أن تكون آذارياً بامتياز

 إبراهيم محمود

 ليس آذار” الشهر الكوني الفضيل في مآثره” لوناً واحداً من ألوان الحياة، ليس إيقاع ألم، أو انكسار حلم، أو صرخة معذَّب، أو انتفاضة شعب، أو تطلعات شعوب في تاريخنا الطويل…الخ، إنه كل ذلك، على الأقل من خلال ذاكرتنا القريبة التي لا يخطئها النظر حيث الوقائع الآذارية تشغلنا في السرَّاء والضراء، أكثر من الحدث القامشلاوي” 12 آذار/2004″، والعلامة الكردية النافذة في تكوينه الطبيعي، لأن المباح في آذار وكذلك المستباح فيه، استثناء آذاري حتى اللحظة، ولأن الحدث القامشلاوي سالف الذكر، رغم مأثرته الكردية، وعنف الجاري فيه، لا يستأثر به وحده، فثمة السابق واللاحق.
 أي حين يعدنا أو يتوعدنا بآذار مختلف، بحدث من العيار الثقيل والمهيب، كما اعتدناه، وكما ترقبناه ونترقبه، حيث تتلون ذاكرتنا الكردية الجمعية، أو تنبض في مقام آذاري، لحظة التفكير بالراحل الكبير: البارزاني، وصدمة حلبجة المدوية، وخاصية عيد المرأة الكردية، والراحل الأثير محمد شيخو، وهبَّة 12 آذار قامشلو، ونوروز الرحَّالة الأبدي فينا..الخ.

كما لو أن المقدَّر لآذار وفيه، هو أن يكون جامع النقائض، وحاضن العرائض من هنا وهناك، وذلك هو مدهشه فينا.

يمكن لقراءة فلكية أن تتلمس فيما هو آذاري هذا الزخم في تلويناته، في هذا الوصل والفصل بين الآلم والمفرح، بين عنف خصم أو عنف لا يريد أن لآذار- آذار واحد- أن يمر دون اصطباغه بدم أضحية: كردية أو غير كردية، وتسجيل مأثرة له تحيل إليه الشهر باعتباره امتيازه السلطوي أو القمعي، ومجابهة مضادة وآسرة تعيد إلى آذار آذاريته النافحة.

في لائحة أحداثه ووقائعه، يسهل على أي كان أن يجد نفسه فيه، في مرآته، إذ ليس كل من تنفس الصعداء، أو شهد الشهر أمعن فيه النظر واستخلص منه العبر، ليس كل من يخفق بين جنبيه قلب، يضفي على آذار انقلابه الربيعي، وحظوة مستعادة من المسار الفلكي حيث الشمس تبدأ بالنهوض أكثر، والأرض تتهيأ أكثر للكشف عن مباذلها.

 يمكن لقراءة ثقافية أن تمعن فيه النظر، وتشكل درسها التاريخي الموهوب على مر مئات وربما آلاف السنين، حيث الأثر الآذاري لا يني يتنوع، كما لو أنه المخلص لاسمه، والفاصل بين الشهور، وإن كان المنتمي إلى رهطها الاثني عشري.

تلك هي الثقافة التي تسمّي شعوباً وأمماً، تسمّي النوروز الكردي وغير الكردي، وتقيم علاقات بين الأمم والشعوب ذات المرجعية الآذارية، والقائمة آذارياً، أو الدائرة في رحاب آذار” مارس” أكثر من آذار” آڤدار”، وهو الاصطلاح المستجد لشعب يريد أن يعيش قوام الشجر ونباته، كما يتقمص أبهاء الأرض وحيلتها في تجميل فصولها ووشي جنباتها..

في كل حاضرة آذارية بهاء شهي،هو نفحة رؤيا واكتشاف لعالم آخر، لعله الاستعداد للمختلف، حتى لو كان موجعاً بدايةً.

ثمة إذاً ضرورة للتركيز على ما يصلنا بآذار المقام والموقع، على التلاقح الحياتي والأخوي والأممي كذلك، بين الكردي وغيره، بين سوى الكردي والكردي، حيث باع آذار الطويل حتى سدة المنتهى، حيث آذار في تنوع ألقابه ووحدة اسمه، يرتقي إلى مستوى التوحيد الإبراهيمي، كما هي تراجيديا الكفاح وملحمة الانتصار ميثولوجياً على كل طاغية تاريخ.

ليكون دائمئذ، هذا” التآذر” العرَّاب المنشود في نقلتنا النوعية إلى الأروع إنسانياً نحن أولو أمره والمهتدين باسمه الوهاب، من خلال دمنا المشترك الذي ينطق بلغات شتى، ولكنه يُضخ كما هو عنفوان الحياة في جسدنا الجمعي والطوعي..

ثمة فولكلوريات آذارية، ثمة آذاريات تتصارع فيما بينها، كما يعلم بذلك منتظرو آذار الطليعي بين الشهور، وكما يقدّر ذلك المتخوفون من مباغتات آذار وعصفه أحياناً، وكما يظن من به زيغ وانحراف زاوية نظر، لحظة التفكير في أن آذار على الأبواب، وكما يصاب بهلع، أولئك الذين لم يستطيعوا الدخول في ذمة آذارية مستحقة كما يجب، كردياً وغير كردي.

 يبدو إذاً، أن لكل منا آذاره، ولكل نوع آذاري أنصاره، وبين هؤلاء وأولئك تتناسل آذاريات وتترى أطيافها ومشاهدها.

لكن كل هذا التنوع الآذاري لا يعتّم على اعتباره آذارنا الذي اختارنا هو بتقدير فلكي ذات يوم، إن جاز التعبير، منذ لحظة ظهور” كاوا”، دون أن نحتكره لأنفسنا، فهو مباح ومتاح لكلّ الشعوب، كما هي نجوم السماء، وليكون خيارنا نابعاً من غموض يتجاوزنا في سرّه، كامن في تكويننا، عندما ينقَّب في اسم الكردي، وما يجعله ربيب قدر لا يُذاع له سر..

لكن كل هذا الاختلاف الآذاري حيث أهواء آذار ومشتقات منغّصاته، وكذلك مستجداته الواعدة بالآمال، اختلاف لا يعكّر صفوَ كل آذاري يؤمن بدورة الفلك، والموعود به على عتبة آذارية، كما هو الراهن أو الجاري فينا ومن حولنا.

أن يكون آذار حاملاً لأختام ” الكل” فهو ثراؤه، وقدرته على تبنّي التنوع، ولكنه، قبل كل شيء، آذار المنعطف السنوي، وآذار الذي يقايَض فيه برده بدفء آت، وخصوبة طقسية تعيشها الأرض، ويترقبها أهلوها الذين لا يكفون عن ترداد: آذار، يا آذار، “هب لنا من لدنك أسوة حسنة”، هي الحياة المثلى التي آن لها أن تحل في جسوم مأخوذة بها منذ زمن.

سلاماً لآذار، ولكل آذاري، يعيش الروح الآذارية الدفاقة في كينونته أولاً، ويسمي آذاره ليكون آذاريَّ العلامة بجدارة!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…