التشابك والتعقيد في المحنة السورية

  د.كسرى حرسان

لا يتبين الصدق من الكذب والسوائية من العوج والنفاق؛ ومن ثم المواقف الإنسانية النبيلة من تلك الزائفة، حتى توضع معادن أصحابها على المحك وتصبح رهن التجربة والاختبار.
الصدق ليس ادّعاءً، بل هو عمل يُنفذ على أرض الواقع.

إن محنة الشعب السوري الأبي على مدى عام كامل دون أن يلقى له من ينصره كشفت اللثام عن وجه المجتمع الدولي الغربي الدور المشبوه الذي يدّعي حماية الإنسان والدفاع عن حقوقه وأثبتت تقاعسه عن تنفيذ قراراته؛  فالأمم المتحدة التي تدين العدوان ولا تسكت عن الانتهاكات بعد خمسين عاماً من عمرها تجد نفسها مصابة بالصدمة دفعة واحدة أمام فيتو دولة لم يعد يعتدُّ بها في ميزان القوى، والنظام الدولي اليوم نظام القطب الواحد لا عالم المعسكرين كما في السابق.
وهنا تتكشف المسائل وتتوضح الأمور.

فليس الفيتو الروسي هو العقبة وحجر العثرة، وإنما مواقف الدول الغربية التي تتحفظ إزاء حق النقض (الفيتو)، بينما الشعب السوري يُقتل ويُنحر ويُنكل به شر تنكيل.

وتأمَّل في لفظة (حق النقض) نفسها، أليس الحق شيئاً كائنا بوجود القوة الحامية له، إذاً لاحق للفيتو لأن الدولة مالكة هذا الحق أضعف من أن تدافع عنه، كما أن المسألة السورية ليست قضية شائكة بحيث يصعب حلها، لأنها لا تتعلق بسيادة دولة، إنه نظام فاقد الشرعية ولكنه ليس فاقداً لشريعة الغاب.

فالصحيح هو الخشية على الربيبة (إسرائيل)، وهذه المصلحة فوق أي اعتبار آخر مثل العَدائية لإيران وحزب الله.
إن هذا الوقت الطويل الضائع على حساب حياة الشعب في سوريا لم يكن ضرورياً ولا إجبارياً لوضع حدٍ للغطرسة وآلتها لكي تذعن للإرادة الدولية، لو كان المجتمع الدولي لا يراعي المصالح السياسية للدول الغربية التي تقتضي المحافظة على زريعتها (إسرائيل) بأي ثمن، ولولا ذلك لرُعيت حرمة الدم السوري الذي يسفك باطلا وعبثاً.
ولذلك فإن ما قامت به المعارضة السورية متمثلة في المجلس الوطني السوري من خطوات في المرحلة السابقة لم يكن عجزا من قبل هذا المجلس أو تقصيراً منه، وإنما هي أخطاء أملتها وفرضتها الظروف السياسية الخاصة المذكورة، فسوريا تحتاج إلى إصلاح سياسي، غير أن النظام السوري الحاكم قابلَ ولم يزل انتفاضة الشعب السلمية من أجل نيل حقوقه وحيازة حريته بالحديد والنار، وكأن الوطن السوري ليس ملكاً لشعبه بل هو من ممتلكات الثلة الحاكمة.

والجدير ذكره أن سوريا حصلت على استقلالها قبل أن توجد هذه الزمرة المنبتّة.
ومن أجل ذلك كله فأن الانشقاقات الحالية في صفوف المجلس الوطني، مهما كانت ظروفها، لا تخدم القضية السورية، بل تسهم بالتأكيد في إطالة سفك دم الشعب السوري إلى ما لا نهاية، وهذا الأمر في منتهى الخطورة.

بقي أن تحزم الدول العربية المناصرة لشعب سوريا أمرها من أجل صنع تحول في مسار المحنة السورية بالاتجاه الصحيح، وإن كنتُ أشك في قدرة هذه الدول أصدقاء الشعب السوري على امتلاك قرار الحسم، لأن مثل هذه القرارات جديدة على الشعب العربي بأكمله، فلم يسبق لها أن حدثت من قبل مطلقاً، ولكن الشعب في سوريا بحاجة إلى ما يشبه المعجزة بغية الخلاص.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…