رسالة عزاء مفتوحة إلى أعضاء المجلس الوطني الكردي السوري

 إبراهيم محمود

 السادة الموقرين أعضاء المجلس الوطني الكردي السوري، من بعد التحية.

 أعرف أنكم الآن في غاية التوتر وبؤس الحال وسوء المزاج، رغم تميزكم المعروف بالانضباط، إزاء الذي جرى من قبل أعضاء المجلس الوطني السوري، عندما تم اتفاقهم على اختيار الدكتور عبدالباسط سيدا، رئيساً للمجلس، لدورة رئاسية جديدة قادمة في استنبول بتاريخ 9-6/2012، وهو إجراء لم يكن في محله أبداً، حيث لم يتم أخذ رأيكم بعين الاعتبار، رغم أنه كردي وسوري، لأنها تمثّل من وجهة نظركم، كما هو متوقع وكما أعرف، سابقة خطيرة، بصفته مستقلاً، ومثقفاً، وأنتم لم تعهدوا حتى الآن وضعاً كهذا يتقدمكم، وتلك من أكبر الإساءات إلى تاريخكم النضالي القومي والشخصي.

 أعزّيكم من القلب، بقدر ما أشفق عليكم من العقل على هذه الحالة التي تجسّدونها في علاقاتكم مع من حولكم.
 عزائي نابع من إشفاقي على الصورة التي تمنحونها لأنفسكم مذ وجِدتم حزبيين أو متحزبين، وأنكم تكونون في الواجهة باستمرار، وأن أي مثقف من بينكم مذ كان، كان يكفيه فخراً أنه ملفوظ على لسان أحدكم، وفي ظلكم ولو بذمّه.

 نعم، أنا أعرف أن الذي يعنيكم هو مسألة مبدأ، فالمبدئية علامتكم الفارقة، وأنكم، بغضّ النظر، عما يفصح عنه المجلس الوطني السوري الآن وحتى زمن معلوم، من تصريحات لها صلة بكرديتكم، والموقف من الجاري سياسياً في سوريا، إنما يظل المبدأ الرئيس هو الإشهار بهذا الخرق: وجود من يستلم رئاسة المجلس ذاك، وهو كردي، وقد كان في وسع أيٍّ منكم أن يحل محله كأفضلية مزخرفة، وحينها كان الوضع سيختلف، لأن ذلك من شأنه إثر رئاسة سيدا، أن يفتح أعين كثيرة من الكتاب أو المثقفين الكرد في مناكدتكم، أو في شق عصا الطاعة، وخلق البلبلة في صفوفكم رغم أنها مبلبلة أصلاً! أنتم لم تتهيأوا بعد لوضع مستجد كهذا، رغم أن سيدا كان حزبياً لفترة من الزمن، لكنه بات يعرَف بالمستقل، وهذا ما يثير قلقكم، كيف لا، وأنتم في نضالكم العقائدي، كنتم تراعون التراتبيات في المقامات حيث الوجاهات شغَّالة حتى الآن.
 أعتقد أن أياً منكم كان يتمنى أن يكون محل سيدا، وثمة العديد منكم صار في الخارج في مسعى حثيث لأن يزيح سيدا ويكون هو المرئي والمسموع في الواجهة، لتكون كل التصريحات المتعلقة بالكراديتي نفخاً في الهواء، وسوف يكون كل تعليق يصدر عن أي منكم، على خلفية من هذا الحدث التاريخي المستجد، تذكيراً بحكاية الثعلب الذي لم يستطع الوصول إلى العنب عالياً فعافه وهو يقول: إنه عنب حامض! أقول هذا الكلام، وبي جرح لا يندمل من وزن الكردايتي التليد حيث يوضع فيه الملح بدلاً من الدواء الناجع، جرح هذا التقويم للآخر، حين يكون مختلفاً عنكم، وهو في موقع الكاتب أو المثقف، كما لو أن الإعلان عن ذلك إيذان بتغيير مسار التاريخ، ولا يعود يعطي لأي مقام مخضرم أو عقائدي، تحزبي أي وزن كالذي تعوَّدنا سماع نغمته من خلالكم.

