البارتي بين الثابت و المتجدد

 

افتتاحية نشرة البارتي*

 

 إن الثابت النضالي الذي استقر عليه حزبنا منذ نشأته و عبر تطوره يمكن أن يتجدد في موروث نضالي , بمثابة القواعد و الأسس التي عرف بها , و طنياً و قومياً , و تمرس بها في أخلاقياته و مواقفه , حتى تصلب عوده , و اشتد ساعده , و قوي على مقارعة الصعاب , و اجتياز العقبات , ليطمئن على مواقفه , ويثق ببرنامجه السياسي , و منهجيته الفكرية , و يتخرج من خلالها أفواج امتدت على مدى  نصف قرن من الاحتناك و الاختبار و التمرس , ليصل في عمقه إلى الصفوة من خيرة مناضليه , قيماً و خلقاً و رفعةً و سمو أخلاق , بما يجسد الخصوصية النضالية و الثقة العالية بين الجماهير  , تجلى في تماسك البارتي بمنظماته و كوادره و خيرة رفاقه , مما برهن على ثبات و صلابة هؤلاء , رغم أخطر المراحل النضالية , و محاولات العزل و الإحاطة و التطويق ليشكلوا بذلك درعاً واقياً , يحول دون اختراق الصف , أو النيل من صلابته , أو زعزعة مبدئيته و خاصة في الآونة الأخيرة

ليكونوا بذلك نموذجاً يقتدى به , و تجلى في طابع الحفاظ على كل ما هو ثابت و راسخ و مكين , وفق منطلقات فكرية و سياسية , و قيم رفيعة , و إيمان مطلق بالقضية و أبعادها , و حراكها السياسي , و رؤيتها الواضحة في بعديها الوطني و القومي , و خلاصة نهج تحرري كردستاني , يعتمد الديمقراطية و السلم , و مفاهيم معاصرة , يمكن أن تشكل مدخلاً حقيقياً إلى الحداثة   و التحول , و الحيوية و التجدد , انطلاقاً من ثبات يترسخ مع الزمن , كقدرة حيوية تمتحن الإرادة النضالية , و تسموا بها , و تعلو من خلالها على كل الوشائج و الصلات القريبة و البعيدة , لتجد في الرابطة النضالية , و مفهومها و بعدها الفكري , و فلسفتها و عقيدتها النضالية , ما يشدها بقوة إلى رابطة (( اللحمة الرفاقية )) و قدرتها المنقطعة النظير على الجمع و الإعداد و التهيئة , و تقبل الآخرين , و إسماع صوتها  لهم أيضاً , و البحث عن الولادة الجديدة , لمفاهيم حضارية , و رؤى جديدة , و حيوية فائقة على التقدم خطوات إلى الأمام لتلمس المواقع الجديدة , و فهم المعادلة السياسية , و خصوصيات المرحلة , و ما يتطلبه  من حس رفيع بالمسؤولية , و ضرورة الإقبال على المعارف و العلوم و الثقافات , و اعتماد مناهج في التكنولوجيا المعاصرة على مستوى المعلوماتية , و البيئة و السكان , و مشاكل التنمية , و أسس عملية فهم الحضارة الحديثة , و ما تتطلبه  من فهم معرفي  , و إقبال واسع  على كل أبواب المعرفة , و اعتماد الطاقات الشابة في رفد الحركة , و دفعها و اغنائها , و فتح أبواب  الندوات و اللقاءات الثقافية , و الإعداد الكامل لها , و جعل الحزب بخلاياه و فرقه و هيئاته ورشة عمل منتج , و طاقة مبدعة للفكر و التحريض عليه , و شحذ المفاهيم , و صقل المعارف , و جعل المادة العلمية مجال فحص و درس و مثابرة , و طلب و إقبال , و إعداد الملازم و المحاضرات  , و التعويد و التدريب على حسن الاستماع , و حسن الحوار , و دقة المخرج , و سلامة التوجيه , و الاستفادة القصوى من المحيط العلمي و الفني و المعرفي  , ليجد الرفاق أنفسهم مع الثوابت الراسخة منطلقاً إلى التجدد و الإقبال على الحياة , و فهم المعاصرة , و الدخول إلى العالم الجديد  , بمنهجية مزودة بقواعد الاستقراء و مناهجه , و الوصفية و طرائقها , و عوامل تطوير البرامج و الأنظمة و الطروحات , و درجة إغنائها , و التهيؤ لإعداد الكادر , و فتح المجال أمام الاقتحام المدروس , و الرؤية المتماسكة , لبناء عالم أكثر جدة و تطوراً و استعداداً للحداثة و إقبالاً عليه , و جعل الموروث  العلمي القيمي و النضالي , مادة صالحة للبناء عليها , و رفع قواعد جديدة , تعتمد الأصول , و تفتق الفروع , و تجعل منها مادة لفروع و براعم جديدة , تمد بأسس البقاء و عوامل الاستمرار , و طاقة التجدد و الإبداع , و ركيزة الإعلاء , ليستطيع شق سبيله إلى عالم جديد , و هو أكثر فهماً , و أبعد عمقاً من حزب يتآكل , و يعتمد على موروث بات بحاجة إلى تشذيب و صقل و إعداد , ليزهر , و ينمو , و يثمر , بدلاً من المراوحة و الاجترار و الركود … و هو من المتطلبات العملية التي لا تقع في دائرة الفكر النظري البحت , بقدر ما ينبغي أن نجد آثاره و ثمراته في الواقع , و توجيهه إلى المنهج , بحيث يغدو الحزب بحق مدرسة للتجدد و الإحياء و الإنهاض بدلاً من اجترار المفاهيم القديمة , و الجري وراءها و قد أرهقت و أجهدت و نال منها الإعياء .

