بقلم: فؤاد عليكو
خرجت روسيا أو (الاتحاد السوفيتي سابقا) منتصرة من الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن المنصرم إلى جانب الولايات المتحد الأمريكية وترافق ذلك بانهيار ألمانيا وتقلص دور فرنسا وبريطانيا عن الساحة الدولية لصالح القوتين الجديدتين وانسحابهما من معظم مستعمراتهما التي نالت استقلالها على اثر انتهاء الحرب واستحوذت روسيا على نصف مساحة أوربا تقريبا وشكلت أنظمة شيوعية وفق نمطها وكذلك سعت إلى بناء علاقات مع العديد من دول الشرق الأوسط المستقلة حديثا مستغلة امتعاض تلك الدول من السياسة الاستعمارية لفرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى وقوف أمريكا وحلفائها بقوة إلى جانب إسرائيل بشان القضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي رغم أنها من الدول السباقة إلى الاعتراف بدولة إسرائيل،
خرجت روسيا أو (الاتحاد السوفيتي سابقا) منتصرة من الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن المنصرم إلى جانب الولايات المتحد الأمريكية وترافق ذلك بانهيار ألمانيا وتقلص دور فرنسا وبريطانيا عن الساحة الدولية لصالح القوتين الجديدتين وانسحابهما من معظم مستعمراتهما التي نالت استقلالها على اثر انتهاء الحرب واستحوذت روسيا على نصف مساحة أوربا تقريبا وشكلت أنظمة شيوعية وفق نمطها وكذلك سعت إلى بناء علاقات مع العديد من دول الشرق الأوسط المستقلة حديثا مستغلة امتعاض تلك الدول من السياسة الاستعمارية لفرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى وقوف أمريكا وحلفائها بقوة إلى جانب إسرائيل بشان القضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي رغم أنها من الدول السباقة إلى الاعتراف بدولة إسرائيل،
وكذلك رفعها لشعارات الاشتراكية والعدالة الاجتماعية ومبدأ حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة ، بالإضافة إلى وجود نواة للأحزاب الشيوعية العربية التي تشكلت ما بين الحربين العالميتين والتي عملت كمبشرين للسياسة الروسية السوفيتية الجديدة.
كل هذه العوامل خلقت أرضية خصبة لبناء علاقات سريعة وقوية مع الدول العربية ذات النظم الجمهورية (مصر – العراق- سوريا- اليمن – الجزائر- السودان – ليبيا….) ولم تستطع الدول العربية ذات النظم الملكية من مواجهة هذا المد الروسي في المنطقة العربية لاعتبارات سياسية تتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي والتخوف من التدخل المباشر من قبل بعض الدول العربية خاصة مصر عبد الناصر في شؤونها الداخلية ، لذلك اعتمدت مبدأ المسايرة مع هذه الدول والحفاظ على ترتيب بيتها الداخلي ومنعها من التصدع أمام المد الروسي والقومي العروبي، وبذلك أصبحت معظم الدول العربية تدور في فلك السياسة الروسية السوفيتية وتتبع أجنداتها الدولية وأضحت سوق تصريف لأسلحتها الدفاعية البحتة وضعيفة التقنية ،وتطبيق بشع لسياستها القمعية بحق شعوبها،واستمرت هذه السياسة حتى أواسط الثمانينات من القرن المنصرم حتى بدأ التصدع في الجدار الفولاذي للمنظومة السوفيتية،خاصة بعد انهيار جدار برلين في 1989وتحررت أوربا الشرقية من الكابوس الروسي تباعا ثم بدأ الانهيار الكبير لكل منظومة روسيا السوفيتية عام 1991وتحررت معظم جمهوريات الشعوب المستعمرة من قبل روسيا السوفيتية ونالت استقلالها، وتقوقعت روسيا على نفسها تعالج قضاياه الداخلية، وبمجيء بوتين إلى السلطة وهو رجل المؤسسة الأمنية بامتياز حتى حاول بكل جهد إعادة هيبة روسيا الدولية وترميم علاقاتها مع حلفائها السابقين في الوقت بدل