بلبلة في المجلس الوطني الكردي

 إبراهيم محمود

 في الجلسة الأخيرة والطارئة للمجلس الوطني الكردي في سوريا، وكما هي طبيعة المستجدات منذ حين من الدهر، حيث تداعى المعنيّون به إلى دراسة أهم التحديات التي يتعرض لها، وفي مكان يشبه القبو، لكنه مضاء، مع مكيفات غازية، وشفاطات هوائية حرصاً على السلامة العامة لنخبة الكرد المتعينة ديمقراطياً حسب الأعراف الكردية السائدة، وكان الدفء ، وليس سوى الدفء، محفّزاً على فتح شهية الكلام، والابتسامات الرسمية كانت تعلو وجوه القوم، إلى جانب رباطات أعناقهم المزركشة والبارزة كعادتها، رباطات برّاقة كما هي الشعارات التي يعرَفون بها بالطبع.

وبينما كان الحاضرون يستعدّون بعد أكثر من نحنحة وكحكحة وفحفحة، للدخول في صُلب الموضوع، وهو صلب دائماً، حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ فجأة تلجلج المتحدث الأول، وهو مفتتح الجلسة التاريخية، وتقطعت كلماته، وبدا لاهث الأنفاس، وهو يمدُّ يديه إلى رباطة عنقه، ليخفف الضغط على تفاحة آدمه، واضطرب المحيطون به، وهم يلاحظون تنامياً في جحوظ العينين، فسارع إلى نجدته الأقرب إليه، ولكنه ما إن مد يديه إليه، حتى تعرَّض للحالة ذاتها، ثم سمِعت كلمة ” إسعااااف” من أحدهم، وهي لم تكتمل، إذ إنه بدوره تعرَّض للحالة نفسها، وحين اندفع إليه آخر، وبمجرد لمسه، داهمته أعراض الاختناق عينها، وعندما قام أحدهم قبل غيره وهو مرعوب، لم يكتمل قيامه، إذ أصابته العدوى بدوره، وشعر آخر بوجود جائحة، هي مؤامرة على المجلس، فأراد الانبطاح مذعوراً، لكنه قبل ملامسة الأرض تملكته أعراض الاختناق من جهته، وحين أراد أحدهم الثبات في كرسيه، شعر باختناق مماثل، وفي لمحة عين، انتشرت بلبلة غير مسبوقة في القاعة “القبوية” وقد ارتفعت درجة الحرارة كثيراً لأن أحدهم بدلاً من التحكم فيها وهو مرعوب، زاد من وتيرة تشغيل المكيفات وأوقف الشفاطات الهوائية وتعرَّض لذات الحالة الغريبة، وبدا الحاضرون وهم موزَّعون بين رعب وهلع، ومشاهد لا يحسدون عليها في سيماء وجوههم، وفي البلبلة المفاجئة، دون أن يعثر أحدهم على طريق ليتجاوز هذه الحالة.
 الذي أعاد الهدوء قليلاً إليهم، هو شخص آخر لا علاقة له بالمجلس ورموزه، عندما توجه دون أي اضطراب إلى الباب الخارجي المحكم الإغلاق صحبة آخر وبمساعدته، وفتحه على مصراعيه، حيث تدافع الحاضرون، وهم على وشك الاختناق الكامل بسبب تدافعهم، كما لو أنهم يهربون من وحش أسطوري، وكل منهم: يا رجلي! ذلك هو ملخّص قصة كتبها شاب في مقتبل العمر، متحمس، لكنه ذو خيال رحب، وعلى دراية دقيقة، كما يبدو، بالجاري، ويؤثر الصمت كثيراً على الثرثرة المحمودة من حوله، أطلعني عليها، لأبدي ملاحظاتي الفنية، إذا استدعت الضرورة، ليشارك بها في إحدى المسابقات الأدبية خارج البلاد.
 هالني مناخ القصة، بقدر ما كبَّرت فيه جرأته، وسعة حيلته في معالجة وضع مزرٍ كالذي نعيشه، قلت إثر قراءتها: إنها تستحق الاهتمام، ولا بد أن تكون على قدر وافر من الجدّة والابتكار، وجديرة بالاشتراك في المسابقة المنتظرة.

 استوقفني سؤال رأيته ضرورياً، فحوَّلته إلى صاحب القصة: كيف تسنَّت لك كتابة قصة خيالية على هذه الشاكلة؟ رد علي بحماسه الذي عاينته في قصته: إنها قصة حقيقية يا أستاذ..

حقيقية..

حقيقية تما…ماً! سألته في الحال: وما الذي يؤكد على أنها حقيقية؟ أجاب بهدوء لافت: لأن الذي فتح الباب، قبل غيره كنت أنا! سألته: وماذا كنت تفعل هناك؟ جاءني جوابه: كنت مكلفاً بترتيب الكراسي، والحرص على تطابق العدد منها مع المعدود من المتواجدين! سألته في الحال أيضاً: والآخر الذي ساعدك ماذا كان يفعل؟ رد علي:  الآخر كان مكلفاً بإحضار الشاي وتوزيعه على الحاضرين ..!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…