وقال سربست نبي في حوار أجرته «عكاظ» أن الموقف السياسي الكردي لا يقف عند حدود إسقاط النظام الأسدي وحسب، بل يتخطى هذا المطلب، موضحا أن الاكراد في حلب يتمتعون بوزن ديمغرافي يخيف النظام.
واستبعد الباحث سربست أية حالة احتراب بين الأكراد مبينا أنهم متوحدون حتى الآن حول المطلبين الرئيسين، أولهما: الموقف من النظام المستبد، وثانيهما الحقوق القومية المشروعة في التحرر والمساواة.
وأضاف أن معظم المدن الكردية انتفضت ضد النظام قبل معظم المدن السورية المنتفضة الآن.
فإلى تفاصيل الحوار:
ماذا تقولون ؟
• هذا الرأي فيه الكثير من التضليل لدى أوساط المعارضين السوريين، خصوصا ممن يريدون من الكرد أن يتحركوا سياسيا على هواهم، ووفق منظورهم الخاص دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تفهم هواجس الكرد السياسية ومطالبهم.
ويتجاهلوا واقع أن الحالة الكردية كانت الأكثر تماسكا ووعيا في رفضها لنظام الأسد المستبد والعنصري.
وحري بالمعارضة السورية تفهم مطالب جميع مكونات المجتمع السوري الدينية والقومية واحتياجاتها.
وحين يمتلك المجلس الوطني مشروعا متماسكا وجذريا للتغيير الديمقراطي، وحين يكتشف الأكراد حلا حقيقيا لقضيتهم القومية في الموقف السياسي للمجلس.
حينها فقط سيكف هؤلاء عن الثرثرة والنظر إلى الآخرين على أنهم مشتتو الرؤية حيال الثورة.
وواقع الحال أن معظم المناطق الكردية انتفضت ضد النظام قبل معظم المدن السورية المنتفضة الآن.
• هل تعتقد أن وحدة الصف الكردي ستزيد الضغط على النظام، أم هي مسألة ثانوية بالنسبة للنظام؟
• هذا أمر بديهي، إلا أن خصوصية وحدة الموقف الكردي تتصل بالدرجة الأولى إزاء المعارضة السورية لا إزاء النظام، فالأكراد موحدون في موقفهم إزاء النظام المستبد والدموي، إلا أن الانقسام والاختلاف يشوبان موقفهم وتعاطيهم إزاء المعارضة السورية.
والقوى الفاعلة حسمت خيارها السياسي منذ البدء في الانخراط في الثورة وفي عد نفسها جزءا من الحراك الثوري التغييري.
إلا أن الموقف السياسي الكردي لا يقف عند حدود إسقاط النظام وحسب، وإنما يتخطى هذا المطلب.
هناك اعتقاد سائد أن إسقاط النظام الأسدي سيترتب عليه بالضرورة حل عادل للقضية القومية ويضمن المساواة بين الأكراد والعرب.
وهذا الاعتقاد على أهميته العملية لا يتسق مع ألف باء السياسة والتاريخ.
ذلك أن واقع التمييز والاضطهاد كان قائما قبل مجيء هذا النظام, وسيبقى كذلك لمجرد إسقاط النظام دون إحداث تغيير بنيوي شامل في مؤسسة الدولة السورية بالذات وفي مبدأ تأسيسها.
إن الشمال السوري ــ الكردي هو من الناحية الجيوبولتيكية والديمغرافية بمثابة حمالة جنازة النظام، ومن دونه محال على أي طرف أن يضمن لنفسه الانتصار على النظام.
لدينا تجربة انتفاضة آذار الكردية (2004) التي تمنحنا درسا مهما.
فقد تمكن الكرد من إسقاط سلطة النظام خلال ساعات في مناطقهم شمال سورية.
إن قوة الأكراد تنبع من الوحدة السياسية للمجتمع الكردي حول أهدافه ومنطلقاته .
ولهذا أجد من الصعوبة الحديث عن إمكانية إسقاط نظام بشار الأسد دون الانخراط الشامل من طرف الأكراد في الانتفاضة.
فضلا عن ذلك ستلعب المكانة الجيوبولتيكية لمناطقهم دورا حاسما في إسقاط النظام، وبخاصة في مدينة كبيرة كـ( حلب) وريفها.
حيث يتمتعون بوزن ديموغرافي كبير.
• هناك متظاهرون أكراد رفعوا لافتة خلال مظاهرات في مناطق كردية مقتبسة من مقولة لك تقول: سورية ليست عربية بقدر ما لن تكون كردية، وهي ليست كردية بقدرما لن تكون عربية..
ماذا تعني هذه المقولة ؟
• في الحقيقة أن الأصل في هذا الشعار الذي أعلن وأشيع كثيرا في المظاهرات وأثار نقاشا واسعا هو(سورية كردية بقدر ما هي عربية، وهي لن تكون كردية بمقدار ما لن تكن عربية) انطلاقا من واقع ينبغي الاعتراف به هو أن الدولة السورية دولة متعددة القوميات؛ والعرب والكرد يمثلان القوميتين الرئيستين فيها، وأن الانتماء لسورية ينبغي أن يكون أعدل الأشياء قسمة بين السوريين, إذ ليس هناك سوري أكثر سورية أو أقل من سواه.