الضائع، لكن رياح الروس جرت بما لاتشتهي سفنهم ، إذ خرجت مصر مبكرا من تحت عباءتها بعد التوقيع مباشرة على معاهدة كامب ديفيد 1979بين مصر وإسرائيل ثم انهار الصومال كليا ولم تستطع إن تفعل شيئا لدكتاتور العراق صدام حسين وهو يئن تحت ضربات قوات الناتو في عام 2003 وكذلك يوغسلافيا، وما أن حل الربيع العربي للتغيير في بداية عام 2011حتى كان المقبور معمر القذافي الحليف القوي لروسيا من أوائل المودعين الى دار الآخرة ولازال مصير علي صالح مجهولا وبالتأكيد سوف تناله عدالة الثوار، وخرجت السودان منقسمة ومنهكة وتنتظر حكامهم المحاكم الدولية بفارغ الصبر، وهكذا لم يبق في يدها من الشرق الأوسط سوى حليفها النظام السوري والحليف الجديد إيران والاثنان يعانان الاضطرابات الداخلية والضغوط الخارجية، وإذا كان المشهد السوري تتصدر الواجهة اليوم نظرا لتصاعد وتيرة الثورة فيه، فهذا لايعني أن إيران في وضع مريح وفي منأى عن التغيير، لذلك ليس غريبا أن نجد الروس والإيرانيين معا يدافعون بكل قوة وشراسة عن بقاء النظام في سوريا وكل من زاوية مصالحه الإستراتيجية الخاصة به، فإيران تدفعها نزعة التوسع الطائفي في المنطقة العربية وقد أوضحنا ذلك في مقال سابق أما روسيا التي باتت تدرك تماما بأن رحيل النظام الحالي في سوريا يعني رحيل الروس من البحر الأبيض المتوسط بكل تفاصيله السياسية والاقتصادية والعسكرية ، لما للبحر الأبيض المتوسط من أهمية إستراتيجية على صعيد المعادلة الجيو-سياسية الدولية ، لذلك لن يتوانى في تقديم كل أشكال الدعم للنظام سواء السياسي أو العسكري، خاصة إذا علمنا إن الساسة الروس يعتمدون أساسا على مفهوم مبدأ المصالح في السياسة أولاً وأخيرا، بعيدا عن كل معيار أخلاقي أو أنساني فالديمقراطية وحقوق الإنسان والقتل والسجن والاعتقال لاتعني لهم شيئا أمام تأمين مصالحهم وبقاء حليف المصالح في السلطة، وهذه ثقافة متأصلة لديهم منذ نجاح ثورتهم البلشفية في روسياعام1917والتي دفع الشعب الروسي ثمن استمراريتها أكثر من عشر ملايين قتيل من المناهضين لهم أوحتى من المنتقدين من أنصارهم في العشرينات وحتى الخمسينات من القرن المنصرم .
والنظام الروسي الحالي وبوتين تحديدا سليل هذه الثقافة وبالتالي لايهمهم نداء الاستغاثة من الشعب السوري ولا الأمهات الثكلى ولا المتجمع الدولي ولا الجامعة العربية وقراراتها المتتالية، بل على العكس من كل ذلك بعث بوزير خارجيته لافروف إلى دمشق ليطلب من النظام ممارسة القوة المفرطة كما فعل هو مع الشعب الشيشاني لإنهاء الثورة بسرعة،وهكذا كان ملفتا للمتابع وبمجرد مغادرة الوزير سوريا حتى بدأ الآلة العسكرية تعمل بشكل هستيري في قمع الشعب وارتفعت وتيرة ومعدل القتل من 30 الى 40 قتيل يوميا لترتفع إلى أرقام تتجاوز المائة يوميا عدا عن التدمير الممنهج للأحياء السكنية وهدم البيوت على رؤوس أصحابها وما مجزرة بابا عمروا إلا مثالا متواضعا عما يحصل في سورية اليوم.
إذا روسيا اليوم أمام منعطف تاريخي جديد لإحياء الحرب الباردة وإظهار نفسها من جديد على أنها احد القوة العالمية الرئيسية في القطب الثاني من المعا دله الدولية بموازاة أمريكا والغرب ،ومن سوء حظ الشعب السوري أن تكون ساحة هذه (الصحوة الروسية) على الأرض السورية ويدفع الشعب السوري ثمنا غاليا لهذه السياسة الرعناء والسؤال هل الغرب سيسمح لها بذلك؟وهل لدى الغرب الاستعداد على مواجهة الدب الروسي من جديد؟وهل اوباما بسياسته المرنة مؤهل للعب دور القائد للسياسة الدولية في هذه المرحلة؟وكم يدفع الشعب السوري الثمن حتى يتحرك الضمير العالمي؟.
