سوريا نحو بناء وطن ديمقراطي معاصر.. أسئلة ٌ وتفكير من نمط اخر

زوهات كوباني

اذا ما اردنا سوريا قوية، فهي بموزاييكها ستكون قوية، وبقدر ما يتمكن شعبها بمختلف اثنياته من التعبير عن نفسه  في نظام ديمقراطي يتخذ التعدد الثقافي والاثني أساس له ستكون سوريا اكثر قوة، وستواجه المؤامرات الخارجية بستار مانع قوي .

لذلك فمن الخطا التفكير بان سوريا ستكون قوية بمعزل عن هذه العوامل والحقائق المتوفرة في بنية مجتمعها، والا فان ازمتها ستتعمق لان اي نظام ما قوي بقوة شعوبه المتحررة الممثلة لاراداتها وهوياتها الثقافية، ولهذا يتطلب عدم اغفال هذه العوامل عند البحث عن المناعة والتجصن الداخلي لدولة ما .

فالنظام الذي يزج بمواطنيه في غياهب السجون دون اي مبرر قانوني، فقط بحجج واهية وباساليب تعسفية قمعية مخابراتية لا يمكن ان تنتظر منه أن يظهر القوة والتقدم والاستقرار والمناعة، فالشعب المعتقل في السجون والانسان الذي يقضي معظم سنوات حياته في السجن ما الذي يمكن ان يحس ويفكر بصدد الاجهزة والنظام الذي يعتقله، هل يمكن تربية شعب من خلال السجون واساليب الارهاب والبطش؟وهل وجد نظام حقق النجاح في التاريخ من خلال سياسة القمع والارهاب والاعتقال ؟ .

الا يفكر او يعرف النظام ان كل فعل له رد فعل ؟  لذا فان كل هذه الممارسات لا بد من ان تواجه بردود فعل، وهو ما سيؤدي الى الهروب والعودة الى مواجهة النظام باساليب اخرى كالإنتقام، او الارتماء في أحضان من يدعون انهم يعملون لاجل حمايته، لانه وكما يقال من يغرق لايتوانى عن التعلق بقشة صغيرة .

ومن اجل تفادي مثل هذه الاوضاع هناك ضرورة خلق الارضية وتوفير الشروط المناسبة لها .
لو نظرنا الى الواقع السوري المعاش ولو بعودة سريعة الى الخلف، خلال عقد او عقدين من الزمن، فما هو عدد القتلى والمعتقلين في سوريا، وما هو مستوى الارهاب المفروض على الشعب؟.

ماذا سيكون الجواب؟.

هل بقي أحد  لم يتعرض الى الضغط والتهديد والترهيب والاعتقال والطعن والجرح واللطخ والتحقيق والتكفير ماعدا الجماعة الحاكمة والمقربين منها.

حتى الذين كانوا قبل يوم او شهر او سنة يشكلون عماد النظام وراس الهرم التنظيمي في النظام، يواجهون التحقير الأن، وكأن هذا النظام او حقيقةً هذه الانظمة، لن تكتف بتاديب الشعب من خلال المعتقلات والسجون والقتل والارهاب فهي بدات تشك حتى في أقرب المقربين منها.
لقد اعتقل في الاونة الاخيرة الكثير من الكرد وبشكل خاص اعضاء ومؤيدي حزب الاتحاد الديمقراطي في منطقة عفرين وحلب وواجهت هذه الاعتقالات رد فعل قوي سواء في الشارع الكردي في سوريا او اوربا حيث قٌدم الكثير من الملفات بصدد هذه الاوضاع الى الدول الاوروبية واٌصدرت الكثير من البيانات من قبل المنظمات الحقوقية تندد بهذه الاساليب في الاعتقالات، ووصل الامر الى قيام الشبيبة الكردية بالمسيرات في كوباني وقامشلي ، ولو لم يكن بشكل كبير ومطلوب ومازالت المسيرات مستمرة في اوربة كما في اليونان والمانيا والسويد للتنديد بمثل هذه الممارسات القمعية التعسفية والمخالفة لجميع الاعراف والاحكام الدولية ، اي انه يظهر من كل هذا ان كل فعل لا بد ان يقابل برد فعل ، فهل السلطات السورية تفكر في عاقبة و تداعيات مثل هذه الممارسات حقاً؟.

