سجل علي جاهلية «الكوردستانية»

  جان كورد 

لا اسعى هنا للرد على أحدٍ من المثقفين، ومنهم من لايستحق الرد، وإنما سحب القومية الكوردية منه دون نقاش، لأن من يعتبر نفسه كوردياً، ومدافعاً عن قضية الكورد العادلة، لايمكن أن يجعل قلمه ولسانه وأصابعه التي تنقر على الكيبورد في خدمة التزييف والتحريف والتضليل الثقافي، وينفث الضباب والهلامية لإخفاء وجه الشمس الساطعة التي تلتمع شعاعاتها على رايتنا القومية، منذ اعتراف معاهدة سيفر في عام 1920 بحق الأمة الكوردية في الحرية والاستقلال وحتى اليوم.

فهل يتجرأ أحد من هؤلاء المثقفين على النطق بشهادة زور، فيقول بأن هضبة الجولان اسرائيلية، وليست سورية؟ مثلما يدعو هؤلاء حراكنا السياسي – الثقافي إلى تبديل “الجغرافيا” للوطن “المثقوب” الذي “داسته سنابك التاريخ” بجغرافيا “الوطن النهائي”!
أريد أن أسجل هنا موقفاً، لا الخوض في سلوك متاهات “فلسفية” تضلل الشارع الكوردي أكثر من تنويره وتوعيته بما يجب أن تكون عليه سياستنا الوطنية – القومية، في عصرالمزايدات والمناقصات، وقص أذيال الأثواب والعباءات لتناسب مقاسات هذا الخصم وذاك الحليف.

وموقفي هو ذاته لم يتغير ولم يتبدل، منذ أن تعلمت الألفباء الكوردية، وهو أنني كوردي، والكوردي له وطن واحد، وليس ثلاثة أوطان أو أربعة أو ما يزيد، وهذا الوطن الذي سماه السلاجقة قبل الكورد أنفسهم ب”كوردستان” هو الوطن الأول والأخير، البدائي والنهائي لهذا النوع من المخلوقات الإنسانية.

وقد تكون محبة كوردستان والنضال له، أو حتى مجرد الحلم باحتضانه “جاهلية” في السياسة والثقافة، فسجل علي – ياسيدي- جاهيليتي “الكوردستانية”هذه، وبودي أن أموت في هكذا جاهلية، فأنا لازلت مؤمناً بأنني لم أكن أتبع سراباً بقيعة، وانما سأموت بعد سنين طويلة من النضال من أجل هدف أمةٍ يعلم القاصي والداني، والعدو والصديق، بأنها تعاني الويلات الكبيرة والهزائم المريرة، ولكنها تستحق الحرية والحياة، مثل الأرانب والطيور والأسمالك، أمةٍ دعاها أكبر شعرائها، أحمدى خانى، منذ قرون عديدة، إلى الاتحاد والجدال والقتال و”التهور”، حتى تستعيد مكانتها في النور والضياء، وحتى تستحق وضع الشمس في وسط اللون الأبيض من رايتها القومية، وإذا ما اتحدت هذه الأمة فسيصبح الآخرون غلماناً لها، معدداً أسماءها، حسب تعبيره اللا يساري.


نعم، أنا من أنصار الفكرة التي تقول بان على الشعب الكوردي عدم التنازل لأسباب تاكتيكية أو تحالفية عن حقه في تقرير مصيره بنفسه، عن وجوده وعيشه على أرض وطنه “كوردستان”، وعن رغبته في “إدارة نفسه بنفسه”، فالتحالف مع “المناضلين العراقيين” من أجل “اسقاط دكتاتورية البعث الصدامي” أثبت مع الأيام، واليوم أيضاً، بأنه كان مبنياً على أسس هشة، فها هو دكتاتور العراق الجديد، ومن يركض وراءه، وحفنة كبيرة من “فلاسفة الجعرافيا الحديثة” لايؤمنون أصلاً بما يجده الكورد حقاً لهم، وعلى بيشمركة البارزاني مصطفى والمام جلال وسواهما اقناعهم بما يرونه مشروعاً لهم بأساليب أخرى من خارج قاموس “التحالفات” السياسية.

وأنا من أنصار “الكوردستانية” التي أجدها من صنف الحقيقة التي تراجع عنها غاليليو غاليلي في لحظة من لحظات التاريخ عن دوران الأرض حول الشمس، ثم انتبه إلى أنه مخطىء في تراجعه، فقال:”ولكنها تدور وتدور…!” وتم إحراقه بسبب ذلك.

