الكورد وحق تقرير المصير

 د.

اسماعيل حصاف

 من المعلوم ان الشعب الكوردي هو الشعب الوحيد من الامبراطوية العثمانية الذي حرم من ممارسة حقوقه القومية وتشكيل دولته الوطنية المستقلة اسوة بكافة الشعوب والامم الاخرى وطبقاً لمبادىء الرئيس الامريكي آنذاك وودرو ويلسون الاربعة عشر وفي اطار المواد (64،63،62) المكرسة للمسألة الكوردية من اتفاقية سيفر التي استبدلت باتفاقية لوزان سنة 1923، حيث ألحق فيما بعد جزء استراتيجي وحيوي مهم من كوردستان العثمانية بالعراق العربي ودون اعتبارات لرأي سكان المنطقة كورداً وعرباً واقليات قومية اخرى.

جاءت هذه الخطوات الدولية على اثر فشل عصبة الامم في حماية السلام العالمي وتطبيق مبادئ ويلسون، اذ عادت الولايات المتحدة الامريكية الى سياسة العزلة المعروفة بسياسة “مونرو 1823” لكي لاتتحمل المسؤولية الدولية تجاه ماحدث من خروقات على يد البريطانيين والفرنسيين في تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية طبقاً لاتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 بدلاً من منحها الاستقلال والحرية للشعوب.

وما أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها حتى بدأت الولايات المتحدة الامريكية بدعم انشاء هيئة الامم لتتولى القضايا الدولية كإمتداد لعصبة الامم السابقة، وعلى الرغم من أن اغلبية الشعوب (شعوب المستعمرات) في أسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية بمن فيها الشعب العربي نالت الاستقلال الوطني، فان القضية الكوردية تعقدت بشكل اكثر من السابق عندما بدأت الحرب الباردة بين القطبين من كوردستان راحت ضحيتها جمهورية كوردستان الديمقراطية في كوردستان الشرقية.

ومما عقدت الأمور بشكل اكثر هو صعود القوميين العرب الى سدة الحكم في العراق وسوريا ولاسيما بعد استلام البعث السلطة في القطرين حيث جرى استبدال الخارطة السياسية للشرق الاوسط لغير صالح الكورد، لاسيما ان الحكام الجدد اخذوا يتسترون وراء شعارات وطنية عامة مثل : ” حركة التحرر” و”النضال ضد الاستعمار والامبريالية” و”النضال من أجل الديمقراطية”و… الخ وبذلك وضع الملف الكوردي في سراديب الأراشيف للدول الكبرى، تناسباً مع توازن القطبين في الحرب الباردة.

وفي أوائل الستينات من القرن الماضي تبلورت المسألة الكوردية مجدداً بسقوط الملكية وقيام الجمهورية عام 1958 وبخاصة مع اندلاع ثورة ايلول التحررية عام 1961 بقيادة الخالد مصطفى البارزاني، اذ أخذت القضية الكوردية مجدداً طريقها الى الهيئات الدولية، انتهت بوضع اقليم كوردستان العراق، بعد سنوات من النضال والمآسي، تحت الحماية الدولية على اثر حرب الخليج الثانية.

واختار الشعب الكوردي قبل سقوط الدكتاتورية في نيسان 2003 وبعدها النظام الفيدرالي مع الشعب العربي في العراق كخيار للتعايش المشترك بين الشعبين الرئيسيين الى جانب الاقليات القومية الاخرى في عراق ديمقراطي تعددي، مادام هذا النموذج قادر على مساواة حقيقية بين اقليمين مختلفين جغرافيا وتاريخيا من حيث توزيع الثروة والسيادة، وهذا النموذج الفيدرالي طبق في كثير من دول العالم ومنها على سبيل المثال سويسرا واستراليا التي تعد من اكثر الدول تقدماً وتطوراً.

ولكن على مايبدو، وبالرغم من جميع المحاولات الكوردية الكبيرة الهادفة الى تخطي الحواجز القومية والفكر القومي الضيق وخلق مجتمع ديمقراطي تعددي، تسير نحو الفشل بسبب العثرات العديدة أمامها.

كما هناك اسباب عديدة خارجية وداخلية تمنع نجاح التجربة الديمقراطية في العراق، فهي ان نجحت ستكون بمثابة عدوى قد تنتقل الى دول الجوار ذي التعددية القومية وبخاصة تلك الدول المقسمة لكوردستان، ولذلك ستسعى هذه الدول وبالتضامن مع الرجعية والشوفينية العربية والتطرف الاسلامي الى ضرب هذا الانجاز وافشالها، أما داخلياً، فان تحقيق مجتمع ديمقراطي تعددي حر يجب ان يتلاءم مع المستوى الفكري والثقافي للمجتمع العربي في العراق وهذا من الصعوبة توفره في مجتمع كالمجتمع العراقي الذي يعتمد على الطائفية الضيقة والموالاة لمدارس دينية قرووسطوية متزمتة.
إن تحقيق الفيدرالية والديمقراطية الحقيقية يجب ان لايأتي بقرارات فوقية، بل يجب ان يكون تعبيراً عن المستوى الثقافي – الحضاري للمكونات الموجودة وهذا مالم يبلغه وللأسف الشديد القوى العربية حتى الآن في العراق.

واذا كانت عملية التعايش المشترك قد دخلت في مأزق بسبب المدارس المذهبية المتعددة وتدخلها في شؤون الدولة واستحالة تطبيق هذا التعايش، فانه سيكون نقمة وليست نعمة، وفي هذه الحالات فالانفصال هو الحل الأمثل، والامثلة كثيرة بهذا المجال: فقد انفصلت الجمهوريات السوفياتية لتشكل دولها القومية بعد ان عاشت معاً سبعون عاماً، وانفصلت تشيكيا وسلوفاكيا عن بعضهما البعض، وتفككت يوغسلافيا، وخرجت بنغلادش من رحم باكستان في بداية السبعينات من القرن المنصرم ناهيك عن تيمور وايرتيريا وغيرها الكثير.

وأخيراً، اذا فشل الجزء العربي من العراق في خلق مناخ التفاهم والتعايش، فمن حق الشعب الكوردي أن يختار تقرير المصير…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…