الحسكة ترحب بكم.. إلى إدريس أحمد رشو وشهداء غويران

إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com

مرَّ عام ويوم، من عمر الثورة السورية المجيدة، حسب التوقيت  المتفق عليه، كساعة الصفر للثورة السورية، وإن كان النظام قد قدَّم أوراقه الثبوتية- كمجرم ضد البشرية- في محطات كثيرة، وكان أبناء الشعب الكردي في سوريا قد اكتشفوا حقيقة ذلك، في 12 آذار2004، وفي أعلى صورها، مع أن النظام لم يخجل منذ وصوله إلى سدة الحكم، عن دمويته الرَّهيبة، وما اعتقال كل من كان يشكل خطراً عليه، ومن بيته البعثي، لمدد طويلة وصلت إلى ربع قرن ونيف، بالنسبة إلى بعضهم، وأكثر من ذلك بالنسبة إلى آخرين قضوا في السجون،
 فما هذا وذاك إلا دليل على عنفه، ودمويته هذه، ومن هنا، فإن مقدمات الثورة السورية بدأت في شباط، في الوقت الذي كان النظام يحاول تقديم حقنة مخدرة للجماهير، من خلال إدعاء بشار الأسد أن “سوريا غيرتونس ومصر وليبيا” إلخ، إلا أن الشعب السوري الذي جل ثورات أشقائه، أكد له فعلاً أنه أكثر إصراراً من غيره، على استرداد حريته المغتصبة، وفي سقوط نبوءة بشارهذه ما يكفي لدفعه إلى تقديم استقالته، بل ولقد أزاد من التأكيد على برهان بلاهته عندما خرج، في إحدى خطبه العنترية، مبشراً أن كل شيء على مايرام، وكان ضرام  الثورة يزداد، وكذا بالنسبة لإرادة الإنسان السوري، لأن المواطن السوري، لاتنطبق عليه سياسة مروضي النمور، بل إنه خدع إلى وقت طويل بأمَّات الأكاذيب الكبرى،التي لم يصدِّق في تحقيق واحدة منها، بل كان يطرحها لتخدير الداخل السوري.