وفي الحقيقة هذا الدفاع عن “الحقيقة الكوردستانية” يقع على عاتق المثقفين والفلاسفة قبل أن يكون مسؤولية سياسية للناشطين والحزبيين، وهذا ما يفعله قلة من المثقفين وعلماء الاجتماع والقانون الدولي، ومنهم الدكتور التركي اسماعيل بشكجي والدكتور العراقي منذر الفضل، اللذين يفرضان احترامهما على الناس… وبأبسط الجمل والعبارات… فكوردستان “مستعمرة دولية” والمستعمرات يحررها الثوري، عوضاً عن الاستمرار في نشر فلسفة “المتاهات” إرضاءً لهذا الصعلوك أو ذاك، من الذين يتأهبون لاحتلال المناصب في دولة ترسيخ التجزئة لأرض الكورد…
مشكلتنا – يا جماعة الفلسفة – ليست مع عدم فهم أو قبول الغليونيين ب”الحقيقة الكوردستانية”، ونحن الذين تسمونهم ب”سدنة الكورد” وب”الكورد الشعوبيين”، نحاول في كل عرسٍ من الأعراس التي تقام على بيادر المعارضة السورية إظهار هذا الوجه الحقيقي لمأساتنا وأحلامنا، لأن هذا من صلب واجباتنا المدرسية التي تعلمناها من مشايخنا في الكفاح التحرري الكوردستاني، ولكن مشكلتنا مع الفلسفة التي بامكانها النطق بالقول وخلافه وتبرير ذلك بالمعسول من المبررات، وهذا يذكرني بأمر شيخ شاب تخرج لتوه من مدرسة شيخه الشائخ، فسأله النصيحة في أمر الأسئلة التي سيسأل عنها في أول جلسة له مع الناس، حال عودته إلى أهله، فنصحه شيخه بأن يجيب عن كل سؤال بأن الأمر يقبل الوجهين، وهكذا أجاب عن كل سؤال طرح عليه بأن للأمر وجهان أو للشيوخ فيه رأيان، إلى أن جاء الدور على سائل فطن، فسأله مبتسماً:”وماذا عن قول لا إله إلا الله؟” فما أن نطق بالجواب ذاته، فإذا بالأحذية تنهمر على عمامته وقفطانه من كل حدب وصوب.

‏29‏ نيسان‏، 2012

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فواز عبدي في مشهد الصراع السوري، تُستدعى رموز التاريخ الإسلامي بشكل متكرر من قبل الفصائل المختلفة، كلٌّ بحسب توجهه وهويته. ومن بين تلك الرموز، يبرز اسم الدولة الأموية / بني أمية / الأمويين بقوة في خطاب بعض الجماعات والفصائل ذات الطابع السنّي، خصوصاً تلك التي ترى نفسها امتداداً لـ”أمجاد الماضي”. لكن استحضار بني أمية اليوم، في سياق شبه حرب أهلية…

د. محمود عباس   بعد مجريات الأحداث المتسارعة في سوريا، وتحوّل ما يُسمّى بالحكومة الانتقالية إلى واجهة مفرغة من الوطنية، خاضعة بالكامل لهيمنة هيئة تحرير الشام، ومُلتحقة بالإملاءات التركية، لم يعد أمام الحراك الكوردي خيار سوى الإعلان، وبشكل صريح وحاسم، أن المنطقة الكوردية ستدار بشكل مستقل عن المركز، إلى أن تتضح ملامح سلطة سورية بديلة، مدنية، لا مركزية، تؤمن بالنظام…

ابوبکر کاروانی. من خلال عقد مؤتمر للوحدة والموقف الكردي الموحّد في روج آفا، دخلت القضية الكوردية في ذلك الجزء من كوردستان مرحلة جديدة ومهمة. وتتمثل في توحيد القوى الكوردستانية في روج آفا على أساس تمثيل الذات كناطق باسم شعب كوردستان في هذا الجزء من كردستان، ولحلّ قضية عادلة لم تُحل بعد. هذه الخطوة هي ثمرة جهود للقادة، وضغوط ومساندة الأصدقاء،…

نظام مير محمدي* لطالما كان الملف النووي الإيراني أحد التحديات الأساسية على الساحة الدولية. فمنذ الأيام الأولى لنشاط مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران، سعى النظام الحاكم جاهداً، عبر خلق العقبات وتقديم معلومات منقوصة، إلى إخفاء الطبيعة الحقيقية لبرنامجه النووي. هذا النهج المخادع، الذي أكدت عليه مراراً وتكراراً السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مطالبةً برقابة…