المنطقة تندفع نحو المجهول

 افتتاحية جريدة الوحدة (يكيتي)*

لقد بات واضحاً أن منطقة الشرق الأوسط تقف أمام منعطف كبير، تدلّ عليه سلسلة الاضطرابات وحالات عدم الاستقرار والفوضى الأمنية التي تهدّد بحروب أهلية في أكثر من دولة، يتصدرها العراق الذي تحوّل مؤخراً إلى مركز رئيسي للإرهاب المدعوم إقليمياً والمترافق مع أجواء عدم الثقة السائدة خاصة بين السنة والشيعة اللتين تصاعدت وتيرة الصراع بينهما لتصل إلى درجات خطيرة زادت من تعقيدات الوضع الأمني وأربكت الإدارة الأمريكية التي بدأت بإجراء مراجعة شاملة لسياستها القائمة والبحث عن استراتيجية جديدة لم تتبلور معالمها بعد، لكنها من حيث المبدأ تتجه نحو تمكين الجيش والشرطة العراقية من أداء مهامهما بشكل مقبول، والعودة لسياسة التحالفات الدولية وإشراك بعض القوى الإقليمية في جهود إعادة الاستقرار.

وفي هذا الاتجاه خرج وزير الخارجية الأمريكي الأسبق / بيكر/ بتوصياته الداعية إلى الاستعانة بدول الجوار وخاصة سوريا وإيران اللتين تملكان علاقات واسعة في الداخل العراقي لضبط الأمن، وترافقت تلك التوصيات مع تحرك دبلوماسي بريطاني نحو سوريا للتباحث معها بشأن العراق، إضافة لاتصالات سرية مع إيران لنفس الهدف، ومن هنا جاءت زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى بغداد في 20/11/2006 لملاقاة هذا التوجه المفترض ولفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين واستئنافها وضبط الحدود بينهما.
وبما أن هذه الزيارة ما كان لها أن تتم بدون ضوء أخضر أمريكي، فإن الجانب السوري أراد منها إبداء استعداده للتعاون المشترك في إطار مبادلته بمكافآت سياسية، قد تشمل حسب رأيه رفع الضغوضات التي تتعرض لها سوريا والسماح بعودة نفوذها إلى لبنان وعدم الاعتراض على إتمام اتفاقية الشراكة الأوربية معها وتهميش موضوع المحكمة الدولية بشأن اغتيال الحريري، وترافقت تلك الزيارة مع زيارة الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني لطهران التي دعت إلى قمة ثلاثية تشارك فيها أيضاً سوريا…ورغم أن تلك القمة لم تعقد بسبب تباين الأجندة والتحالفات التي تربط بين كل من سوريا وإيران مع الداخل العراقي، فإنها أثارت مع توصيات لجنة  /بيكر- هاملتون / قلق العديد من الجهات داخل الإدارة الأمريكية، وكذلك في المعسكر العربي المعتدل، وتجلت بشكل خاص في زيارة نائب الرئيس الأمريكي(ديك شيني ) للسعودية وزيارة الرئيس بوش لعمان حيث قوبلت الزيارتان بتحذيرات وتخوفات بعض دول المنطقة من خطورة منح مكافآت نووية لإيران وأخرى لبنانية لسوريا مقابل تعاونهما المفترض مع الإدارة الأمريكية في العراق، وذلك انطلاقاً من أن مطالبة إيران بالمساعدة في تأمين الاستقرار وتوفير الأمن ووقف الاقتتال الطائفي هناك، ومواصلة الضغوطات، بنفس الوقت من أجل تخلّيها عن برنامجها النووي ومتابعة السعي لإسقاط نظامها، هي أمور لا يمكن التوفيق فيما بينها، فإيران تطالب مقابل ذلك التعاون بمكاسب اقتصادية وتجارية وسياسية،خاصة وأنها تمسك أوراقاً إقليمية عديدة تشكل بمجملها عناصر مهمة للسياسة الإيرانية التي تتوزع في ثلاث اتجاهات رئيسية :
أولها العراق الذي تعمل فيه على تصعيد التوتر من خلال تنشيط عمليات الانتقام الطائفي والسياسي عن طريق جماعاتها هناك، وخاصة جيش المهدي وما تسمى بفرق الموت، وثانيها تأجيج المشاعر والعواطف القومية والإسلامية في الشارع العربي من خلال المزاودة بشأن القضية الفلسطينية وتصعيد النبرة السياسية حيالها لتصل إلى درجة الدعوة لإزالة إسرائيل على لسان الرئيس المحافظ محمود نجاد والتلاعب بعواطف بعض الفلسطينيين بهذه الديماغوجيا المتطرفة لدفع المنظمات الإسلامية الفلسطينية المتحالفة معها نحو المزيد من الانعزال والممانعة بشأن التوصل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تزداد الحاجة لها لفك الحصار والمباشرة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي ترضى بها معظم الفصائل الفلسطينية جارة مسالمة لدولة إسرائيل، في حين يرفض الجانب الإيراني هذا الوجود لدولة باسم إسرائيل، أما ثالث عناصر السياسة الإيرانية، فهي تصعيد التوتر في لبنان، ابتداءً من الإيعاز بأسر الجنديين الإسرائيليين وما تبعته من تداعيات حرب تموز التي ألحقت الدمار بالبنية التحتية اللبنانية، لتستثمر