ويشير التاريخ والميثولوجيا الكوردية القديمة الى هذا الحضور عبر الآلهة “فارونا” في الحضارة الهورية – الميتانية وآلهة الجمال والخصب “آناهيتا” في المملكة الميدية الزرادشتية.
واستمر دور المرأة كحاضنة للثقافة واللغة والتراث والعادات والتقاليد الكوردية، وصانتها من الضياع والزوال.
ويشير التراث الشعبي الكوردي الغني والثري جداً الى حضور المرأة وتأثيرها الهام والقوي في الملاحم الشعبية وقصص الحب، الى جانب اسهامها في المعارك التي كانت تنشب في المجتمع بكل بسالة وشجاعة.
بالاضافة الى ان قسماً لا بأس به من التراث الغنائي الشعبي الكوردي، وحتى الذي غنّاه الرجال، روي على ألسنة النساء.
ما يعني ان نظرة عابرة للتاريخ الكوردي المكتوب او الشفاهي، يظهر لنا مدى تأثير وفعالية المرأة اجتماعياً وثقافياً وتربوياً في المجتمع الكوردي على مدى الازمنة والعصور الغابرة وصولاً ليومنا هذا.
في كوردستان سورية
تعرض المجتمع الكوردي خلال قرون من الاحتلال المستمر لأبشع أنواع القهر والاضطهاد والتجويع ومحاولات طمس اللغة والهوية القومية.
وأثر ذلك سلباً على المجتمع الكوردي بتكريسه العنف ضمن التركيبة النفسية للإنسان.
واثر بشكل أكبر على المرأة الكوردية، حيث فاقم من ضغط الرجل والمجتمع عليها، كنوع من التعويض عن حالة القهر التي يمارسها المحتل المستبد على الرجل.
وليس خافياً تأثير الدين الاسلامي واسهامه بشكل كبير في تقييد المرأة اجتماعياً وسياسياً.
فبعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ساهمت في تبرير تقييد المراة واضطهادها، كقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) وقوله: (وللرجال عليهن درجة).
كما في بعض احاديث للنبي (ص): (لا بارك الله في قوم ولت امرهم إمرأة) وفي حديث آخر: (أطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء.
واطلعت في جهنم فرأيت اكثر أهلها النساء).
بشهادة الكثير من المستشرقين، تختلف المرأة الكوردية عن نساء الأمم المجاورة، باعتبارها منفتحة واجتماعية وتستقبل الضيف، وتشارك في العمل الزراعي والرعي والمهن والحرف المختلفة والحياة الاجتماعية إلى جانب الرجل.
ولم تكن المرأة الكوردية اسيرة الحجاب رغم الاحتشام الذي يتميز به لباسها الفولكلوري.
كما كانت الحامي والحاضن الأساسي للغة والفولكلور الكورديين _ كما أسلفنا _ رغم كل حملات الاضطهاد وطمس اللغة والثقافة ومحاولات تغيير البنية الاجتماعية والثقافية والديموغرافية للمجتمع الكوردي من قبل أنظمة الدول الحاكمة لاجزاء كوردستان.
وتشر الامثال الشعبية الكوردية الى اهمية المراة في المجتمع، وعلى سبيل الذكر: “المرأة عمود البيت”، “الأسد أسد، ليثاً كان أم لبوة”.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الذي جعل مكانة المرأة الكوردية في عموم اجزاء كردستان تتدهور وتصل إلى هذا الحد الكبير من الانحطاط سواء من ناحية التقييد على لباسها وحرية حركتها أو من خلال تحييدها اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً؟.
كل هذا اسهم في تكبيلها وتعطيل قواها وتغييبها ومنعها من لعب دورها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المفترض بها القيام به.
المتتبع لشان المرأة في الحراك السياسي الكوردي منذ نشوء اول حزب سياسي كوردي سوري سنة 1957 يدرك الازدواجية التي تتعاطى بها الاحزاب السياسية الكوردية مع المرأة!.
فجميع هذه الاحزاب تمتلك منظمات نسائية، في حين تفتقر قيادات الاحزاب للعنصر النسائي.
وعلى الرغم من أن التكاثر الانشطاري للاحزاب السياسية الكوردية أوصل عناصر تفتقر للكفاءة الى مراكز القيادة الحزبية إلا أن الذهنية الحزبية العشائرية منعت من وصول المرأة إلى مراكز القرار السياسي، ناهيك عن ان مسؤولي المنظمات النسائية في اغلب هذه الاحزاب هم من الرجال!.
يستثنى من ذلك حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) فهو يملك منظمة نسائية اكثر فعالية من منظمات باقي الاحزاب الكوردية وتتبوأ المراة فيه مراكز قيادية سياسية وتنظيمية بارزة وهامة.
وهذه التجرية آتية من تجربة حزب العمال الكوردستاني (pkk) وليست كوردية سورية صرفة.