إن أي عمل إبداعي تجددي لا يمكن أن ينطلق من فراغ , و لكن أي ميراث ثقافي و سياسي و فكري لا يكاد يصلح للحياة ما لم يستمد من ينابيع جديدة , تغذيه , و تحوطه و تسقيه ليزداد قدرة على العطاء , و طاقة على الإبداع , و رؤية و فهماً لما يحيط به من تعقيدات و تشابكات و تراكمات , في عالم   يضج بالحركة , و يزخر بالحياة , و تزدحم فيه الأفكار و المفاهيم , و يشتد الصراع فيه على الحضارات و تراثها و قيمها و مبادئها و السياسات و مصالحها في امتحان الأقوى و الأصلح , و الأكثر مرونة و انفتاحاً و استعداداً للتجدد و الانطلاق في رحابة الحياة المدنية , و جمال العمق الحضاري , و روعة الإبداع الإنساني الأصيل   , و هو ما يستلزم منا جهداً إضافياً  , و استعداداً عالياً للفهم , و القدرة على التلقي , و تهيؤاً للإقبال و الأقدام و عدم التردد , و إيمان  بالغد و آفاقه المشرقة و قيمه التي ينبغي أن ندركها , و نقف عليها , و نعدها لصالح تلاقي الحضارات , و حيوية الفكر الفلسفي , و قدرته على التكامل و التجدد و المعاصرة , و الانطلاق لبناء عالم إنساني , تقهر فيه الغرائز و الأنانيات و قيم الكراهية , و بؤر الإرهاب الفكري  و الجسدي , و يجنح إلى الفكر الهادئ , و العقل المنفتح , و المنهج المتوازن , و الرؤية المكتملة و الناضجة , لرشد إنساني , يمكننا أن نشكل جزءاً منه , و من الحركة السياسية , و هي تسمو إلى الانفتاح و التجدد و الإبداع .

.

.

.

ليكون البارتي في الصلب من الاهتمام , و في القاعدة من الانطلاق , و في الذروة من السمو و الارتقاء .

.

.

 

————-

* نشرة دورية تصدرها هيئة الإعلام في منظمات الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – العدد (3) كانون الأول 2006م – 2618 ك

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…