من هو الممثل الشرعي للشعب الكردي في سوريا؟

د .

محمد رشيد

د .

محمد رشيد*


” 1- يؤكد المجلس الوطني الكردي في سوريا أنه يمثل أوسع فئات الشعب الكردي في سوريا و يعبر عن تطلعاته… ” **

  لم تكن الحركة السياسية الكردية منذ تأسيسها مغرمة بان تكون معارضة لأجل المخالفة , وانما أوجدت للمواجهة والمطالبة بالحقوق العادلة للشعب الكردي , منطلقة من مسلمات تاريخية في ان كوردستان منذ ان اوجدت كمنطقة جغرافية يسكنها قوم وهو الشعب الكردي , بالإضافة الى اقوام اخرى استوطنت وتعايشت معها لظروف استدعت تطلعات شعوب عديدة في القيام  بالهجرات والغزوات والتنقلات في البحث عن جغرافية افضل من موطنها بدافع توسيع مملكتها مثل القبائل الاخمينية الفارسية او لدوافع دينية, نشر الدين الاسلام كالعرب منطلقة من شبه الجزيرة العربية, او بدافع تنقلات اثنية كالقبائل المنغولية والتركمانية منطلقة من وسط اسيا

وبمرور قرون وحقب تاريخية عديدة قسمت ارض الكرد والحقت اجزاءها قسرا بدول تشكلت بعد الحرب العالمية الاولى , وحال الشعب الكردي في سوريا كغيره من الشعوب الذي سلبت ارادته أرتأى في ان يجد آلية  للمطالبة بحقوقه والعيش بحياة حرة كريمة بجانب الشعوب والاقوام الاخرى , بعدما لاحظ بان حقوقه تمغطت وارادته سلبت وأرضه تجزأ حاله كحال اي شعب يطالب بالتحرر والانعتاق والعيش المشترك , فكان ان رتب نخبة طليعية مثقفة صفوفها وأنتهج  للقيام في تأسيس حزب سياسي اطلق على نفسه اسم الحزب الديموقراطي الكردستاني في منتصف الخمسينات من القرن الماضي , وكان ان غيرت التسمية بعد عام من تأسيسه الى الحزب الديموقراطي الكردي لربما توجسا من عدم القبول او للتقارب مع الطرف العربي الشريك في الوطن .
 تنوعت وتعددت المطالبة بالحقوق الى ان انشطر الحزب الى قسمين  وعرف بالتسمية  الدارجة باليمن الكردي واليسار القومي , فالأول وبتناغم مع السلطات المحلية وتهربا من استحقاقات الجماهير الشعبية انكرت الجغرافية ونظرت في ان الكرد اقلية قومية مهاجرة حاله كحال الغجر استوطنت في سوريا , اما اليسار القومي فانه تمسك بمبدأ ان كوردستان تجزأ قسرا والحق قسم منه بالدولة السورية باتفاقات وعهود موثقة استدعت مصالح الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى – ما عرف باتفاقية سايكس- بيكو – وبان الشعب الكردي شعب اصيل وجزء من الامة الكردية يعيش على ارضه التاريخي .
 لهذا فان تطور الصراع بين الاتجاهين وبتدخل السلطات الحاكمة في تحريك أدواتها معتمدة على امكاناتها الهائلة في ان تعمق من الشرخ السياسي الحزبوي وبان تفتت الحركة الكردية الى اشلاء متناثرة متبعثرة , مازال ديمومة التمزق  يهيمن على القرار والدخول في متاهات وتيه سياسي لم يجلب سوى الفرقة والخصوم ولم تستطع ايجاد آلية للتقارب مع الشريك المعارض للنظام والذي بدوره ايضا يتحمل الجزء الاكبر من المسؤولية.
ومؤخرا بالتناغم مع ربيع الثورات العربية وبانطلاقة الثورة السورية فان  البعض من تلك الفصائل الحزبية حاولت في  لملمت وترتبت صفوفها بالتوافق على الحد الادنى من الانسجام في تشكيل مكون (المجلس الوطني الكردي) ولكنها ابقت نفسها في طوطم نخبوي بعيدا عن الجماهير الشعبية واسيرة لنهجها القديم الجديد بعدم مقدرتها في مواكبة الثورة السورية وتلبية تطلعات الجماهير الشعبية  والانخراط بالثورة والاستجابة لرغبات الشعب السوري عموما في المطالبة بإسقاط النظام برموزه عائلة الاسد وحزب البعث والبطانة الحاكمة على الرغم من مرور اكثر من عام على انطلاقة الثورة