كل هذه العوامل خلقت أرضية خصبة لبناء علاقات سريعة وقوية مع الدول العربية ذات النظم الجمهورية (مصر – العراق- سوريا- اليمن – الجزائر- السودان – ليبيا….) ولم تستطع الدول العربية ذات النظم الملكية من مواجهة هذا المد الروسي في المنطقة العربية لاعتبارات سياسية تتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي والتخوف من التدخل المباشر من قبل بعض الدول العربية خاصة مصر عبد الناصر في شؤونها الداخلية ، لذلك اعتمدت مبدأ المسايرة مع هذه الدول والحفاظ على ترتيب بيتها الداخلي ومنعها من التصدع أمام المد الروسي والقومي العروبي، وبذلك أصبحت معظم الدول العربية تدور في فلك السياسة الروسية السوفيتية وتتبع أجنداتها الدولية وأضحت سوق تصريف لأسلحتها الدفاعية البحتة وضعيفة التقنية ،وتطبيق بشع لسياستها القمعية بحق شعوبها،واستمرت هذه السياسة حتى أواسط الثمانينات من القرن المنصرم حتى بدأ التصدع في الجدار الفولاذي للمنظومة السوفيتية،خاصة بعد انهيار جدار برلين في 1989وتحررت أوربا الشرقية من الكابوس الروسي تباعا ثم بدأ الانهيار الكبير لكل منظومة روسيا السوفيتية عام 1991وتحررت معظم جمهوريات الشعوب المستعمرة من قبل روسيا السوفيتية ونالت استقلالها، وتقوقعت روسيا على نفسها تعالج قضاياه الداخلية، وبمجيء بوتين إلى السلطة وهو رجل المؤسسة الأمنية بامتياز حتى حاول بكل جهد إعادة هيبة روسيا الدولية وترميم علاقاتها مع حلفائها السابقين في الوقت بدل الضائع، لكن رياح الروس جرت بما لاتشتهي سفنهم ، إذ خرجت مصر مبكرا من تحت عباءتها بعد التوقيع مباشرة على معاهدة كامب ديفيد 1979بين مصر وإسرائيل ثم انهار الصومال كليا ولم تستطع إن تفعل شيئا لدكتاتور العراق صدام حسين وهو يئن تحت ضربات قوات الناتو في عام 2003 وكذلك يوغسلافيا، وما أن حل الربيع العربي للتغيير في بداية عام 2011حتى كان المقبور معمر القذافي الحليف القوي لروسيا من أوائل المودعين الى دار الآخرة ولازال مصير علي صالح مجهولا وبالتأكيد سوف تناله عدالة الثوار، وخرجت السودان منقسمة ومنهكة وتنتظر حكامهم المحاكم الدولية بفارغ الصبر، وهكذا لم يبق في يدها من الشرق الأوسط سوى حليفها النظام السوري والحليف الجديد إيران والاثنان يعانان الاضطرابات الداخلية والضغوط الخارجية، وإذا كان المشهد السوري تتصدر الواجهة اليوم نظرا لتصاعد وتيرة الثورة فيه، فهذا لايعني أن إيران في وضع مريح وفي منأى عن التغيير، لذلك ليس غريبا أن نجد الروس والإيرانيين معا يدافعون بكل قوة وشراسة عن بقاء النظام في سوريا وكل من زاوية مصالحه الإستراتيجية الخاصة به، فإيران تدفعها نزعة التوسع الطائفي في المنطقة العربية وقد أوضحنا ذلك في مقال سابق أما روسيا التي باتت تدرك تماما بأن رحيل النظام الحالي في سوريا يعني رحيل الروس من البحر الأبيض المتوسط بكل تفاصيله السياسية والاقتصادية والعسكرية ، لما للبحر الأبيض المتوسط من أهمية إستراتيجية على صعيد المعادلة الجيو-سياسية الدولية ، لذلك لن يتوانى في تقديم كل أشكال الدعم للنظام سواء السياسي أو العسكري، خاصة إذا علمنا إن الساسة الروس يعتمدون أساسا على مفهوم مبدأ المصالح في السياسة أولاً وأخيرا، بعيدا عن كل معيار أخلاقي أو أنساني فالديمقراطية وحقوق الإنسان والقتل والسجن والاعتقال لاتعني لهم شيئا أمام تأمين مصالحهم وبقاء حليف المصالح في السلطة، وهذه ثقافة متأصلة لديهم منذ نجاح ثورتهم البلشفية في روسياعام1917والتي دفع الشعب الروسي ثمن استمراريتها أكثر من عشر ملايين قتيل من المناهضين لهم أوحتى من المنتقدين من أنصارهم في العشرينات وحتى الخمسينات من القرن المنصرم .
والنظام الروسي الحالي وبوتين تحديدا سليل هذه الثقافة وبالتالي لايهمهم نداء الاستغاثة من الشعب السوري ولا الأمهات الثكلى ولا المتجمع الدولي ولا الجامعة العربية وقراراتها المتتالية، بل على العكس من كل ذلك بعث بوزير خارجيته لافروف إلى دمشق ليطلب من النظام ممارسة القوة المفرطة كما فعل هو مع الشعب الشيشاني لإنهاء الثورة بسرعة،وهكذا كان ملفتا للمتابع وبمجرد مغادرة الوزير سوريا حتى بدأ الآلة العسكرية تعمل بشكل هستيري في قمع الشعب وارتفعت وتيرة ومعدل القتل من 30 الى 40 قتيل يوميا لترتفع إلى أرقام تتجاوز المائة يوميا عدا عن التدمير الممنهج للأحياء السكنية وهدم البيوت على رؤوس أصحابها وما مجزرة بابا عمروا إلا مثالا متواضعا عما يحصل في سورية اليوم.
إذا روسيا اليوم أمام منعطف تاريخي جديد لإحياء الحرب الباردة وإظهار نفسها من جديد على أنها احد القوة العالمية الرئيسية في القطب الثاني من المعا دله الدولية بموازاة أمريكا والغرب ،ومن سوء حظ الشعب السوري أن تكون ساحة هذه (الصحوة الروسية) على الأرض السورية ويدفع الشعب السوري ثمنا غاليا لهذه السياسة الرعناء والسؤال هل الغرب سيسمح لها بذلك؟وهل لدى الغرب الاستعداد على مواجهة الدب الروسي من جديد؟وهل اوباما بسياسته المرنة مؤهل للعب دور القائد للسياسة الدولية في هذه المرحلة؟وكم يدفع الشعب السوري الثمن حتى يتحرك الضمير العالمي؟.