سورية المستقبل يجب أن تكون لجميع السوريين دون تفاوت أو تفاضل.
ورفض عدد من المعارضين السوريين هذا المبدأ متذرعين في ردودهم عليه بأن الأكثرية القومية في سورية هم من العرب ولهذا ينبغي أن تبقى سورية دولة عربية فحسب في هويتها القومية حسب رأيهم، هم لايجدون حرجا من القول إن أكثرية سورية من العرب، فمن الطبيعي أن تكون سورية عربية وبصفتها هذه تعرف.
واقع الحال أن الكيان السوري تأسس أصلا على مقدمات وأسس عرقية إقصائية كرست لهيمنة عنصر دون آخر، وثقافة دون أخرى.
إن مطلبنا التاريخي لا ينبغي أن يقف عند حدود إسقاط النظام دون المساس بالأسس الأيديولوجية والسياسية للدولة ذاتها.
من هنا فإن تفكيك بنية الدولة القومية الشمولية وإحداث التغيير الجذري بغية تأسيس العلاقة بين القوميتين الرئيستين، على قاعدة عقد شراكة جديد يضمن المساواة بين الطرفين.
• هل ترى أن الثورة السورية كان لها دور في تقبل شعبي عام أكبر للقضية الكردية مما كانت عليه في السابق؟
• في الواقع أن الثورة السورية هي ولادة من رحم جديد، وإليها تنسب سورية من الآن فصاعدا.
برغم من أن البعض يريد لهذا المولود أن يكون مشوها عبر تصعيد الخطاب الطائفي أو العرقي.
فقد شرع السوريون بالتعرف على بعضهم البعض للمرة الأولى، ودون مرايا صاروا يعرفون أنفسهم ويتواصلون، وأخذوا يتفاعلون معا.
من هذا المنظور يمكن تفسير حماسة الأكراد السوريين في التفاعل مع المدن السورية الأخرى على أنه صدى للطمأنينة والثقة المتبادلة بين الشارعين الكردي والعربي المنتفضين ضد استبداد بشار .
والحق أن الكثير من الحشود الشعبية المنتفضة في المدن العربية عكست في شعاراتها ومطالبها تفهما غير مسبوق وتواصلا مع الهم الكردي، بخلاف موقفها العام من انتفاضة الكرد ربيع 2004، الذي كان ينم عن رؤية مشوهة وحذرة عززها إعلام النظام.
ومع ذلك فإن موقف المعارضة السورية يبدو لي مخيبا قياسا إلى موقف الشارع السوري العام.
ولا يستطيع أن يرقى في جرأته السياسية ووضوحه إلى مستوى الموقف الشعبي العام.
• تدور مخاوف حقيقية مستندة على وقائع ميدانية بمخاطر حدوث صدامات كردية ـ كردية في سورية إذا لم يتوصل أكراد سورية إلى إنهاء حالة الانقسام الحزبي الأيديولوجي..
كيف تقيمون هذه المخاطر؟
• لا أجد التوجس من حالة احتراب كردي سوري، أو نزاع أو صدام ما أمرا واقعيا، وإن كان مشروعا من زاوية نظر معينة، ولهذا يبدو لي هذا التوجس مفرط في تشاؤمه طالما أن الكرد السوريين متوحدون حتى الآن حول المطلبين الرئيسين، أولهما الموقف من النظام المستبد، وثانيهما الحقوق القومية المشروعة في التحرر والمساواة.
وما يعزز التلاحم الكردي هو موقف حكومة إقليم كردستان مما يجري في سورية.
فمنذ البداية أظهرت حكومة كردستان دعمها للتغيير الديمقراطي السلمي الشامل في سورية على لسان البارزاني الذي لم يخف تعاطفه مع مطالب السوريين عموما في الديمقراطية والتغيير السلمي.
• يتخذ المجلس الوطني من أنقرة مقرا لتحركاته السياسية، فهل يمكن القول إن تركيا تؤثر بشكل مباشر عليه؟
المتتبع لإحداثيات السلوك السياسي التركي لا بد وأن ينشأ لديه ارتياب عميق .
ففي البدء لم تبد حكومة أردوغان حماسة لتغيير حليفها المذعن لمصالحها في دمشق، وقد رعت حوارات سرية على مدى ثلاثة أشهر من عمر الثورة تقريبا بين النظام وجماعة الإخوان بهدف التوصل إلى المصالحة بينهما.
ولما وجدت تركيا أن عجرفة النظام تحول دون الاستجابة لشروطها السياسية وبالمقابل بدا أن الشارع السوري خلال تلك الفترة قد أحرق جميع مراكب العودة إلى العهد السابق، صعدت بدورها من لهجتها إزاء النظام، وراحت تستعرض وصايتها وحرصها على مستقبل الشعب السوري.
ومن هنا عمدت إلى سياسة احتواء المعارضة السورية التي أخذت مؤتمراتها تتوالى وتتزاحم في أنطاليا وأنقرة وإسطنبول.
إلى أن توجت جهود الساسة الأتراك برعاية وتأسيس المجلس الوطني السوري المعارض.
وهناك اتفاقيات وقعتها انقرة مع المعارضة تحيط بها الكثير من الشكوك والشبهات حول دورها وسيحين الوقت للكشف عنها.
المصدر: صحيفة عكظ / عبدالله الغضوي ( هاتفيا ــ كردستان العراق)