.وبمرور أربعة اشهر على استمرارية الثورة السورية واطلاق المبادرات من المعارضة الشريك  لترتيب الصفوف لمواجهة آلة القمع والقتل و الفتك بالثورة ونشطائها , من مبادرات وعقد مؤتمرات في الداخل السوري وفي الخارج من مكونات و اشخاص وطنية سورية لدعم الثورة , ومن الارتقاء الى تشكيل مجالس وطنية لتمثيل الشعب السوري , لم يجد الكرد انفسهم ضمن هذه المعادلات والمناكفات , على الرغم من ان المعارضة كانت تجد في الكرد بانهم سيكونون راس الرمح في مواجهة النظام الاستبدادي لكونهم صاحب تجربة رائدة في مواجهة النظام الاستبدادي من القيام بالمظاهرات والاعتصامات وخاصة بالقيام بانتفاضة جماهيرية في جميع مناطق التواجد الكردي قبل ثمانية اعوام , حيث استطاع الكرد بان يبينوا لشركائهم العرب بان النظام بجبروته وغيه وقوته ليس سوى نمر من ورق , حيث المحت الانتفاضة الكردية بانها بمثابة بروفة لإشعال الثورة , ولكن لم يتم الاستفادة منها من جانب الشركاء فكان ان اخمدت الانتفاضة بقسوة  .
لقد خيب البعض من تلك الاحزاب الكردية في بداية الاسبوع الاول من انطلاقة شرارة الثورة من تطلعات المعارضة في ارتكابها لخطأ فاقع وذلك  في القيام باستقبال رجالات النظام تحت سرادق احتفالات نوروز, واطلاق تصريحات انتهازية لا تلائم مع مهام المرحلة (المطالبة بالحقوق الكردية من النظام والتناغم معه , وتوجيه الدعوة من راس النظام  لملاقاة شخوص كردية منتقية , ولكنهم (ومن منطلق الفهلوة الدبلوماسية والمعرفة المطلقة بانهم سيكونون بمثابة شخوص لن يكونوا بأفضل حال مما ارتهن نظام صدام المقبور على البعض من الكرد في العراق) وتم الرفض ؟ , لرهانهم على مرتكز ومن توجس بانه لربما سيقدم النظام المزيد من التنازلات ومن دون تحديد هذا المزيد, وبإغفال وبتجاهل في ان الثورة بدأت والاستحقاقات شرعت وبان الحالة الثورية تستدعي تحالفات على جميع اصعدة المعارضة ضد النظام (من المفارقة بان احد اقطاب هذا المكون صرح ومن دون مناسبة بانه/م وقف الى جانب  النظام في مواجهة فصيل معارض في بداية ثمانينات القرن المنصرم !” التصريح موثق “) وتكررت السبحة القديمة الجديدة في المطالبة بتوحيد الصفوف والذي استغرق اكثر من سبعة اشهر , برسم لسياسات استراتيجية واصبحت  بقدرة قادر مرحلية (تكتيكية) – تعليق النشاط والمشاركة مع هيئات المعارضة , وبعدم اغلاق باب الحوار مع النظام  بشرط ان يكون احد اطراف المعارضة  مشاركا في التحاور , وكان آخرها استبدال اسقاط النظام الشمولي من دون ذكر الرموز والاركان والمرتكزات ! – وبذلك تمخض جهود تأسيس المكون  بخيبة أمل المعارضة السورية قبل ان يخيب امال الجماهير الكردية, هذا المكون الذي لم يكن بمقدوره الحبو والزخف حتى بإطلاقه لبالونات مضخمة مبالغ فيها حتى التورم من لدن قادته بانهم يشكلون اكثر من 80% من الشعب الكوردي وشعارات خلبية اضخم من حجمها وأعرض من مقاسها (حق تقرير المصير واللامركزية السياسية والتي لا يمكن تطبيقها سوى في دول مركبة (فدرالية) , سرعان ما تراجعت عنها في اول بادرة من الدخول في امتحان (لقاءات مع المعارضة) بعدما عجزت  واعيت في ان تقنع الشعب الكردي في انه الحامل لمشروعه , وبان الثورة ليست الاستفادة واقتناص الفرص والاستفادة من ظروف استثنائية كحالة انقلابية بإصدار العسكر البيان رقم واحد و توزيع المناصب واصدار مراسيم, وانما الثورة هي تغيير كامل لبنية ومفاصل واركان ورموز الدولة والمجتمع والاولوية يستدعى الانتصار والاستقرار وضمان حقوق الجميع.
نعم  كما اشرنا من اقتباس البند الاول من ” البرنامج السياسي المرحلي للمجلس الوطني الكردي في سوريا ” بانه ليس من دلالة لسرد الاقتباس سوى تشخيص حالة الارباك  لدى المكون تسويقا منه  في ان يكون  الممثل الشرعي الوحيد للشعب الكردي (في الكثير من المقابلات التلفزيونية يوهم قادته المشاهدين بان مجلسهم القومي الكردي عوضا عن المسمى  بالمجلس الوطني الكردي ؟؟) .والتراجع مهرولا –  اللامركزية السياسية اصبحت لامركزية ؛اعتماد اللامركزية في الدولة بما يحقق التنمية المتوازنة …, وحق تقرير المصير استدل ب ؛ تلتزم المواثيق الدولية و مبادئ حقوق الإنسان…., وتغير النظام الى اسقاط النظام الشمولي (الانتباه هنا الى النظام الشمولي القائم يعني فقط نظام حزب البعث) من المضحك والمبكي بانه ما ان اصدرت  الوثيقة “الوثيقة السياسية او البرنامج السياسي المرحلي” حتى تسارع  قادة المجلس والتسابق على اطلاق تصاريح وتواضيح بان هذه الوثيقة موجهة فقط للمعارضة العربية وكأن السيد د.

