عذرا قامشلو

  جاويدان كمال
 

انطلقت الثورة السورية في الخامس عشر من آذار لترسم للسوريين مرحلة عقد اجتماعي جديد باتت تتضح ملامحه وتتعمق أكثر فأكثر يوما بعد يوم، ثورة بدأت بتغيير الكثير من المفاهيم القديمة التي حاول النظام البعثي وعلى مدى عقود من الزمن زرعها بين مختلف مكونات الشعب السوري ولكن بتواتر مختلف في ظل وجود الكثير من المواضيع الحساسة والساخنة على الساحة السورية.
جاء عيد النوروز بعد انطلاقة الثورة بأيام قلائل، فانتظرنا جميعًا لفتةً كريمةً من  كل أبناء الشعب السوري ولا سيما المكون العربي للتعبير عن هذه المفاهيم الجديدة والاحتفاء بهذه المناسبة واشعال نار النوروز في كل المحافظات السورية، نارًا تكون أقوى من نار البوعزيزي، ناراً تهز أركان النظام السوري وتسرّع في زواله كردٍّ على محاولة النظام تحييد الكورد في هذه الثورة العظيمة.
مرّ يوم النوروز تلك السنة كما كان في كل سنة، عيدا قوميا للكورد فقط وليس عيدا لكل السوريين، ولم تظهر فيه مظاهر العقد الاجتماعي السوري الجديد إلا في حدود ضيقة جدا.

