55 ربيعاً من النضال

  بافي لقمان

   إنّ الحديث عن ميلاد “البارتي” ليس مجرّد ذكرى عابرة نحتفلُ بها لمجرد الذكرى، بل هي في الحقيقة ذكرى لميلاد حزبٍ ضمّ بين جناحيه قطاعاً مهماً وواسعاً مناضلاً، وفاعلاً في الحراك السياسي ضد القمع والظلم والاستبداد، ولعلنا إذ نتذكر بداية تأسيسه في عام 1957 نتذكر مقدار صعوبة الأوضاع آنذاك، حيثُ كان الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) كأول تنظيم سياسي كردي، والذي جاء استجابة ذاتية وموضوعية لظروف المرحلة سواء كانت وطنية أو إقليمية أو دولية، آنذاك لم تكن الأمور كما هي عليه اليوم من حيثُ طبقة المثقفين وحركة الإعلام التي هي اليوم ليست فعلاً مساعداً وحسب بل وحاسماً في كثير من الأصعدة، وربما ما يهمنا هنا هو الجانب السياسي منها.
لن نتكلم كثيراً عن الصعوبات التي رسمت تلك المرحلة، فهي غير خافية على أحد، ويكفي أن نذكر أن الأمية كانت منتشرة لدرجةٍ قد لا تملك الضيعة الكردية برمتها سوى شخص واحد يجيد القراءة والكتابة، ليقرأ ما يأتيه ويمليه على الآخرين.
وربما كانت تجربة 55 عاماً من العمل السياسي والتمثيل بقاعدة شعبية كبيرة هي التي ألقت على عاهل الحزب مسؤولية كبيرة ضدّ النظام الاستبدادي والشمولي من أجل الإتيان بنظام ديمقراطي تعددي برلماني يضمن لكافة الأطياف في المجتمع السوري حقوقهم دون تمييز أو هيمنة طيف على آخر.
الآن حيثُ ندخل حزيران من عام 2012 نكون قد قطعنا في سوريا نضالاً امتدّ لأكثر من سنة وأربعة أشهر في ثورة الحرية والكرامة، التي قادها الشعب السوري والتي شاركت فيها جميع القوى الوطنية على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم.
كان “البارتي” ولا يزال معنياً بكافة أشكال النضال السلمي، لا سيّما في ظلّ هذه الثورة المجيدة، فضرورة المرحلة فرضت على الجميع التقدم بطاقات إضافية لأجل هذه الثورة الساعية لتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية مع الاحتفاظ بوجهة النظر القومية والحفاظ على خصوصية الكرد والتي يعمل لأجلها البارتي، ويكرّس طاقاته لأجلها.
إن رفد النضال السلمي في هذه الثورة بكافة السبل هو الذي يعمل عليه البارتي، مع الحفاظ على هذه الخصوصية الكردية التي تحفظ للكرد تمايزهم.

هذا الكفاح والنضال يقطع الآن 55 ربيعاً بكافة أشكال الصعوبات والتحديات، وهو ماضٍ قُدُماً بخطى حثيثة نحو ما آمن به ويؤمن، لأجل الحرية والكرامة وتحقيق الذات الكردية، بما يرضي الكرد ويصب في مصلحتهم ضمن البلاد.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف ليست القيادة مجرد امتياز يُمنح لشخص بعينه أو سلطة تُمارَس لفرض إرادة معينة، بل هي جوهر ديناميكي يتحرك في صميم التحولات الكبرى للمجتمعات. القائد الحقيقي لا ينتمي إلى ذاته بقدر ما ينتمي إلى قضيته، إذ يضع رؤيته فوق مصالحه، ويتجاوز قيود طبقته أو مركزه، ليصبح انعكاساً لتطلعات أوسع وشمولية تتخطى حدوده الفردية. لقد سطر…

نارين عمر تدّعي المعارضة السّورية أنّها تشكّلت ضدّ النّظام السّابق في سوريا لأنّه كان يمارس القمع والظّلم والاضطهاد ضدّ الشّعوب السّورية، كما كان يمارس سياسة إنكار الحقوق المشروعة والاستئثار بالسّلطة وعدم الاعتراف بالتّعدد الحزبي والاجتماعي والثّقافي في الوطن. إذا أسقطنا كلّ ذلك وغيرها على هذه المعارضة نفسها – وأقصد العرب منهم على وجه الخصوص- سنجدها تتبع هذه السّياسة بل…

فوزي شيخو في ظل الظلم والإقصاء الذي عاشه الكورد في سوريا لعقود طويلة، ظهر عام 1957 كفصل جديد في نضال الشعب الكوردي. اجتمع الأبطال في ذلك الزمن لتأسيس حزبٍ كان هدفه مواجهة القهر والعنصرية، وليقولوا بصوتٍ واحد: “كوردستان سوريا”. كان ذلك النداء بداية مرحلةٍ جديدة من الكفاح من أجل الحرية والحقوق. واليوم، في هذا العصر الذي يصفه البعض بـ”الذهبي”، نجد…

كفاح محمود تعرضت غالبية مدن الشرق الأوسط خاصة في الدول العربية المتعددة المكونات القومية والدينية والمذهبية منذ اكتشاف النفط وفي دول أخرى بُعيد انقلابات العسكر على النظم السياسية الى تضخم مريع في التركيب السكاني، وتغيير ديموغرافي حاد في ظل أنظمة اجتماعية قروية وسياسية شمولية، حولت المدن الى قرى مسرطنة بعد ان فعل الفقر والجهل والتصحر والعقلية السياسية المغلقة فعلته في…