التكاتف بدل الإستنجاد بالخارج

  صالح دمي جر

قال الوطنيون مراراً وتكراراً, أن حزب البعث عمل على مر العشرات من السنين وعبر أجهزته الأمنية وإستخباراته لينصب البعثيون أنفسهم أوصياء على تفاصيل حياة السوريين وحشر أنفهم في كل شاردة وواردة تحدث في سوريا.

بدءاً بإحياء حفلات الطهوروالخطوبة والميلاد – التي تحتاج في سورية فقط إلى الموافقات الأمنية-  وليس إنتهاءاً بمنع تشكيل أي إطار سياسي أو ثقافي أو إجتماعي من شأنه أن يدعم الإنسجام والتناغم بين مكونات الشعب السوري المختلفة  دون مباركة البعث له وتبني هذا الإطار نهج وإيديولوجية هذا الحزب القائمة أصلاً على سياسة فرق تسد .
وأن هذا التدخل السافر في يوميات الحياة السورية على كل الأصعدة كان كفيلاً بخلق حالة من الشك وعدم الثقة في المجتمع السوري قبل الثورة.

 فبات العربي ينظر إلى الكردي على أنه مشروع تقسيم, ويتهم الكردي أخاه العربي بممارسة العنصرية بحقه والنظر إلى مواطنيته بدونية ,ويخاف المسيحي من المسلم ,وينظر المسلم الى المسيحي نظرة شك وريبة.


 ومنذ بدء الثورة وخلالها حذر المتابعون للشأن السوري  من التركة الثقيلة التي سيخلفها نظام البعث من خلال ممارسته لسياسة اللعب على الوتر الطائفي -وهذه المرة بشكل مباشر- لضرب مكونات الشعب السوري ببعضها من خلال الإيحاء بأن التغيير في سوريا سيؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها ,ويدخل البلاد في نفق مظلم من الفوضى والمشاكل .طبعاً هذا الجحيم المتخيل  لدى أذناب النظام, تم تفعيله بعد أن تكشفت عورتهم أمام الرأي العام العالمي والإقليمي والعربي على السواء وفشلوا في إتهام الثوار بالخيانة والتعامل مع قوى خارجية ,على نسق ما جرى مع  ثوار دول الربيع العربي, وبعد أن أيقنوا أن الثوار بعيدون كل البعد عن اليأس والهزيمة رغم الكم الهائل من  العنف وهتك الأعراض وحرمات المنازل في كل المدن والبلدات والقتل الممنهج  والتمثيل بالجثث و ممارسة الاعلام الرسمي  سياسة الكذب والخداع والدجل وإخفائه للحقائق وتزويرها.


ونتيجة للمنهجية العالية التي اعتمدتها الدوائر الامنية لترسيخ هذا الشرخ بين اطياف الشعب ورسم دوائرحولها وتصنيف وطنيتها من عدمها قياساً بتقربها من تلك الدوائر ,فإن هذه السياسة  طالت  الكرد وحراكهم  أيضاً.

هذا الحراك الذي كان يتسم بالمتماسك نوعاً ما قياساً بالحالة الوطنية العامة.

ولم تستطع الحركة الكردية واحزابها النأي بنفسها عن تلك الدوائر وخصوصاً بعد الخامس عشر من أذار 2011.


يؤسفنا  أن نشاهد على الأرض ترجمة لأجندات دأبت السلطة على تنفيذها لتتحول سوريا يوماً بعد يوم الى جسد مثقل بالاقتتال والطائفية والعنصرية.
هذا المشهد حقيقة ينبئ بضبابية الأيام المقبلة إذا ما طال عمر هذا النظام.

لأن الحل الحقيقي للوضع السوري يتوارى فيه خلف إستعراض القوة حيناً والإستنجاد بالخارج الذي لا يعنيه الدم السوري بقدر ما تعنيه المنفعة وحسابات الربح والخسارة أحياناً.
إذاً وحدة السوريين وخروجهم بمظاهرات مليونية وتكاتفهم أمام جبروت العائلة الحاكمة ومريديها وحدها  تحمي حاضر سوريا من الانزلاق الى الحرب الأهلية المقيتة.

 ومستقبل سوريا مرهون بعودة مياه  الثقة والطمأنينة بين كل الشرائح السورية إلى مجاريها وإيمان الشعب السوري أن سوريا هي لكل السوريين وأن التنوع الديني والإثني والسياسي هو حالة صحية في المجتمع وأن الإختلاف في الرؤى ووجهات النظر لا يفسد لود السوريين قضية.


 
 الولايات المتحدة الامريكية

26-6-2012

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في قلب الأناضول، حيث تلتقي رياح التاريخ بنسمات الحداثة، يقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مفترق طرق مصيري. ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها العاصفة، لكنها قد تكون الأخيرة التي يمتلك فيها زمام المبادرة قبل أن تتحول العاصفة إلى إعصار يكتسح ما تبقى من مشروعه السياسي، بل ويهدد استقرار تركيا ككل، ويمتد تأثيره إلى…

تمرُ علينا اليوم، الذكرى السنوية الثانية عشرة لاختطاف الضباط الكورد المنشقين عن نظام الأسد البائد ومرافقهم المدني، من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD أثناء توجههم إلى إقليم كوردستان عبر الحدود السورية – العراقية، ولا يزال مصيرهم مجهولاً منذ لحظة اختطافهم إلى تاريخ كتابة هذا البيان. وفي الوقت الذي من المرتقب عقد مؤتمر بُغية توحيد الموقف السياسي الكوردي، نجدد دعوتنا للمؤتمر…

د. محمود عباس   باسم الضمير الكوردي، وبحسّ المسؤولية التاريخية التي لا تتكرر إلا نادرًا، نوجّه نداءنا هذا إلى كافة الأحزاب والقوى والمستقلين المشاركين في المؤتمر الوطني الكوردي المزمع عقده في مدينة قامشلو، أن يكونوا على مستوى اللحظة، وحجم الأمل، وثقل التحدي. إن ترسيخ النظام الفيدرالي اللامركزي في صلب الدستور السوري القادم، ليس مطلبًا سياسيًا عابرًا، بل ركيزة مصيرية لمستقبل…

ماهين شيخاني   تُمثل القضية الكوردية إحدى أقدم وأعمق قضايا الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرتكز الصراع الكوردي على حق تقرير المصير والحفاظ على الهوية القومية والثقافية. في هذا البحث، نسلط الضوء على العلاقة التاريخية بين الكورد والقبائل العربية الأصيلة، ونناقش محاولات الإنكار والإقصاء، لا سيما في سياق الحرب السورية الحديثة، مع إبراز الدور المركزي للثقافة والأدب الكوردي في…