرة على محتوى عدة محاضرات ألقيت من قبل بعض القيادات السياسية وبعض المثقفين سيلاحظ بأن هذه المحاضرات لم تتجاوز السرد التاريخي السطحي الممل لتاريخ الثورات الكردية وتاريخ تأسيس الأحزاب الكردية والجمعيات والصحف وغير ذلك من الأمور … فلم يستند أي محاضر من هؤلاء المحاضرين على منهجية علمية تقيّم من خلالها مجمل الأحداث والوقائع التي تم تناولها فهم جميعا تحدثوا عن تاريخ هذه الثورة او هذا الحزب او هذه الجمعية او عن جغرافية كردستان او عن اعداد الكرد ولم يتحدث أي منهم عن الاسباب الجوهرية التي كانت وراء فشل وإخفاق هذه الثورات وفشل هذه الأحزاب وهذه الجمعيات…
فإذا طرحنا سؤال على هؤلاء السادة وقالنا لهم لماذا نجحت معظم الثورات الشعبية في العالم وحققت استقلال الشعوب وتحررها ولماذا حققت معظم الأحزاب انجازات هامة لشعوبها بينما الكرد لم يحصدوا سوى الفشل والمرارة والخيبة وتقديم آلاف الشهداء والمعتقلين دون أن يحققوا أي هدف من اهداف تلك الثورات أو أن يحققوا ما انجزه بقية أحزاب تلك الشعوب اليس الكرد هم من فصيلة بقية البشر ومن ارومتهم ويحمل كل كردي داخل جمجمته نفس كتلة الدماغ البشري وحجمه ؟ اليست طبيعة كردستان الجبلية هي الأكثر ملائمة في العالم  لقيام الثورات ودحر المحتلين ؟ اليست كردستان تتميز بثرواتها الطبيعية الهائلة وبمعادنها وذهبها الأسود وهل سألتم انفسكم يا سادة المحاضرين لماذا بقيت ذهب كردستان ومعادنها النفيسة حسب الأغنية الكردية الشعبية لغير الكرد او لماذا بقي الكرد في المقاعد الخلفية وراء مقاعد بقية الشعوب … ما نود التأكيد عليه هو ان السبب الذي اوصل الشعب الكردي إلى هذه الواقع وإلى معاناته التاريخية لم يكن بسبب الحالة الاقتصادية أو بسبب جغرافية كردستان ومناخها او بعدد البشر والأحزاب بل السبب الحقيقي والجوهري كانت تكمن وما تزال في  الزبالة الفكرية والثقافية التي كرسها لنا المحتلون واحتلوا عبر هذه الثقافة الميتة خلايا الدماغ الكردي وعطلوا ملكات هذا الدماغ وقدراته في التفكير عبر قرون وقرون وهذه الزبالة الفكرية تحولت إلى تراث ينهل منها الشعب الكردي قيمه التربوية ومفاهيمه وعقائده أي تحول هذا التراث الميت المتخلف إلى حقائق كلية مطلقة مقدسة ممنوعة من النقد والتقيم  ومرجعية فكرية يتصرف الكردي ويهتدي وينتشي برائحة وعفونة هذه الأفكار ويحدد معظم مواقفه السياسية والثقافية على ضوئها  … فمعظم المثقفين الكرد يستشهدون بقال قال وعن وعن والغريب في الأمر بأن معظم هذه الأقاويل والعنعنات هي من أقوال الذين احتلوا كردستان وكان هدفهم عبر تلك الأقاويل تخدير العقل الكردي !!!! أما ماذا يقول المثقف الكردي او السياسي الكردي فلم يقول حتى الآن شيئاً يستند الى منهجية علمية يخدم الشعب الكردي وقضاياه العامة بل يكررون اسطوانتهم المتصدأة قال قال وعن وعن … هذه الثقافة الميتة التي لم ينتج للشعب الكردي عبر تاريخه سوى الاستسلام للأقدار أو اللجوء إلى محاربة الذات وجلده وغيرها من الامور المحزنة فهل الصراعات الكردية الكردية الجارية في هذه الظروف الحرجة والاستثنائية الذي يمر بها ثورة الشعب السوري يخدم الشعب الكردي… أليس الكل يدرك بأن هذه الصراعات المؤذية لا يخدم سوى اعداء هذا الشعب ويضر بمستقبله ومستقبل اجياله … ما نود قوله بأن اللجوء إلى تنظيرات تاريخية بائسة دون الإشارة إلى الأسباب الفكرية المأزومة التي ادت إلى أخفاق الكرد في هذا التاريخ ان مثل هذه التنظيرات لا تؤدي إلى الفعل التغيري في البنية الفكرية المأزومة لهذا الشعب ولا تزيل االمفاهيم الضارة الذي اوصل الشعب الكردي إلى هذا الواقع بل تؤدي الى التبلد والاستسلام للأقدار واجترار نفس المفاهيم التي اوصل الشعب إلى هذا الواقع المؤلم والمتشظي وهذه الحالة يمكن تشبيهها بحالة المقهور الفاشل الذي يضع نظارة سوداء امام عينه كي يمنعه لرؤيته لذاته 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…