لكن يؤخذ عليها ان المرأة الكوردية وفي سياق خوض النضال التحرري النسائي على كافة الاصعدة ومناهضتها للذهنية الذكورية الا انها أسيرة التزمت الايديولوجي الذي جر المرأة بعيداً عن طبيعتها الانثوية، نحو الخشونة الذكورية نتيجة مزاولة العنف والقتال ضمن حزب العمال الكوردستاني.
اما وجود المراة الكوردية في كوردستان سوريا كناشطة سياسية واجتماعية مستقلة، فهو ضعيف، إذا لم يكن معدوماً.
وحضورها في الوسط الثقافي خجول، على الرغم من وجود اقلام نسائية قوية ولافتة.
وبالتالي فالحراك السياسي الكوردي يفتقر لوجود منظمات نسائية مستقلة، تعنى بشوؤن المرأة.
وكان هنالك عدة محاولات طال أكثرها الفشل والتشرذم.
والحال هذه فإن تمثيل المراة في المجلس الوطني الكوردي يشكو الضعف سواء كانت مستقلة ام حزبية، وخاصة على المستوى القيادي.
أما في مجلس الشعب التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي، فتمثيل المرأة جيد ولافت للاسباب المذكورة سابقاً.
وهذا التمثيل، يطغى عليه الصبغة الحزبية والايديولوجية، مما يفقده التمثيل العام للمرأة الكوردية في سوريا، باعتبار أن الايديولوجيا التي يتبناها هذا الحزب تبقى حزبية، وربما تتفق معها شرائح واسعة من المرأة الكوردية السورية.
وفي مسعى الاحزاب الكوردية المنضوية في المجلس الوطني الكوردي تدارك هذا النقص، تم الايعاز لمنظماتها النسوية بتشكيل تنسيقيات واتحادات نسائية وحضها على المشاركة في الحراك السلمي، من قبيل المكياج السياسي أو الديكور السياسي، وليس رغبةً منها في تفعيل دور المرأة بشكل جدي من خلال تفعيل منظماتها النسائية وإشراكها في المجلس الوطني الكردي باعتبارها عضواً حزبياً ناشطاً، لا أن تخصص لها كوتا!.
فلا يعقل أن خمسة عشرة حزباً سياسياً يملك خمسة عشرة منظمة نسائية عاجزة عن اشراك خمسة نساء في قيادة المجلس الوطني الكوردي ولجنته التنفيذية؟!.
وسواء كانت هذه التنسيقيات والاتحادات النسائية التي أعلن عنها مؤخراً حزبية او مستقلة كما تدعي، فهي مطالبة بتكثيف جهودها والعمل على توسيع رقعة المشاركة النسوية في الحراك الشعبي السلمي.
وإلا لغدا وجودها كعدمه ولذر الرماد في الاعين ومن باب رد الانتقادات الموجهة للاحزاب الكوردية بهذا الخصوص.
فالاحتفال باليوم العالمي للمرأة وبيوم مناهضة العنف ضد المرأة لا يغدو شكلاً من التحايل والتضليل اذا لم يكن مقروناً بواقع عملي على الارض يجسد الشعارات التي تطرحها الاحزاب الكوردية في سوريا عن حرية المرأة منذ عقود.
ولان الاحزاب الكوردية تتعامل مع مؤسسات المجتمع المدني بشكل استثماري، كالمنظمات الحقوقية على سبيل الذكر، إلاّ انها تلجأ الى استثمار الحراك النسائي أيضاً ولو بشكل متأخر جداً، بجعله ملحقاً وتابعاً للحراك السياسي الذكوري وليس متلازماً ومكملاً له.
اعتقد ان الحراك الثوري النسائي المتواضع، مطالب بأن يوقظ الحراك السياسي الكوردي من سبات الذكورية العميق.
على المرأة الكوردية في سوريا ان تتخلص من عقد العجز وان السياسة والتنظيم والعمل الاجتماعي والحقوقي هو حكر على الرجال فقط.
وان المرأة مكانها البيت والمطبخ وانجاب الاطفال وتربيتهم فقط.
يجب على المرأة ان تعلّم الرجل كيف يتحرر من ذهنيته وأوهامه وتسلطه، دون خلق حالة من التصادم المتزّمت والماقت والكاره لكل ما هو ذكوري وكأنها في حرب أزلية بين الذكر والانثى لحسم من يريد السيطرة على الآخر!.
يجب على المرأة ان لا تمارس فعل انتقام من الرجل، اثناء سعيها النضالي التحرري واعتبار الرجل ممثل 5000 الاف سنة من عمر اضطهاد واستعباد المرأة.
هكذا سلوك ينمي العداونية والكراهية عند المرأة تجاه الرجل بحجة مناهضة الذكورة والمجتمع الذكوري، ويجعل من المرأة تبتعد عن حقيقتها الانثوية وتصبح الفعل المنعكس للذهنية الذكورية.
ان احداث حالة من التنمية الاجتماعية والنهضة السياسية في كوردستان سوريا يلزمه مراجعة نقدية جادة تجريها المرأة الكوردية لنفسها وتجريها الاحزاب الكوردية لنفسها.