الرهان الأخير للنظام السوري

مصطفى إسماعيل

حي الشيخ مقصود الذي تقطنه غالبية سكانية كردية في مدينة حلب السورية أصبح في الآونة الأخيرة بؤرة ساخنة لصدام كردي – عربي, إذ يقطن في الحي أيضاً أقلية من مواطنين عرب سوريين منتمين إلى بعض العشائر العربية وفي مقدمها البقارة التي بخلاف شيخها نواف البشير المعارض المعروف وضعت إلى حد بعيد بيضها في سلة النظام الأمني الحاكم, ما حوَّل الحي المتداخل سكانياً إلى بؤرة قلاقل ومشاكل ومواجهات متكررة بين الفينة والأخرى.

حصيلة المواجهة الأخيرة أكثر من عشرة قتلى في صفوف الطرفين في طبعة مشابهة إلى حد ما لما تشهده مدينة طرابلس اللبنانية بين العلويين والسنة, ظل الاحتقانات الممتدة تاريخياً والتي رعتها الدولة الأمنية البعثية خلال عقود ووفرت لها البيئة الخصب عبر سياسة ضرب المكونات السورية ببعضها وخلق انقسامات فيما بينها استطاعت الثورة السورية تخفيف حدتها إلى حد ما.
ظل الاحتقانية القائمة منذ عقود (إحدى منجزات النظام الداخلية) كل حادث فردي عابر يؤدي إلى فتنة بين المكونات, والمطلوب من القوى المجتمعية والحالة هذه تفويت الفرصة على المحرضين والمخططين في هذا الاتجاه, إذ يبدو من السهل إشعال الحرائق لكن إخمادها لن يكون بتلكم السهولة, وهذا ما عايناه مراراً في العديد من الحروب الداخلية التي شهدتها العديد من بلدان العالم.
نحن نعلم أن النظام الحاكم في سوريا عمل على مدى عقود في تفتيت النسيج الوطني السوري وخلق الهوات بين المكونات السورية, وكان هاجسه الأوحد منع أوجه الاندماج الوطني والتناغم الوطني وبث روح التنافر والبينونة بين تلكم المكونات, وقد كانت الانتفاضة الكردية 2004 إحدى المحطات المفصلية لجهة قيام النظام بتحريك بيادقه العنصرية لتحويل الانتفاضة إلى منحى آخر عنوانه اقتتال كردي – عربي في قامشلو التي تعد إحدى البؤر الساخنة أيضاً بنتيجة التشابك الأقوامي في المدينة بخاصة وفي الجزيرة السورية بعامة.
رهان النظام كما يتبدى من المشهد السوري اليومي هو على فصم العرى مطلقاً بين المكونات المجتمعية السورية, ومحاولة ضربها ببعضها ليتسيد هو الموقف كما في السابق, ولكن هذا الرهان يتخذ الآن منحى آخر, فخطورة وحساسية الوضع الداخلي السوري يجعل إشعال عود ثقاب نذيراً بإشعال غابة, وهذا التعاضد الملفت بين المكونات السورية يشكل خطراً بالغاً على سياسات النظام الداخلية المفوتة, ولهذا انطلاقه في تأجيج صراعات بين القوميات والطوائف وصولاً بها إلى حرب أهلية للحفاظ على سلطته في بلاد محطمة.
يعلم النظام السوري جيداً أن الحرب الأهلية إذا ما وقعت ستكون بمثابة خشبة الإنقاذ له, فالثورة السورية المستمرة منذ 15 شهراً ستدخل في خبر كان, والقوى العسكرية والأمنية للنظام ستخلد إلى الراحة وتجلس على مقاعد المتفرجين مع بقاءها أقوى وتعزيزها لإمكاناتها وبنيتها, والواحد الثوري الذي جمع السوريين من أقصى البلاد إلى أقصاها سيتبدد ويدخل السوريين بذا ومجدداً إلى نفق الاحتقانات المديدة ولكن المشتعلة هذه المرة.
يحتاج السوريون في هذه اللحظة السورية إلى بناء الجسور وتعزيزها فيما بينهم, ووعي حساسية الوضع الهش في البلاد, ووعي مخططات النظام وعدم الانجرار إلى المنزلقات المرسومة, وتتحمل القوى السياسية الكردية والعربية وكذلكم الأمر النخب والتنسيقيات الشبابية قسطاً من مسؤولية تطويق حالات الصدام التي تقع بين الفينة والأخرى, ووأدها في مهدها, لئلا تتفاقم مودية بالجميع إلى تهلكة جانبية في أوج كفاح السوريين من أجل إعادة دولتهم المنهوبة والمصادرة, وإذا كان السوريون جميعاً يعدون أنفسهم من أجل عقد اجتماعي جديد في سوريا ما بعد النظام الحالي كما تنص العديد من الوثائق الصادرة عن أطر المعارضة السورية, فإن مقدمات ذلكم العقد الاجتماعي تكمن في اللحظة السورية الراهنة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…