التجاهل كان تاما والتهميش جاء استهانة وربما تعمدا، من هنا أقول ربما أهواء الطورانية التركية التي حضنت المؤتمر، واحتضنت المؤتمرين هي التي حالت دون أن يتجرأ المؤتمرون ذكر الكورد حتى بالاسم، وأيضا ربما هذا الموقف المهمش للكورد لامست أهواء بعض الراديكاليين من قوميين وأصوليين يساريا وإسلاميا، من هنا نقول لقد سقط المؤتمر كورديا دون أن يترك أي أثر أو وخزة ضمير في البداية في نفوس غالبية المؤتمرين إن لم يكن في نفوس جميعهم قاطبة…
معزوفة دعوة المساواة في المواطنة في مجتمع متخلف ومنقسم إلى مكونات عرقية ودينية وطائفية ومذهبية، دعوة فضفاضة فقدت بريقها حتى صداها الوطني لدى من يمتلك تجربة سياسية ونضالية وما عادت تنطلي هذه الخدعة على أحد، بل يعد ذلك هروبا من الإقرار بحقوق الأقليات، ويبدو على ضوء ذلك أن نسائم الربيع العربي قد لامست أهواء البعض دون أن تلامس عقولهم وأفئدتهم..
هذا التجاهل المقصود والتام ينم عن عقلية قديمة أكل عليها الدهر وشرب، كيف بهذا الإنسان ينتفض ضد النظام السوري دون القدرة على الانتفاضة ضد بقايا الذهنية المتحجرة لديه، يتساءل هنا بعض الكورد ومن حقهم أن يتساءلوا:إذا كانت المعارضة لا تزال بهذه العقلية الإقصائية فما جدوى استبدال قناع بقناع آخر.! طبعا لست ممن يطرحون أو من مؤيدي هذه المعادلة بل أني أرفضها، لكن حقيقة هناك جمع غفير ممن يشهرونها كسلاح في وجه المعارضة، ثمة في المعارضة الكوردية ممن يتحين الفرصة للتشهير بجزء من المعارضة تقربا للنظام عن سابق رغبة ورصد..
أين الخلل ترى.؟
الخلل يكمن كما أرى في دائرتين اثنتين، الدائرة الأولى تشمل قوى المعارضة السورية العربية منها خاصة التي ما زالت أسيرة العقلية القديمة فلا تستطيع أن تتحرر من أوضار الماضي، حيث الأنانية وضيق الأفق القومي وضغط العقلية البرجوازية الصغيرة وروح التعالي تملأ جوانحها وبأنها من القومية الكبيرة، ناهيك أنها عاجزة عن مواكبة التغيير بتغيير الذات، فالتحولات في الواقع الاجتماعي عادة تسبق التبدلات في العقلية عند الأفراد..أما الدائرة الثانية فهي تضم القوى السياسية الكوردية، وهي حقيقة كما أرى دون مستوى الحدث، فالعجز يستبد بهم أينما حلوا، فالقوى الكوردية عند اندلاع الثورة، انقسمت نوازعها ومضت في مسارين اثنين، مسار مساندة الثورة، والمسار الثاني هو الحذر من الثورة وبالتالي مغازلة النظام..
ولم تستطع بعض أجنحتها إلى اليوم التحرر من هذه الثنائية وهذه الازدواجية
الرؤية.!
على المعارضة العربية وآسف أن أدمج القومية هنا فأسميها بالعربية فغايتي الإيضاح والتمييز لا التفاضل ، عليها ألا تظل في قطيعة مع الحركة السياسية الكوردية وأن تسارع في إصلاح ذات البين وأن تنفتح للمسألة السياسية الكوردية بصدر رحب وعقل منفتح، وألا تستهين بما للكورد من حقوق، وألا تنسى ما وقع عليهم من حيف عبر التاريخ، فليقل الجميع وداعا للماضي الذي يفرق، وأهلا بالقادم الذي يجمع بين سائر المكونات السورية..
وبالمقابل على الحركة السياسية الكوردية أن تجهر بمعارضتها للنظام وألا تظل بين بين وأن تبحث عن خيوط تجمع مع المعارضة العربية لا عما تفرق وبأن المسائل الخلافية سوف تحلّ عاجلا أو آجلا، وأن تفرز لهكذا مسائل أناسا جديرين بالتحاور والتعاطي، كما عليهم الإدراك من أن الاختلاف في هذه النقطة أو تلك شيء طبيعي لكن ذلك ينبغي ألا يستدعي كل هذا الجفاء ومثل هذا الانفصال والقطيعة، وعلى الكورد أن يعلموا جيدا أن نضال الشعب الكوردي لن يتوقف وسيستمر حتى بعد رحيل النظام، عليهم أن يدركوا هذه الحقيقة ويتحركوا نضاليا وحواريا في ضوء ذلك..