لنرتقي بأدواتنا النضالية إلى مستوى مهام ومتطلبات المرحلة

  محمد موسى محمد*

 لا أحد ينكر بأن الحركة الكردية في سوريا لعبت وما زالت دوراً إيجابياً وفاعلاً في حياة الشعب السوري عموماً والشعب الكردي بشكل خاص ومع أنها لم تستطيع في مراحلها الأولى أن تتفاعل بالشكل المطلوب داخل المجتمع السوري بمكوناته المختلفة ولأسباب تعود بالدرجة الأولى إلى نتائج ومؤثرات الخطاب السياسي الرسمي الذي تعمد بشكل وآخر إلى تشويه دور الحركة، إضافة إلى أن الحالة السائدة في البدايات اتسم بالضعف والعجز على مستوى التفاعل الوطني العام.

إلا أن القائمين على الحركة آنذاك سرعان ما أدركوا ضرورة هذا التفاعل وضرورة ترجيح الخيار الوطني الذي بات الخيار الوحيد أمام الحركة في اتجاه الحل مع إدراكهم أن ذلك لا ينفي النتائج والمؤثرات التي قد تترتب على التفاعلات الإقليمية والدولية سلباً وإيجاباً ومع أن هذا التفاعل وتلك المؤثرات لم تكن إيجابية في مجمل مراحل ما قبل العقد الأخير الذي تميز بخصوصية وسمات له طابع أكثر هجومية وتضييق على الأنظمة الدكتاتورية عامة والغاصبة لكردستان بشكل خاص.
إلا أن التفاعل من جانب الحركة بمجمل فصائلها لم تكن بمستوى واحد وقد أثر ذلك بشكل واضح وصريح على الخطاب السياسي الكردي وحصلت إرباكات سياسية كبيرة في جدلية العلاقة بين الحالة الوطنية والحالة القومية وقد كان تأثيره قوياً وعميقاً في رسم البرامج السياسية للأحزاب القائمة والعاملة إضافة إلى أن الحالة الاجتماعية والتناقض الاجتماعي وما اتسم به من ظلم واضطهاد للشريحة الأوسع للمجتمع الكردي لعب دوراً بارزاً ليس على مستوى ما يتعلق برفع الغبن الاجتماعي فحسب بل حتى على المستوى القومي والخطاب السياسي القومي بحكم التركيبة الاجتماعية لهذه الأحزاب وعلى قاعدة أن المضطهَدين والمغلوبين على أمرهم لن يخسروا سوى قيودهم.
وانطلاقاً مما سبق تميز الخطاب السياسي لليسار الكردي بالحزم والصلابة والوضوح.
إن تاريخية تشبث اليسار بالثوابت القومية معروف لأبناء شعبنا وكذلك تاريخية فعله النضالي في مواجهة المشاريع والمخططات الشوفينية والعنصرية وفي مراحله المتعاقبة حقيقة لا ينفيها كل ذي وجدان وضمير، والدور التاريخي لليسار الكردي في تجاوز الأزمة التي كانت وما زالت سائدة في صفوف الحركة والبرامج التي قدمت لرأب الصدع في صفوفها ( الجبهة الكردية )، ( الهيئة التمثيلية ) والأطر التي أقيمت في المراحل الماضية وما هو قائم الآن كان لليسار الدور البارز في بناءها، فالسياسة الواقعية على قاعدة الحزم في التشبث بالثابت القومي كانت الميزة البارزة لسياسات اليسار الكردي وما زالت تشكل الحلقة المركزية في نضاله الوطني والقومي.
وأي كانت الأسباب التي دفعت الحركة باتجاه عكسي وشلت من قدراتها وإمكاناتها إلى حد بعيد وأدخلتها في متاهات الصراع الداخلي الغير مبرر والمفتعل في أغلب حالاته.
فالظروف المحيطة بمستوياته الوطنية والإقليمية تفرض بالدرجة الأولى ضرورة تجاوز الحالة السلبية السائدة وضرورة تجاوز الأزمة العامة والشاملة التي تلف الحركة وتنخر من قدراتها وطاقاتها وتطوير الأدوات النضالية القائمة للارتقاء بها إلى مستوى مهام ومتطلبات المرحلة ضمن حدود الإمكانات المتوفرة بعيداً عن التطرف والانعزالية من جانب والانهزامية السياسية من جانب آخر.
فإذا كانت الأدوات المتوفرة أو القائمة كما هي ليست بالمستوى المطلوب وباعتراف الجميع والحالة السائدة في صفوف الحركة وتفاعلها الوطني العام على المستوى السوري أدنى بكثير مما يجب أن يكون عليه بل باتت أكثر تخلفاً ولا ديمقراطية حتى على مستوى الحزب الواحد، فمن الطبيعي أن يكون تأثيرها أضعف وأن تتسع الفجوة بينها وبين الجماهير، إن سياسات الإقصاء ونفي الآخر وحتى مجرد التفكير في تثبيت حالة قطبية في الساحة الكردية السورية  هوس طالما حذرنا من مخاطره.
وبات من الضروري تفعيل الدور النضالي للحركة الوطنية الكردية في سورية وتجذير العلاقة بين فصائلها من خلال مشروع وطني كردي يتجسد في الدعوة لحوار وطني شامل وعبر مؤتمر وطني كردي شامل لبناء مرجعية كردية لانتشال الحركة من حالة اللاحراك أو الحراك السلبي الذي يسيطر عليه التنازع الداخلي وهشاشة العلاقة القائمة ضمن الدوائر المؤتلفة هنا وهناك  والتي لا يمكن أن تكون بديلاً للمرجعية المنشودة.
وأي كانت الخلافات والتناقضات السائدة في صفوف الحركة والتي تتمظهر بين الحين والآخر بأشكال وتلوينات مختلفة مسبوقة بحجج وذرائع شتى يبقى المرتكز السياسي واحداً لا يتزعزع ولا يمكن المساومة عليه ألا وهو الشعب الكردي في سورة شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية ولا بد من حل ديمقراطي لهذه القضية التي طالما تعرضت للتشويه من قبل الأوساط الشوفينية المتزمتة وهي قضية وطنية بامتياز يتوقف عليها مستقبل الوطن.
أما أن ذلك يزعج الشوفينيين ويثير غضبهم فهذا أمر نعتقد جازمين أن إغضابهم أفضل من إرضاءهم لأن المخاوف التي تبديها الشوفينية غير مبررة أصلاً ومرفوضة، فالخطر لا يكمن أبداً في الاعتراف بوجود الشعب الكردي في سوريا وحركته الوطنية بل في القصور الفكري والسياسي لتلك الأوساط وضيق أفقها وحقدها الدفين اتجاه شعبنا الذي أثبت في مجمل المراحل التي مرت بها سورية منذ تأسيس الدولة السورية وحتى الآن بأنه الاحرص على مصلحة البلاد وعلى وحدة الوطن ولكن ليس كما تريده تلك الأوساط من خلال الصهر في بوتقة القومية العربية والدمج المشوه بل على قاعدة الاعتراف بوجود الشعب الكردي أحد المكونات الأساسية للمجتمع السوري وإطلاق الحريات الديمقراطية وإزالة كل ما يعيقها وحل مجمل القضايا العالقة للارتقاء ببلادنا إلى مستوى لائق وبناء وطن حر ديمقراطي خالٍ من جميع أشكال الظلم والاستعباد.
———–
* سكرتير الحزب اليساري الكردي في سوريا

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…