elyousef@gmail.com
ومنذ بداية الثورة، قسم النظام خريطة سوريا، إلى ثلاث مناطق، بعضها ساخن، كدرعا، وحماة، وديرالزور ومحافظة الحسكة”باستثناء مدبنة الحسكة” ومنها ما هو نصف ساخن، مقابل مناطق باردة اعتبر الرقة وحلب والحسكة من عدادها، وإذا كان النظام قد تفاجأ ببعض المدن، حيث سقطت تصوراته، فإن مدناً كالرقة والحسكة باغتته أيضاً، من خلال قوة الحراك الثوري فيها، وما الموقف البطولي لأهل حي الغويران الأبي في مدينة الحسكة، كما مواقف سكان حي الكلاسة أو قرية المفتي” الصالحية” أو الأحمدية، إلا كما موقف المدينة برمَّتها التي انضمت للإضراب العام، بعيد استشهاد الشاب البطل إدريس أحمد رشو، وهو صورة عن مئات الآلاف من الشباب السوري الثائر في المحافظة، والذي دعا النظام لحراسة “تماثيله” خوفاً منه.
هناك مسألة مهمة، وهي أن كل أساليب النظام، في التنكيل بمواطننا، أوحصاره، وزهق الأرواح عبر مجزرته المفتوحة منذ بداية الثورة وحتى الآن، لم تفده، في ثني إرادته، عن تحقيق هدفه المتمثل في إسقاط هذا النظام الأمني، وهو يبدو لايريد معرفة مسألة مهمَّة، وهي إن استمرار الثورة، يعني أن هناك وراءها إرادة كبرى من قبل شعبنا السوري، لإسقاطه، وإن استمرار استمراء الدم، من قبله لايعني حتمية نهاية الثورة، وإنما ليعني حتمية نهايته هو، وإن نجاحه حتى الآن، في إشعال وطيس الفتنة –أنى أتيح له ذلك- لامستقبل له، لأن سوريا ستكابرعلى جرحها، بعد سقوط النظام، وستضع قطار ثورتها العظمى في مسارها الصحيح.
وإذاكان النظام، قد عدَّ مدينة الحسكة إقطاعة، أمنية، خاصة به، فهاهوقد فشل في ذلك، ولم تنجح محاولات زج شبابه في السجون-ومنهم الكاتب حسين عيسو الذي لايزال مجهول المصير، بالإضافة إلى آخرين، لا أود تسميتهم هنا، لاعتبارات كثيرة، وهماً منه-وهو الذي يعيش وهم أحقية الاستفراد بالحكم ووهم العظمة والدم الخاص الجاري في عروقه- بأن أساليبه البدائية في القمع، ستكتب له عمراُ إضافياً، يخوله للاطمئنان على سلامة تبادل دفَّة الحكم وراثياً للأسد الثالث عشر، مع أن هذا ما أجاب عنه أبطال الثورة السورية، بدءاً من أطفال درعا والقاشوش والتمو والجبوري والنامس وغيرهم، وانتهاء بكل الأبطال الأحياء الذين يقولون لآلة القتل:لا، غير آبهين، بقطع كل وسائل الحياة الضرورية عنهم، وفي مقدمها الكهرباء، والمازوت، والدواء، والرغيف.
لقد أعلمني صديقي الإعلامي الحسكي اليوم، أن الدموع طفرت من عينيه، وهو يجد أن الوفود العربية، تترى، للمشاركة، معهم في التظاهرة الاحتجاجية الكبرى، وهم يهتفون:” آزادي، آزادي آزادي، محيين أخوة أهلهم الكرد، ناهيك عن نصرة عامودا وقامشلي وغيرهما لهم، ولقد أحسست ب”سريان” شحنة التوتر في جسدي، كي تندلق الدموع من عيني، وأنا أتذكَّر كيف أن الحسكة التي كانت قلعة لإصدارقرارات منع التكلم باللغة الكردية، بعد رفع الجداربين المكونين الكردي والعربي، من قبل النظام، بات نداء الحرية يتردد في أربع جهاتها، من غويران إلى الكلاسة، ومن قرية المفتي إلى شارع فلسطين، إلى أقصى غرب المدينة، على بعد مئات الأمتار من مقر المحافظ، والفروع الأمنية التي طالما شكلت أوكاراً للتآمرعلى مواطننا المسكين.
وكأن عبارة” الحسكة ترحب بكم” والتي كانت ترصع كل مداخلها، على مقربة من صور القائد، وأقوال القائد، وعبارات الولاء الجماعي للقائد، سواء أكان من جهة قامشلي، أم رأس العين”سري كانيي وتل تمر” أم ديرالزور، لم تعد موجهة إلى ضيوف المحافظة الطارئين، من اللصوص الذين كانوا يأتون ويحكمونها ومن بينهم المحافظون ورؤساء الفروع الأمنية، أو كبريات الدوائر الدسمة، غرباء، من خارجها، أومن داخلها، كما في حال بعض مدراء الدوائر، بل باتت موجهة للثوار.
كأن لسان حال تلك اللوحة، هو “الحسكة ترحب بكم”، على أن تكونوا مصفقين للرئيس الأوحد، والحزب الأوحد، والرأي الأوحد الذي تسمعونه في الجرائد الرسمية، والإذاعة، والتلفزيون، و لكأن عبارة”الحسكة ترحب بكم” دوِّنت، كي يسرق فاسدوها ما في جيوبكم، ولتكونوا عبارة عن أرقام مصفِّقة، في المسيرات الكبرى، التي ترفع فيها صورة الأسد، لا التي تحرق فيها صوره الآن، وأياً كانت هذه اللَّوحة، فإنَّ في الطرف الآخر، ثمَّة عبارة أخرى، هي”الحسكة تشكر زيارتكم” ……………….
المقال المقبل