دعنا من كل هذا، الا يفتح هذا شرخاً في المجتمع السوري، هل من المعقول ان تعمل السلطات في النظام القائم على حفر قبرها بنفسها، وفتح أبواب جهنم على مصراعيها؟.

 لنناقش المسالة جدلا من منطق تحقيق الديمقراطية والعدالة والمساواة في المجتمع السوري، وحتى تحقيق “الكونفدرالية الديمقراطية” ماذا سيكون تاثيرها على السلطة هل سيكون تاثيرها سلبي ام ايجابي، لماذا يتم الهروب من النقاش على تطبيق الاساليب والحلول الناجعة، فلماذا وصل الوضع الى درجة عدم وجود الثقة بين النظام والمجتمع وحصول شرخ واسع لا يمكن ضماده؟ فمن هو المسؤول عن هذا ياترى .
اذا كان هذه هي الحال، فكيف يمكن حل المشكلة السورية فهل سيكون هناك فائدة من الشكوى، فدائما تشتكي الدولة من ان هناك ضغوطات عليها، وتحاول من خلال ذلك  تحجيم دور المجتمع وادخال الشلل في حركته، وارغامه على الخضوع والخنوع والتنازل.

فما الحل في هذالأمر؟.

 معروف ان سوريا ضعيفة تعيش مثل هذه التناقضات، وهي معرضة دائما لمثل هذه الضغوطات ، فافضل طريق هو اعطاء الفرصة للتطور الديمقراطي وامكانية منح الحق في تعبير جميع الفئات والطوائف عن ارادتها ، لذلك طالما نفكر بالعيش المشترك معاً ، فهل يٌعقل ان يقبل أحدٌ  مايجري الأن من ظلم وعسف ضد الكرد والقوى الديمقراطية في البلاد؟.

فاذا كانت هذه هي العقلية السائدة، التي لا تحترم الحقوق والقانون وتقمع كل تحرك ديمقراطي مدني بالعنف والقوة ، فالنتائج سيكون وقعها كبير على المجتمع .فمثلا يتم اعتقال المرأة ، بدون ان تراعي ظروف واوضاع المجتمع الكردي والسوري ومكانة المراة فيه ، بدون ان تنتظر الدولة ردة فعل على هذا الأجراء القمعي .

رغم ان الوعي المعرفي والاجتماعي لدى الشعب تطورا كثيرا عن ما تظنه السلطات في سورية ، والعالم يؤمن بالدفاع المشروع لكل الكائنات الحية ، ويعطي الحق لهم بالدفاع عن النفس .

لو نظرنا الى اساليب النضال لدى الكرد والقوى الاخرى الغير الكردية فهل هنالك من مؤشرات تشير الى تشكيلهم خطراً على امن الدولة ، من خلال النظر والتمعن في برامجهم يظهر ان مطاليبهم لا تتجاوز مطالبة الحقوق المعاصرة للانسان، والتي اتفق عليها العالم منذ اكثر من نصف قرن، وحتى ان سوريا التي وقعت على الكثير من المعاهدات والاتفاقات الدولية بصدد حقوق الانسان مثل العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ومناهضة التعذيب تناقض في ممارساتها مع كل هذه التوقيعات، اذا فكيف سيثق العالم بهكذا نظام يناقض دستوره وحقوقه ومعاهداته، لذلك يتطلب من النظام اعادة النظر في ممارساته من خلال الإلتزام بالمعاهدات الدولية التي وقعّ عليها .
اذا كان هناك ما يدل على الخوف من الاحزاب والتنظيمات الكردية، الا يمكن معالجة مكامن الخوف وجف منابعها ، هل فقٌدت كل الحلول، ام ان مثل هذه المكامن لا يمكن حلها الا بحد السيف، فاذا تم الاقرار بحرية العمل السياسي واظهار القانون  في هذا الصدد فهل يمكن التحرك خارج القانون؟.