حتى لو أصدرتم بياناً مجلسياً يرحّب بالحدث المستجد، يظل قلق الحادث كاتماً أنفاسكم قياماً وقعوداً، ويحول دون تفكيركم في كل ما يجري في طول البلاد وعرضها، لأن القضية منذ البداية وحتى الآن هي قضية مبدأ في الصميم، كما ذكرت.

إنه التحدي الأكبر الذي ستواجهونه وقد صعدت وتيرته، وما فيه من حصار لكم لهذا التفكير التحزبي الذي يفرّخ شعارات ومجموعة من الاسكتشات الهتافاتية والشعبوية، باعتبارها الداء المزمن الذي يبدو أنه من الصعب جداً برءكم منه.
 إنها ليست شماتة بما هو حزبي أو من يكون تحزبياً، لكنها قراءة استباقية في ضوء التتبع لحيثيات مجلسكم المحَلي، وهو في محْل ِ عطاءاته وتصارعات القيّمين عليه على الواجهة، ومحاولة استماتة تتلخص في كيفية من يمتلكون دماء شبابية وتصورات حداثية وقدرة أكبر على هضم التحولات ورسم صورة تقوّي فينا الأمل ..


ربما ستكون محاولتكم التالية وكرد فعل، هو نوع من ” التطنيش” أو تصنع اللامبالاة، ولكن مجريات الحياة اليومية لكامل أنشطتكم مذ انخرطتم في سلك الحزبية في المجمل، وأعلنتم عما هو زعاماتي فيكم، لا تدعكم في هدوء، إنها لا تخفي شيئاً عما يجري على أرض الوقع، حيث ورقة التوت الذابلة تحدد موقعها الجسدي لدى كل مستأثر بالزعاماتية من بينكم.

 أعزّيكم فرداً فرداً، زعيماً زعيماً بوجاهة محلية، وأرى أنكم بالجملة أمام أحد خيارين: إما أن تعترفوا بحق التاريخ فيكم، فتتنحُّوا جانباً، حيث الاعتراف بالخطأ فضيلة، كما يقال.

أو أن تواجهوا تعرية التاريخ لكل فرد منكم وتبيان حقيقتكم، وقد صار خطأكم سرطاناً لن يدعكم طويلاً في واجهة الحياة!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس قُتل محمد سعيد رمضان البوطي لأنه لم ينتمِ إلى أحد، ولأن عقله كان عصيًا على الاصطفاف، ولأن كلمته كانت أعمق من أن تُحتمل. ولذلك، فإنني لا أستعيد البوطي اليوم بوصفه شيخًا أو عالمًا فقط، بل شاهدًا شهيدًا، ضميرًا نادرًا قُطع صوته في لحظة كانت البلاد أحوج ما تكون إلى صوت عقلٍ يعلو فوق الضجيج، مع…

صديق ملا   إن قراءة سريعة ومتفحصة للتاريخ المعاصر في الشرق الأوسط يستنتج : أن هذا الشرق مقبل على تحولات كبرى ، فالدول التي أنتجتها إتفاقية (سايكس_بيكو)ستتفكك لا محالة ليس فقط بتأثير النظام العالمي الجديد ، بل بتأثير يقظة الوعي القومي للشعوب المستعمَرة أيضا… فالتطورات التي حدثت بعد ثورات الربيع العربي ابتداءاً بتونس ومصر وليبيا وأخيراً سورية قد أرعبت الدول…

خالد بهلوي   تُعَدّ العلاقات الاجتماعية جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان، إذ تلعب دورًا جوهريًا في بناء شخصيته وتشكيل نظرته إلى الحياة. فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين، مما يجعل هذه العلاقات ضرورية لتحقيق التوازن النفسي والعاطفي. ورغم دورها الإيجابي، فإن للعلاقات الاجتماعية جوانب سلبية قد تؤثر على الأفراد والمجتمعات بطرق مختلفة. في سوريا، تتميز…

عُقد يوم الثلاثاء الموافق ٢٢ نيسان ٢٠٢٥ لقاءٌ مشترك بين المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا برئاسة سكرتيره الدكتور صلاح درويش، ووفد من المكتب التنفيذي لحركة الإصلاح الكردي – سوريا برئاسة المنسق العام الأستاذ فيصل يوسف، وذلك في مقر الحزب بمدينة القامشلي. تناول اللقاء عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكان أبرزها: ١. مناقشة آخر المستجدات على الساحة…