الثورة السورية في ذكرى إندلاعها

علي شمدين*

قبل بدء الثورة السورية، كان الأستاذ عبدالحميد درويش قد وجه في (22/11/2010)، رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية بشار الأسد، محذراً فيها من خطورة الأوضاع في البلاد وخاصة في المناطق الكردية وحتمية إنفجارها إن لم يتم الإسراع إلى معالجتها بإجراء تغيير جذري شامل عبر الدعوة إلى عقد مؤتمر واسع لجميع أطراف المعارضة السورية والخروج بحل وطني يرضي الجميع، ولكن مبادرته الوطنية هذه لم تلق كغيرها من المبادرات الوطنية أية آذان صاغية، لابل بالعكس من ذلك إستمر النظام في غيه إلى أن بدأت في الخامس عشر من آذار المنصرم الشرارة الأولى للثورة السورية في مدينة درعا على إثر إعتقال وتعذيب مجموعة من الأطفال الذين رسموا أحلامهم العفوية على جدران مدرستهم حالمين بغد جميل بعيد عن شبح الدكتاتورية والإستبداد،
 ولم تنجح آلة القمع الهستيرية في تفسير هذه الأحلام بشكلها اللازم، لا بل أرادت وأدها بالمزيد من العنف والقتل والتدمير، فكبرت تلك الأحلام لتشمل طول البلاد وعرضها، حتى كسرت حاجز الخوف لدى الجماهير التي عانت الجوع والقمع والحرمان على مدى نصف قرن من حكم البعث.

وما أن إندلعت الثورة ، حتى إنتشرت نارها في البلاد كانتشار النار في الهشيم، وخرجت الجماهير بمئات الآلاف في مختلف المدن والبلدات السورية وبمختلف أعراقها وانتماءاتها مطالبة بالحرية والكرامة، وأبلى فيها الشعب السوري بلاءاً حسناً، الذي لم يتردد في تقديم القرابين اليومية من فلذة أكباده، حتى تجاوز عدد الشهداء اليوم التسعة آلاف، وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين والمتشردين، فضلا عن عمليات التدمير والترهيب والتجويع التي طالت مختلف مناطق البلاد التي باتت تعيش مأساة حقيقية شملت الجميع، دون أن تنجح آلة القمع في إخماد هذه النار الملتهبة وإنما زادت من موجة الغضب والإحتجاج  لدى الجماهير المرابضة على مدى أيام الأسبوع في الشوارع بصدورها العارية، والتي قررت أن لا تعود إلى بيوتها إلاّ بعد إسقاط هذا النظام وتفكيك آلته القمعية وكافة مرتكزاته الفكرية والأمنية والسياسية وبناء نظام ديمقراطي تعددي علماني.
لقد مضى عام ثقيل بآلامه وطويل بآماله، والشعب السوري مازال يواجه وحيداً كارثة حقيقية ويخوض ثورته بعزيمة لاتتردد في دفع ثمنها الباهظ، هذه الكارثة التي أصر النظام ومنذ اللحظة الأولى أن يفاقمها بعناده وغروره، دون أن يكترث بهذا المارد الذي خرج إلى الشارع ودون ان يتعظ من التجارب التي حصلت وتحصل من حوله، مستنداً في غروره هذا على آلته القمعية الشرسة، وعلى حلفائه الذين لايترددون في مده بالمال والعتاد والعناصر وبالفيتو في الأمم المتحدة، ولكنه تناسى بأن إرادة الشعوب لن تقهر وبأنها إن أرادت الحياة فلابد أن يستجيب لها القدر إن عاجلاً أم آجلاً.
لاشك إن الشعب الكردي كغيره من مكونات الشعب السوري لم يتردد في المشاركة في هذه الثورة العظيمة، وكان جزءاً رئيسا منها، وكانت التظاهرات التي ظلت المناطق الكردية تشهدها بكثافة طوال هذا العام منسجمة مع الحراك الجماهيري في عموم البلاد سواء من جهة الشعارات أو الأهداف السياسية، إلى جانب حرصها على إبراز خصوصيتها وطموحاتها القومية، فلم يتوانى الحراك الكردي عن التضامن مع المناطق السورية الأخرى وخاصة حمص ودرعا وغيرها من المدن السورية التي صب النظام جام غضبه وحقده الأسود على سكانها الآمنين من دون إعتبار لقيم أو مواثيق دولية، كما أن الحركة الكردية إستطاعت في الوقت المناسب ان توحد صفوفها وخطابها السياسي، وأن تنجز مؤتمرها الوطني في 26/10/2011 بمدينة القامشلي، الذي تمخض عنه مرجعية سياسية وقرارات هامة تدعوا إلى إسقاط النظام وتفكيك مرتكزاته، وبناء نظام ديمقراطي تعددي علماني لامركزي، يضمن الإعتراف الدستوري بالشعب الكردي وتأمين كامل حقوقه القومية على أساس حقه في تقرير مصيره ضمن إطار وحدة البلاد، وعلى هذا الأساس قرر المؤتمر رفض الحوار مع النظام منفرداً خارج إطار المعارضة الشامل، وشكل في هذا الإتجاه وفداً للحوار مع أطراف المعارضة بهدف الوصول إلى إطار شامل للمعارضة السورية بحيث يضمن التعامل مع المجلس الوطني الكردي ككتلة مستقلة تمثل المكون الكردي، وقبول مطالبه التي حددها مؤتمرهم الوطني..
فإذا كان الشعب السوري البطل قد نجح في أن يصمد أمام هذه الهمجية والغرور الذي ينتهجه النظام في قمع المظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت منذ عام، ونجح في إجهاض مؤامراته الرامية إلى دفع البلاد نحو الحرب الداخلية وإثارة النزاعات القومية والطائفية، فإنه لابد من القول صراحة بأن المعارضة السوري لم تنحج مع الأسف الشديد حتى اللحظة من تجاوز سقف السياسة الشوفينية التي حددها النظام تجاه الشعب الكردي في سوريا، ولم تتفهم بعد الخصوصية الكردية والتعامل كما يجب مع حقوق الشعب الكردي الذي يشكل ثاني قومية رئيسية في البلاد، ولم تدرك كذلك بان سوريا المستقبل لايمكن أن يكون فيها مكان للشوفينية وعقلية الإقصاء والتهميش للمكون الكردي، إذ أن المعيار الرئيسي لمدى ديمقراطية النظام القادم ومدى نجاح الثورة في تحقيق أهدفها في الحرية والكرامة، هو مدى إستجابته لحقوق الكرد القومية كاملة من دون نقصان..
—————-

* عضو لجنة إقليم كردستان للمجلس الوطني الكردي في سوريا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…