برهان غليون او حسن عبد العظم اشترط عليهم لقبولهم بان يعدلوا او يغيروا من شعاراتهم وبرامجهم ؟؟؟ في سابقة مستغربة وكأن شان الثورة لا يعنيهم, أو كأن حقوق الكرد مرتهنة او مطروحة في بازار المعارضة للمزاودة  والمناقصة !.
ولتبيان الوثيقة السياسية المرحلية بشكل اكثر فان, الاستراتيجية والتكتيك والهدف (بعكس التسلسل الموضوعي التكتيك , الاستراتيجية, الهدف) اوجز بثلاثة عشر نقطة (عدد شؤم) منها – مكافحة الفقر و ايلاء المناطق التي عانت سياسات التمييز الاهتمام الكافي…, نبذ العنف و احترام كافة العهود و المواثيق الدولية و مبادئ حقوق الإنسان…., إدانة المجازر و الجرائم…., ضمان حرية الأديان والعقائد والمذاهب …, التأكيد على استقلالية قرار القوى الوطنية المعارضة و حمايته من تجاذبات بعض القوى الإقليمية..(هنا تعني رفض التدخل الاممي)- , يكاد يكون جميع النقاط مشابه لما طرحه المجلس الوطني السوري في وثيقة حول القضية الكردية الملحق بوثيقة العهد الوطني لسوريا المستقبل, وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي.


وعلى النقيض من المجلس فانه تم تأسيس مكون كردي (اتحاد القوى الديموقراطية الكردية) من عدة احزاب كردية فاعلة ومشاركة بفصائله المتعددة في الثورة السورية منذ اليوم الاول لا طلاق شرارة الثورة بالتوافق مع شخصيات وطنية مستقلة وتنسيقيات شبابية بعيدة عن الحزبوية والمزاودات الشعاراتية وتبنيها لشعارات الثورة ومطالبها, وهي لن ترضي الا بسقوط النظام بكامل رموزه واركانه ومرتكزاته , متجاوزا منطق الغمز واللمز بما يطرح من اراجيف, واستطاع هذا المكون (أ .ق .د.ك) بان يستقطب ابناء شعبنا الكردي وفي انه صاحب مشروع متفاعل مع الثورة واضعا نصب اعينه في ان النظام قاب قوسين او اكثر للسقوط وبان شعبنا التواق الى الحرية والانعتاق والعدالة لن يرضى سوى بنظام ديموقراطي تعددي يتمتع بحقوقه المشروعة في سوريا المستقبل .
*استاذ في كلية القانون – جامعة صلاح الدين , كردستان العراق
**من البرنامج السياسي المرحلي للمجلس الوطني الكردي في سوريا

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…