فحرية العمل السياسي وحرية انشاء الاحزاب سيكون ضمن القوانين والدساتير واذا ما تم تجاوز هذا فالمحكمة والقانون بالمرصاد.
في الاونة الاخيرة أزدادت حدة القمع في التعامل مع الجماهير سواء منها تلك التي تقوم بنشاطات مدنية اجتماعية ثقافية او باحتفال جماهيري او احتجاج على ممارسة  قمعية.

لنسال السلطات في الدولة السورية كيف تريد ان تكون شخصية المجتمع السوري، هل تريد ان تكون شخصية متحررة ام ماذا ، لتعلن السلطات للملئ انها تريد مجتمعاً عبودياً، ام أنها تريد مجتمعاً حراً اشتراكياً، ماذا يمكننا ان نفهم من كلمة “الحرية” و”الاشتراكية”؟.

السلطات الموجودة في سوريا هل تفهم الحرية على إنها ممارسة سياسة الاعتقال والقتل والقمع والارهاب والخوف ام بناء مجتمع تعددي ثقافي يمكن للانسان من التعبير عن هويته ورايه بحرية ويعيش حياة امنة مستقرة مرفهة ؟.

هل الحرية تعني من منظور السلطات كم الأفواه، او ترديد الناس لما تقوله السلطات كالببغاءات، دون ان تعرف منها او تقتنع بشيء، وهل تفهم السلطات من “الاشتراكية” في أنها التعامل بالمثل مع جميع افراد المجتمع السوري دون التمييز في العرق او الطائفة او اللغة، ام انهم يفسرون “الاشتراكية” في أنها المساواة في الضرب والاعتقال، وبالتساوي بين جميع ابناء الوطن؟.

 لماذا لا تنظر الدولة الى ممارساتها وتقوم بمراجعتها بمنظار نقدي؟.
كيف يمكن للسلطات ادخال المحبة في اوساط الوطن الواحد بمختلف اثنياته؟.

هل بالعدالة والمساواة والتعاون ام بالضرب والقتل والتهديد؟.

الا يسفر الضرب والقتل والتهديد عن الكره والحقد والكراهية والنفور من النظام والارتماء في حضن الاخرين؟.

لنفرض ان شخصية المجتمع ضعيفة ومؤهلة للسقوط في “مستنقع الاخرين” ممن يتربصون بمستقبل سوريا، الا يمكن اخراج المجتمع من هذا المستنقع، لان السلطات تمتلك الكثير من الامكانيات وتستطيع ان تخلق البديل وتضع الحلول، هذا اذا كانت حقا تفكر في مصلحة الوطن والمجتمع السوري بعربه وكرده وبقية أقلياته.
كيف يمكن تجاوز النظرة الدونية والاحكام المسبقة تجاه المجتمع ، لماذا تفكر السلطات وتنظر بحكم مسبق على كل تحرك تقوم به الجماهير الشعبية وتفسرها على انها مرتبطة بجهة خارجية او تريد النيل من سوريا والنظام ، لماذا لا تفكر العكس، في أن هذه التحركات الجماهيرية ستزيد من تحصين سوريا ، وقدرتها على الممانعة لانها تعمل على بناء الشخصية المجتمعية القادرة على المساهمة في تطوير الوطن والحياة بارادة حرة ديمقراطية .

فهل من مجيب في جانب السلطات والنظام والدولة  للرد الصحيح على هذا النمط من التفكير والسؤال ووضعه في خدمة الوطن والمجتمع لتحقيق الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية في مجتمع يسوده نظام كونفدرالي ديمقراطي دون المس بحدود الدولة السياسية القائمة الأن .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…