طريق الديمقراطية تمرّ من قامشلي

صبري رسول

تؤكّد التجارب البشرية في الحكم أنّ أحد أهم مقاييس الديمقراطية وتطبيقاتها في العالم للحكم على النّظام السياسي هو الموقف من القوميات والشعوب، ومدى منحها حقوقها، والحفاظ على ثقافاتها، ومشاركتها في الحياة السياسية.

فلا يمكن وصفُ نظامٍ سياسيٍّ بأنه ديمقراطيّ إذا مارس الإقصاء والإلغاء بحقّ الآخرين، المختلف سياسياً أو دينياً أو قومياً، ولا يمكن للفرد أو الحزب أو النظام أن يكون ديمقراطياً إذا لم يقبل بالتعايش المشترك على قدم المساواة في إطار نظام سياسي واحد.
المعارضة السياسية السورية وبعد مرور عامٍ كامل من الثورة السورية مازالت أسيرة العقلية الشوفينية، والثقافة الإقصائية، والتعالي القومي، مازالت المعارضة السياسية بمختلف تياراتها تمارس أساليب النظام نفسها، في التجاهل والإنكار بحقّ الشعب الكردي، لأنّها رضعت من حليب التفكير الاستبدادي، ولم تتمكن من كسرِ الهاجس القومجي العروبوي كأحد أبرز سمات الثقافة الاستبدادية.
الشعب الكردي الذي واجه سياسات النظام في الإنكار وممارسة الإجراءات والقوانين الاستثنائية التعسفية، لطمس المعالم القومية والثقافية لوجوده كشعب، وثقافة، لن يرضى بأقل من حقه القومي كثاني أكبر مكوّن للشعب الكردي في الاعتراف الدستوري به وحلّ قضيته حلاً ديمقراطياً، وإزالة كلّ الإجراءات التي طالت وجوده، وما لها من آثار، ليشارك بقية مكونات الشعب السوري في إطار وحدة البلاد.
الشعب الكردي يرفض سياسات الإلغاء والتهميش من المعارضة السورية وهي في أضعف حالاتها، ولم تطأ قدمها الأرض السورية، فكيف بها لم اعتلت سدة الحكم؟
وللأسف مازالت المعارضة لم تتجاوز حقوق ومفاهيم المواطنة، ومازالت تسري في دمائها ثقافة شوفينية آسنة، لاتستطيع التخلص منها، وهذه الرؤية الاستعلائية لن تجلب لسورية الحرية والديمقراطية، بل سترسم مصيراً مقلقاً وغامضاً للشعب السوري.
نعتقد أنّ أي ديمقراطية ستأتي إلى سوريا لن تأخذ شرعيتها ولا ملامحها في مراعاة حقوق الإنسان، ما لم تمرّ من القامشلي، وتتلّون بتطلعات الشعب الكردي وتعترف بحقوق الشعب الكردي أسوة بباقي مكونات سوريا.

وستبقى طبيعة النظام السياسي مرهوناً بمواقفها من الشعب الكردي، فلا تجتمع الديمقراطية وإنكار حق الشعوب في (ادعاءات المجلس الوطني السوري الذي يغني له الشباب) وختاماً يكون هذا الرّد للدكتور عبد الباسط سيدا الذي يخشى ((بتسليم الأمور إلى أصحاب الشعارات والمزاودات)) إن لم ((ينتصر صوت العقل والموضوعية في المجتمع الكردي)) والسؤال الكبير له وللمجلس الوطني السوري: أين صوت العقل والموضوعية في مساحة الرؤية القومجية الطاغية؟
الشريك يلدغني في مرحلة مواجهة الأفعى، فكيف به بعد ذلك؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…