لا مكان للتعصب الديني والطائفي في بلدنا

عبد الحميد درويش*

بعد قرار عصبة الأمم وضع سوريا تحت الانتداب الفرنسي عام 1920 أقدمت حكومة فرنسا على تطبيق سياسات من شأنها تثبيت أقدام ومصالح الحكومة الفرنسية ، واتخاذ التدابير الآيلة إلى إطالة أمد بقائها ووجودها في سوريا ، وكان من بين تلك التدابير والإجراءات إقامة عدة دويلات في البلاد على أسس طائفية ومذهبية مثل دولة حلب والعلويين والدروز والجزيرة ، وطبقت بذلك المبدأ الاستعماري المعروف ” فرق تسد ” ، ولكن لم ير هذا المشروع الاستعماري النور ، وقوبل من قبل أبناء الشعب السوري بالرفض الذين أبو أن يعيشوا مع بعضهم البعض في وطنهم سوريا على أسس طائفية أو مذهبية ، ولما تحررت سوريا في 17 نيسان 1946 أصبحت تلك المشاريع والأفكار الاستعمارية التي طرحتها فرنسا شيئاً من الماضي ، ولم يبق لها أي اثر على الحياة اليومية للمواطنين السوريين.

فقد صمم أبناء سوريا على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية بأن يعيشوا بأخوة ووئام دونما تمييز ولم يكن أحد من المواطنين يشعر خلال أكثر من ستين عاماً أعقب الاستقلال بأن هناك من يختلف معه في معالجة هذه القضية الاجتماعية أو تلك من مواقع دينية أو طائفية ، وظل أبناء سوريا في وحدة وطنية متماسكة من أجل صيانة استقلال البلاد وتطويرها وازدهارها يتمتع فيها كافة المواطنين بالحرية والمساواة ، وإذا ما بدر من فرد أو إنسان ما تصرفاً شاذاً في هذا المضمار فأنه يواجه بالشجب والاستنكار من جميع أبناء الشعب السوري ، ولا يرى له موطئ قدم في الميدان السياسي والاجتماعي ، فإن الاصطفاف كان ولا يزال يجري على قاعدة فكرية تضم جميع فئات وطبقات المجتمع السوري تنطلق من أسس مبدئية وسياسية بعيداً عن الانتماءات المذهبية والدينية ، فقد يرى المرء نماذج من مختلف الشرائح الاجتماعية وهي تتجمع في صفٍ واحد وفي حزب من الأحزاب السياسية العاملة في البلاد دونما مبالاة بالجذور الدينية والطائفية ، وفي السنوات الأخيرة وبعد أن برزت على الساحة بعض التيارات الأصولية في البلدان الإسلامية والعربية في هذه الظروف بادرت بعض الأوساط إلى تغذية المشاعر الدينية والطائفية كعملية مرادفة لتلك التيارات ، واستفادت هذه الأوساط وتلك التيارات من عوامل مساعدة على نشر مفاهيمها ، وفي مقدمة تلك العوامل الفراغ السياسي الذي خلفه تراجع الأفكار والمبادئ الاشتراكية في العالم ، وانهيار المعسكر الاشتراكي الذي كان يعول عليه في أن يلعب دوراً أساسياً في إيجاد حل لمعاناة الطبقات الفقيرة ، واضطهاد الشعوب ، ويقف في وجه ظلم واستبداد الأنظمة الحاكمة ، انطلاقاً من هذا الواقع بدأت هذه الأوساط تطرح نفسها كبديل عملي وفعال (من وجهة نظرها ) في مقارعة الامبريالية العالمية التي تثير كراهية الشعوب.

ويلاحظ في الوقت الحاضر بأن الثقافة الطائفية أخذت تتسع شيئاً فشيئاً وباتت تشكل هماً وهاجساً لكل الذين يهمهم أن يتطور مجتمعنا على أسس علمية، يمارس فيه كل إنسان شعائره الدينية بحرية تامة ، واحترام متبادل بين جميع أبناء الوطن مهما كانت انتماءاتهم الطائفية والدينية والمذهبية بعيداً ( عن التعصب ) الذي من شأنه خلق الكراهية والفتن بين المواطنين .

إن جميع الوطنيين والديمقراطيين في البلاد والذين يعز عليهم العيش المشترك القائم على التآخي والوئام أن يبادروا إلى الوقوف في وجه مثل تلك الآراء والتيارات ويشرحوا أخطارها لجماهير الشعب ، ويرفضوا ثقافة ( التعصب ) الديني والمذهبي ، حتى يجنبوا بلدهم المخاطر والفتن التي تتعرض لها بعض البلدان في الشرق الأوسط والعالم .

وإذا كنا ندعو إلى نبذ ثقافة التعصب الطائفي والديني ، فأن هذا لا يعني أبداً التقليل من احترام ومكانة المفاهيم الدينية والطائفية ، أو التخفيف من شأنها ، وإنما فقط من أجل المحافظة عليها في إطارها الحقيقي ، حسب القول المأثور : ((الدين لله والوطن للجميع )).

6/12/2006

————-

* سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…