الجعجعة الأخيرة للمجتمع الدولي

  مصطفى إسماعيل

الثورة السورية مثابرة ومستمرة, والنظام مستمر وإن فقد شرعيته السياسية والمجتمعية والأخلاقية, والتطورات الأخيرة تشير إلى أن معركة عضّ الأصابع ستستمر على هذا المنوال حتى إشعارٍ آخر.
لا رابحَ إلى هذه اللحظة عيانياً, لكن معنوياً فإن الثورة في عموم سوريا كسبت العالم كله, فيما تتوالى خسائر النظام الذي ضاقت عليه الدوائر, ولكن دون الوصول إلى إطاحته.

بات لزاماً القولُ أن المجتمع الدولي يتحمل القسط الأوفر من مسؤولية استمرار النظام, إذ أن غالبية المبادرات الدولية والبيانات الرئاسية الصادرة عن مجلس الأمن أصبحت بمثابة عمليات ضخ للأوكسجين في رئة النظام ومسعفة له إلى درجة لا تطاق أمام مشاهد القتل اليومي.
القرارات الأخيرة لمجلس الأمن رماها النظام في أقرب حاوية للقمامة, فهو منذ سنة ونيف يطوِّحُ بكل المبادرات ويتجاهلها ويقتلها في شوراع وأزقة وساحات المدن السورية, ولم يتقيد بنقاط خطة عنان ولم ينفذ منها شيئاً على الأرض, وبحسب الوقائع اليومية في عموم سوريا والمعطيات المتوفرة فإن خطة عنان لا تعادل الحبر الذي كتبت به, فالدبابات لا تزال تمرح في البؤر الثورية الساخنة والقتل على أشده.
لا يملك عنان سوى إرسال الدعوات إلى نظام دمشق, وهي دعوات قوبلت مراراً بأذن من طين وأخرى من عجين وبعدم اكتراث عجيب, وليس بمقدور عنان فعل شيء سوى رمي ربطة عنقه وتمزيق قميصه تعبيراً عن استنكاره لتنصل النظام السوري من أي التزام بخطته ذات النقاط الست التي دخلت عملياً في حالة موت سريري, ويبدو أن عنان يسير إلى مصيره الفاشل في البوسنة ورواندا.
منذ أشهر تدور مراكز القرار العالمي والمؤسسات الدولية والإقليمية في حلقة فارغة, فمجلس الأمن الدولي معطوب, وجامعة الدول العربية معطوبة, والأطراف الدولية المعنية بملف الأزمة السورية معطوبة, ولا تملك سوى مزيجَ بيانات وعقوبات على أشخاص في النظام الذي يستفيد من العطب الحاصل ليعمق أكثر من ذي قبل تنكيله بالمدن السورية وقاطنيها.
آخر بدع المجتمع الدولي هو القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي والقاضي بإرسال 300 مراقب إلى سوريا, وهو قرار من وزن الريشة كما غيره من القرارات, إذ لا يكترث النظام به ولا يعيره بالاً, فتلكم القرارات تجري في واد بينما ممارسات النظام في واد آخر, فكلنا يعلم أن الـ 300 مراقباً دولياً لا يصلحون لمراقبة النظام الغذائي لوزير الخارجية السوري وليد المعلم ومراقبة بطنه وغازاته المسيلة للدموع.
منذ بدء الأزمة السورية والتردد سمة مواقف المجتمع الدولي الذي أجزل على السوريين بالهدنات والمبادرات والمناشدات والنذر اليسير من بعثات المراقبة, ولكن دون الإتيان بموقف واضح وحاسم الأمر الذي جعل النظام السوري يشعر وكأنه في ملهاة أو فيلم كرتوني كـ (توم وجيري), ولا يخرج القرار الأممي الأخير عن ذلكم السياق ما دام الحديث يجري عن ثلاثة أشهر أخرى من الانتظارات والتمنيات الجسام والتعويل على تحول إيجابي في قراءة النظام لأزمة البلاد.
يبدو الشعب السوري منذ بدء ثورته يتيماً في مهب القمع وغير مؤازر سوى بالتصريحات الأنيقة والتحذيرات التي ترتدي قفازات من حرير في شبه بلادة منقطعة النظير ولا يملك الشعب السوري سوى ملحميته وبطوليته أمام آلة القمع والقتل والانتهاكات الفظيعة وأمام بلادة المجتمع الدولي وجعجعته غير المنتجة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…