دقيقة كاملة يا نمرود

عمر كوجري

  الكتابة فعل جمالي يسمو بصاحبه ، وموضوع أخلاقي قبل أن يكون أي شيء آخر لهذا فمسألة امتشاق سيف القلم،وسفح الأفكار على بياض الورق غاية في الأهمية والخطورة .

   أسوق هذا الكلام وأنا أطالع جريدة النور الدمشقية الجريئة في إثارتها للمواضيع التي تهم شرائح كثيرة من المجتمع السوري .

فقد نشرت في العدد273 صفحة ” شرفات الكلام” زاوية أسمتها ” نصف دقيقة ” للمحرر نمرود سليمان ،فقد استطاع الكاتب فيها بحذاقة صحفي أن يختصر واقع محافظة الحسكة السيء ” سلة سورية الاقتصادية ” عبر استحضار الزمن الماضي من خلال معلمين دمشقيين درَّسا وعلَّما الطلبة في  المحافظة في سبعينيات القرن الماضي  ويرغب الكاتب أن يخبرهما- إن كانا على قيد الحياة – أن الهوة الاجتماعية متسعة، والأمور من سيء إلى أسوأ .

إن كل ما كتبه صحيح ، فالحسكة مهملة تماماً ومنسية، وكل وعود تنميتها هي مجرد حبر على ورق ، وهذا الكلام يفقهه الجميع والأسباب أكثر من معروفة.لكن ما استوقفني في سياق كلام الأستاذ ” نمرود ” أنه أبدى امتعاضه ، وانزعاجه من تعدد اللغات في المحافظة .
ويفهم من كلامه أنه ضد باقي اللغات باستثناء العربية التي يمارسها الجميع من دون استثناء فيقول: كما أن اللغات قد تعددت في المحافظة بينما كانت في أيامكما واحدة هي العربية ” .
إذن : الكاتب ينطلق من نية مبيتة وهي أن الحسكة كانت موطناً لبي قحطان منذ غابر العصور والأزمان ، وكل من يتكلم غير لغتهم هم دخيلون على المحافظة وغرباء، وهذا لعمري محض افتراء وتجن، على التاريخ وقصور في معرفة أهل البلد.
فمنذ زمن سحيق ثمة تعددية لغوية في المحافظة .
فمن أي مصدر استقى معلوماته أن العربية كانت اللغة الوحيدة في الحسكة في أواسط السبعينات.
ومن قال لك يا أستاذ ” نمرود ” أن تعدد اللغات في مكان ما دليل تأخره وتراجعه الحضاري ؟
وما المشكلة إذا عاشت مع اللغة العربية في المحافظة لغات أقوام وإثنيات أخرى مثل الكرد و الآشوريين والآرمن والكلدان والشاشان وغيرهم ؟
إن أجمل ما في الحسكة هو تعددها الأقوامي يا سيدي، ومنذ زمن طويل تعيش هذه القوميات بتوادد وتراحم فيما بينها، ويدرك السيد نمرود هذا الأمر جيداً باعتباره من أهالي الحسكة ، ولم يكن تعدد اللغات يشكل مشكلة لديهم، فلماذا النظرة القاصرة حيال التعايش المشترك ؟؟
والأطرف من كل هذا وذاك أن السيد نمرود هو بذاته ليس عربياً ، بل هو من الأحبة الآشوريين في الحسكة .
فما الدافع مرة ثانية لحذف اللغات في الحسكة حسبما يفهم من زاوية السيد سليمان ؟؟؟.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…