مسلسل أيام الأسد معدودة

حسين جلبي

منذ أحدَ عشرَ شهراً يُشاهد السوريون مسلسلاً يومياً، رتيباً، رديئاً، تافهاً، مملاً، بطئ الإيقاع، يدعو للكآبة و الحزن، يُصيب المرء بالدوار و الغثيان و اليأس.

 منذ أحدَ عشرَ يتوالى على حياة السوريين ضيوفٌ ثقيلون، أثقل من دم بشار، كاذبون أكثر من أعلام بشار، متوحشون أكثر من شبيحة بشار، دمويون أكثر من قذائف بشار، يجعجعون، يكذبون، ينافقون.

بدأت الثورة السورية منذ أحدَ عشرَ شهراً، لكن العالم يرد عليها بثورة نفاق، أكبر منها زماناً و أرحب منها مكاناً، حتى لكأنها تكاد تبتلع  سوريا كلها و تجعلها شيئاً لا يُذكر أمام ملاحم الخطابة التي يقدمها.

فتح ثوار سوريا جبهة الحرية، ففتح عليهم العالم جبهات الثرثرة، تقدموا خطوة إلى الأمام فسكب عليهم العالم كل ما يمتلك من أرصدة كلامية، و دخل قادته في بازارات الإنشاء، يزاود على بعضه البعض، فيضيف كلٌ بهاراته الخاصة على الوجبة المجانية لتناسب الفاتورة الغير قابلة للصرف، دخل أبطال سوريا في ثورتهم بصدور عارية و إستثمروا فيها دماءهم، فكان رد العالم خُطب جوفاء، إستثمر فيها كل مشاريعه الإعلامية و الإنتخابية.
يسمع السوريون و يشاهدون يومياً المسلسل العالمي أيام الأسد معدودة، أحدهم يرسم خطوطاً حمراً للنظام فيكسرها هذا على رأسه، آخرون يتحدثون عن إقتراب النظام من فقدانه لشرعيته، و إنه لم يعد بإستطاعته أن يحكم، و إن أعمال العنف تثير أسئلة عن مصداقية إصلاحاته، و إنه يبدو أنه ليس له دور في مستقبل سوريا، و إن القمع العنيف يضر بأي فرصة للتفاوض، و إن ما يرتكبه يكاد يصل إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية، و إن ذلك يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة يصعب تجنبها، و إلى خسائر قد يصعب تعويضها، و يلخص ذلك كله عبارة كتبت على إحدى لافتات كفر نُبل: (العالم قلق من الوضع الراهن لأن الوضع الراهن يدعو للقلق).
يضحك النظام الثابت على نهجه ملأ شدقيه و هو يستمع لذلك، و يشاهد قادة العالم و هم ينتقلون مع حقائبهم المكدسة كلماتٍ من مكانٍ إلى آخر تجنباً للرتابة، و لتبادل الخطابات الطازجة، و للتلاعب على الألفاظ الرنانة، و الصراع على صياغة البيانات.

فمن القاهرة إلى تونس إلى إسطنبول و ما بعدها و لا شئ يتغير سوى أرقام الضحايا و لا شئ يستجد سوى تكدس المزيد من عبارات الثرثرة.
ألا تباً لهذا العالم الثرثار، فبعد أن كاد النظام يجعل بسبب ثرثرته أيام الشعب السوري معدودة، تكاد سوريا تصبح هي الأخرى معدومة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مصطفى منيغ / تطوان تأجيل المُنتُظر لا يجُوز، ومِن المُنتَظر التأجيل بالواقع ممزوج، بالتمعن في الجملتين نصل لمدخل معرفة دول تائهة كتلك البلهاء لا تفكر إلا أن يحتَلَّها زوج وإن قارب أعمال يأجوج ومأجوج ، و تلك العالمة لما تقدِّمُه من معقول لكل مَخْرَج لها معه نِعْمَ مَخْرُوج ، المكشوفة رغم تستُّرها وراء سَدٍّ يقِي وجودها دون تقدير إن تردَّ…

د. محمود عباس   يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق. إننا…

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…