ومنذ بداية الثورة، قسم النظام خريطة سوريا، إلى ثلاث مناطق، بعضها ساخن، كدرعا، وحماة، وديرالزور ومحافظة الحسكة”باستثناء مدبنة الحسكة”  ومنها ما هو نصف ساخن، مقابل مناطق باردة اعتبر الرقة وحلب والحسكة من عدادها، وإذا كان النظام قد تفاجأ ببعض المدن، حيث سقطت تصوراته، فإن مدناً كالرقة والحسكة باغتته أيضاً، من خلال قوة الحراك الثوري فيها، وما الموقف البطولي لأهل حي الغويران الأبي في مدينة الحسكة، كما مواقف سكان حي الكلاسة أو قرية المفتي” الصالحية” أو الأحمدية، إلا كما موقف المدينة برمَّتها التي انضمت للإضراب العام، بعيد استشهاد الشاب البطل إدريس أحمد رشو، وهو صورة عن مئات الآلاف من  الشباب السوري الثائر في المحافظة، والذي دعا النظام لحراسة “تماثيله” خوفاً منه.
هناك مسألة مهمة، وهي أن كل أساليب النظام، في التنكيل بمواطننا، أوحصاره، وزهق الأرواح عبر مجزرته المفتوحة منذ بداية الثورة وحتى الآن، لم تفده، في ثني إرادته، عن تحقيق هدفه المتمثل في إسقاط هذا النظام الأمني، وهو يبدو لايريد معرفة مسألة مهمَّة، وهي إن استمرار الثورة، يعني أن هناك وراءها إرادة كبرى من قبل شعبنا السوري، لإسقاطه، وإن استمرار استمراء الدم، من قبله لايعني حتمية نهاية الثورة، وإنما ليعني  حتمية نهايته هو، وإن نجاحه حتى الآن، في إشعال وطيس الفتنة –أنى أتيح له ذلك- لامستقبل له، لأن سوريا ستكابرعلى جرحها، بعد سقوط النظام، وستضع قطار ثورتها العظمى في مسارها الصحيح.
  وإذاكان النظام، قد عدَّ مدينة الحسكة إقطاعة، أمنية، خاصة به، فهاهوقد فشل في ذلك، ولم تنجح محاولات زج شبابه في السجون-ومنهم الكاتب حسين عيسو الذي لايزال مجهول المصير، بالإضافة إلى آخرين، لا أود تسميتهم هنا، لاعتبارات كثيرة، وهماً منه-وهو الذي يعيش وهم أحقية الاستفراد بالحكم ووهم العظمة والدم الخاص الجاري في عروقه- بأن أساليبه البدائية في القمع، ستكتب له عمراُ إضافياً، يخوله للاطمئنان على سلامة تبادل دفَّة الحكم وراثياً للأسد الثالث عشر، مع أن هذا ما أجاب عنه أبطال الثورة السورية، بدءاً من أطفال درعا والقاشوش والتمو والجبوري  والنامس وغيرهم، وانتهاء بكل الأبطال الأحياء الذين يقولون لآلة القتل:لا، غير آبهين، بقطع كل وسائل الحياة الضرورية عنهم، وفي مقدمها الكهرباء، والمازوت، والدواء، والرغيف.
لقد أعلمني صديقي الإعلامي الحسكي اليوم، أن الدموع طفرت من عينيه، وهو يجد أن الوفود العربية، تترى، للمشاركة، معهم في التظاهرة الاحتجاجية الكبرى، وهم يهتفون:” آزادي، آزادي آزادي، محيين أخوة أهلهم الكرد،  ناهيك عن نصرة عامودا وقامشلي وغيرهما لهم، ولقد أحسست ب”سريان” شحنة التوتر في جسدي، كي تندلق الدموع من عيني، وأنا أتذكَّر كيف أن الحسكة التي كانت قلعة لإصدارقرارات منع التكلم باللغة الكردية، بعد رفع الجداربين المكونين الكردي والعربي، من قبل النظام، بات نداء الحرية يتردد في أربع جهاتها، من غويران إلى  الكلاسة، ومن قرية  المفتي إلى شارع فلسطين، إلى أقصى غرب المدينة، على بعد مئات الأمتار من مقر المحافظ، والفروع الأمنية  التي طالما شكلت أوكاراً للتآمرعلى مواطننا المسكين.
وكأن عبارة” الحسكة ترحب بكم” والتي كانت ترصع كل مداخلها، على مقربة من صور القائد، وأقوال القائد، وعبارات الولاء الجماعي للقائد، سواء أكان من جهة قامشلي، أم رأس العين”سري كانيي وتل تمر” أم ديرالزور، لم تعد موجهة إلى ضيوف المحافظة الطارئين، من اللصوص الذين كانوا يأتون ويحكمونها ومن بينهم المحافظون ورؤساء الفروع الأمنية، أو كبريات الدوائر الدسمة، غرباء، من خارجها، أومن داخلها، كما في حال بعض مدراء الدوائر، بل باتت موجهة للثوار.

كأن لسان حال تلك اللوحة، هو “الحسكة ترحب بكم”،  على أن تكونوا مصفقين للرئيس الأوحد، والحزب الأوحد، والرأي الأوحد الذي تسمعونه في الجرائد الرسمية، والإذاعة، والتلفزيون، و لكأن عبارة”الحسكة ترحب بكم” دوِّنت، كي يسرق فاسدوها ما في جيوبكم، ولتكونوا عبارة عن أرقام مصفِّقة، في المسيرات الكبرى، التي ترفع فيها صورة الأسد، لا التي تحرق فيها صوره الآن، وأياً كانت هذه اللَّوحة، فإنَّ في الطرف الآخر، ثمَّة عبارة أخرى، هي”الحسكة تشكر زيارتكم” ……………….
المقال المقبل

الحسكة تشكر زيارتكم

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…