والسؤال الآخر هنا هو لماذا عاد الترك إلى نهج استغلال الدين سياسياً بعدما أثبت هذا التوجه فشله تاريخياً عبر خمسة قرون من الزمن ومحاولة دمج الدين بدلاً من فصله عن العلمانية التي أثبتت هذه الأخيرة نجاحها وحققت انجازات مهمة على مختلف الصعد في معظم الدول التي انتهجت هذه النهج وفي تركيا ذاتها علماً إن هناك شبه استحالة في الجمع بين نقيضين أي الجمع بين فكر غيبي متخيل وأخر علماني والعمل في التزاوج بينهما وكأنهما توئمين وخرجا من رحم ينبوع واحد ويجريان في ذات المجرى ولهما نفس النتائج تاريخياً …..
اخنصاراً نقول أن أدلجة الإسلام هي ظاهرة حديثة أبتدعتها ” السياستارية ” التركية لتحقيق أهداف سياسية قوموية ممزوجة بالشوفينية والعنصرية ..
فقد ظهر بديات هذا التوجه الاسلاموي في النصف الأول من القرن الماضي في تركيا لدى ” عدنان مندرس ” خلال انشقاقه عن حزب الشعب الجمهوري ” الذي أنشأه أتاتورك عام ” 1923 ” ..
وقد أنشأ مندرس بعد هذا الانشقاق الحزب الديمقراطي التي فاز في انتخابات عام ” 1950″ وانتصر انتصاراً ساحقاً على الحزب الشعب الجمهوري ويعود سبب نجاح حزب مندرس في تلك الانتخابات إلى الدعاية الإسلاموية الذي ادرجه في برنامج حزبه وبعد هذا الانتصار أعاد مندرس ” الزامية التعليم الديني في المدارس وضاعف ميزانية الأوقاف الى ثلاثة أضعاف على ما كانت عليه سابقاً وأعاد الآذان باللغة العربية إلى المساجد وانشأ ” مدارس _ امام خطيب ” لتخريج الوعاظ وأئمة المساجد الذي فاق عدد تلامذتها على المئة ألف خلال عشر سنوات وبث برامج إذاعية دينية ” وما يهمنا كرديا في هذا التوجه هو ادراج مندرس اسم ” مالك قيراط ” حفيد الشيخ سعيد بيران الذي قاد الثورة الكردية عام 1925م .
في قائمته الانتخابية وكان هدف مندرس من هذه التوجه وكعادة الأتراك هو التلاعب بالعاطفة الدينية للشعب الكردي وتخفيف نقمته على المجازر التي أرتكبها أتاتورك بحق ” شيخ سعيد وبحق ثواره ” أما الهدف الحقيقي والأهم من مجمل هذا التوجه كان ومايزال هو احتواء الكرد دينياً … فقد أعتقد الأتراك بأن العلمانية قد تؤدي مع مرور الزمن إلى تحرر الشعب الكردي من التخدير الديني المسيس الذي خطط له الترك عبر قرون وبأحكام ومنهجية للسيطرة على توجهات الشعب الكردي التحررية وقد نجحوا إلى حداً كبير في هذا التوجه حتى الآن … فمازال أردوغان يحصل على ثلثي أصوات الشعب الكردي في الانتخابات البرلمانية ناهيك بأنه قد نجح في استغلال الدين سياسياً لتطوير علاقاته الاقتصادية مع الدول الإسلامية
صفوة القول هو إن ساسة الأتراك قد استغلوا الدين سياسيا وعبر ستة قروناً من الزمن من أجل مصالحهم القومية من جهة والتحكم بمصير الشعب الكردي عبر هذا التوجه من جهة أخرى ومازالوا يسيرون على النهج ذاته ولم يكن ساسة الأتراك إسلاميون يوماً بالمعنى الروحي لهذه الكلمة …فقط الكرد هم الشعب الوحيد من بين الشعوب الذين لم يستغلوا الدين سياسياً بل استغلوا بالدين سياسياً