في الدعاية لحزب الله الذي حاولت ماكينته الإعلامية إيهام الناس بنصر إلهي، بنت عليه حقوقاً مزعومة في التحكم بمصير لبنان ومستقبله، والمطالبة، على هذا الأساس، بالثلث المعطّل في الحكومة اللبنانية، وتحريض الحزب المذكور على الاعتصام المفتوح الذي عطّل الحياة السياسية والاقتصادية ووضع لبنان على شفى هاوية الحرب الأهلية، وخطط لهذا الاعتصام أن تتزامن الدعوة له مع زيارة بوش الأخيرة لعمان ورفضه من هناك لدعوات الاستعانة بإيران في معالجة الأزمة الأمنية في العراق، مما يشير بوضوح إلى تكامل العناصر الثلاثة لتلك السياسة الإيرانية وإلى الترابط الوثيق بين ملفات لبنان وفلسطين والعراق، مما يؤكّد بالتالي على ضرورة التعجيل بإيجاد الحلول لقضاياها المتشابكة بشكل متزامن، وهو ما يقترحه الجانب العربي المعتدل الذي نقل للرئيس الأمريكي الزائر في عمان ولنائبه في الرياض بأن أخطاء السياسة الأمريكية أثرت سلباً على الدور الإقليمي لدول الاعتدال التي تشمل السعودية ومصر والأردن، وأبدى هذا الجانب خشيته من أن أدوار تلك الدول سوف تنهار إذا خضعت الإدارة الأمريكية لإملاءات التطرف والابتزاز القادمة من طهران، كما نقل هذا الجانب بأن القضية الفلسطينية هي المدخل الأساسي للتعامل مع قضايا المنطقة، وأن تلك القضية يجب أن تتحرر من ارتهان حركة حماس ومن قيود الاستثمار الإيراني لها من جهة، ومن التعنت والصــلف الإســـرائيلي من جــهة أخرى   ومن هنا يمكن أن نفهم أبعاد الهدنة الأخيرة التي أتفق عليها الفلسطينيون والإسرائيليون، وكذلك الجهود المصرية الرامية لإنجاح اتفاقية تبادل الأسرى بين الجانبين، ومساعيها لتشكيل حكومة وحدة وطنية، كما نفهم المقترحات الأخيرة لرئيس وزراء إسرائيل بشأن الإقرار بدولة فلسطينية إلى جانب الدولة العبرية، ونفهم كذلك القلق العربي العام بشأن الاعتصام المفتوح في بيروت الذي يعتبره المراقبون السياسيون رسالة إيرانية تتضمن التهديد بتفجير الوضع اللبناني وتريد المساومة عليه بإقرار الدور والنفوذ الإيراني في المنطقة، مما يثير مخاوف الجوار العربي وقلقه الذي تجلى في الانتقاد العربي والدولي الواسع لاعتصام حزب الله والتهديد بتدخلات عربية في حال استمرت التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي اللبناني، ويأتي قرار الرئيس الأمريكي بدعم حكومة السنيورة وسلطة محمود عباس ومواصلة دعم حكومة المالكي والتخلي عن فكرة الاستعانة بسوريا وإيران، لتصب في نفس الإتجاه،وتبديد تلك المخاوف العربية…
مما تقدم، يتأكد يوماً بعد آخر، بأننا أمام مرحلة جديدة قد تشهد استعادة الدور الإقليمي لبعض دول المنطقة، وذلك بعد الخلل الذي أصاب موازين القوى فيها نتيجة التفرّد الأمريكي واختصار الصراع في المنطقة لينحصر عملياً بين أمريكا وإسرائيل من جهة وإيران وحليفاتها من جهة ثانية، وذلك على حساب تهميش أدوار تلك الدول، وخاصة المحور السعودي المصري الأردني، الذي يخشى من الطموحات الإيرانية المحمولة على فكرة إحياء تصدير الثورة إلى الجوار الإسلامي والعربي والساعية لجر الإدارة الأمريكية إلى انسحاب غير متدرج يترك وراءه عراقاً خاضعاً لهيمنة التيار المتطرف للطائفة الشيعية، وتحريك الشارع الشيعي في مختلف الدول العربية اعتباراً من لبنان إلى الخليج من أجل ضمان النفوذ الإيراني وانتزاع الاعتراف بدور إيران في المنطقة وتأمين وحماية مصالحها الحيوية فيها.
وفي غضون ذلك فإن الوضع الكردي وخاصة في كردستان العراق لن يكون بعيد أيضاً عن نتيجة هذا الصراع الجاري في المنطقة، حيث يتأثر به سلباً أو إيجاباً، لأنه سيكون أحد مواد المساومة بين أي طرفين، عندما يكون النظام الإيراني أحدهما، خاصة في ظل الاندفاع التركي المحموم باتجاه الإقدام على عقد صفقات تاريخية معروفة للتآمر على القضية الكردية عموماً، وهو ما يمكن تلمسه والحذر منه عند متابعة المحادثات التي أجراها رئيس وزراء التركي ( اردوغان ) مع المسؤولين الإيرانيين في طهران مؤخراً والتي تركزت على كيفية التعامل والتنسيق بين الجانبين حيال الوضع العراقي بشكل عام ومواجهة الطموحات القومية الكردية بشكل خاص من خلال التباكي على وحدة العراق.
——–

* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا- يكيتي- العدد 160 تشرين الثاني 2006

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…