حتى كانت جمعة آزادي (الحرية)، تلك الجمعة التي كان لها التأثير الأكبر في نفوس كل السوريين الشرفاء والتي بدت وكأنها اللبنة الاولى في طريق بناء سوريا الجديدة، سوريا المستقبل، تلك الجمعة التي هزّت عرش الأسد ونزلت كالصاعقة على أركان نظامه البعثي، والذي أدرك يومها أن كل مخططاته الرامية لضرب مكونات الشعب السوري بعضها ببعض باءت بالفشل، وأن الشعب السوري قد بدأ ينصهر في بوتقة وحدة المصير.
مرّت ذكرى استشهاد الشيخ معشوق الخزنوي، شيخنا الذي نُكّنُ له نحن الكورد أيما احترام، مرور الكرام ايضا  ولم يكن لتلك الذكرى ذلك الوقع المفترض له أن يكون على المستوى الوطني!!! ذاك الشيخ العظيم الذي كان من الواجب ان تتبنى كل اطراف المعارضة افكاره السمحة الداعية الى الإخاء، وتقبل الآخر وانصاف الجميع، للاستفادة منها على المستوى الوطني في تعجيل عملية التلاحم السوري….
بعد ايام قلائل ستحل الذكرى الثامنة لانتفاضة 12 آذار (انتفاضة قامشلو) المباركة والتي راح ضحيتها العشرات من أبناء شعبنا الكردي في سوريا إثر مخطط مدبر من السلطات نفسها بغية ضرب الحراك الكوردي والشعور القومي المتنامي باضطراد، أظهر شعبنا الكوردي حينها  شجاعة لا توصف، ولكن المخزي آنذاك اننا لم نر من شركائنا في الوطن من المكونات الاخرى أية مؤازرة أومساندة تذكر، سوى بعض الكتابات المتفرقة من بعض الكتاب- ولهم كل الشكر- فكانت قامشلو وغيرها من المدن الكوردية لقمة سائغة أمام جيش الاسد وقواه الامنية .
كان يمكن لهذه الثورة التي نشهدها الآن ضد نظام آل الاسد أن تنطلق عام 2004 لو وقف الشعب السوري كما نراه الآن وقفة رجل واحد في مواجهة آلة القمع الأسدية….
 ترك الشعب الكوردي وعدم الوقوف الى جانبه حينها ترك في نفوسنا الكثير، ورسم صورة قاتمة في مخيلتنا لمستقبل وطن لا نظام فيه يعترف بنا، ولا شعب فيه يقف الى جانبنا، (وهنا أتذكر مشهدا من تلك الأيام إذ كنا نتظاهر في جامعة دمشق منددين بآلة القمع البعثية ومؤازرين لشعبنا في قامشلو-محاطين بقوى الأمن من كل الجهات- وكان الآخرون؛ الطلبة من غير الكورد- يعيشون حياتهم اليومية غير مبالين، مواظبين على محاضراتهم وكأنهم تلاميذ مرحلة ابتدائية لا يهمهم ماذا يحدث خارج فلكهم متناسين دور الشباب والجامعين في احداث التغيرات ومتناسين هموم شعب يقتل فقط لكونه يتحدث لغةً غير العربية، وما زاد الطين بلة ان بعضهم خرج في تظاهرة مضادة دون ادنى شعور بالمسؤولية، ربما كان لما زرعه البعث من خوف في اعماقهم الدور الرئيسي في تغاضيهم عن وضعنا آنذاك ..وكلاهما كان بالنسبة لنا حينها -أخوفا كان أم لا مبالاة منهم- سواء لان النتيجة كانت واحدة…كل ذلك كان يحزّ في نفوسنا كثيرًا ناهيك عما كان يحدث من سلب ونهب وقتل في المناطق الكوردية من قبل بعض العرب المواليين للنظام) كل ذلك خلق فجوة عميقة في العلاقات بين المكونين الكوردي والعربي بدى من الصعب تجاوزها بسهولة، ولكن الشعب الكوردي تناسى كل ذلك ووقف وقفة الأخ والشريك مع أهل درعا وحمص وغيرها من المدن السورية في ثورة الحرية والكرامة وانخرط فيها متجاوزا كل جراحه، غير آبهٍ بالماضي توّاقا الى مستقبلٍ مشرقٍ يبنيه مع شركاء الوطن بعد اسقاط نظام البعث….
نعم الثورة غيرت مفاهيم كثيرة باتت تتأصل يوما بعد يوم فمن كان يتوقع ان نسمع قامشلو تنادي باسم حمص يوما، ودرعا تنادي باسم قامشلو وتتغنى بال (آزادي) …ولكن المحبط هو عدم وضوح موقف ممثلي المعارضة حتى الان من القضية الكوردية وعدم تجاوبهم مع آمال وتطلعات الكورد وأقله حسبما تنص عليه القوانين والمواثيق الدولية .
في هذه الذكرى المجيدة هل سنجد وقفة مغايرة من الشعب السوري لمى كان في عام 2004؟؟؟؟ هل سنشهد مظاهرات مؤيدة للشعب الكوردي ولقامشلو؟؟ وأغلب الظن أن الواقع هكذا سيكون .
 ألا كم سيكون جميلا ومطمئنا، ألا كم سيكون واقعيا ومؤثرا، لو أننا شهدنا جمعةً تشير الى ذكرى هذه الانتفاضة العظيمة من قبيل (عذرا قامشلو سامحينا) على غرار جمعة عذرا حماة سامحينا أو (تحيا انتفاضة 12 اذار) أو….

.
ألا كم سيكون جميلا لوأننا أنصفنا قامشلو وشهداءها-الكورد وشهداءهم- كما انصفنا حماة وشهداءها…
رغم ان العبرة ليست في الاسماء ولن تأتي بنتيجة اذا ما لم ترتبط بالفعل واعتقد ان الفعل موجود نوعا ما على الارض ولكنه يحتاج الى الكثير من التعزيز،والايمان، والعمل الشاق والمضني، وإلى مواقف حقيقية تكون على  قدر المسؤولية، فلقد حان الوقت للذين مازالوا يترددون في مقارباتهم لحقوق الكورد، لتحمل مسؤولياتهم إن كانوا بحق يرغبون في بناء سوريا جديدة حرة، فانصاف الكورد يعني انصاف الثورة، أوَ ليست هي ثورة الحرية والكرامة، ثورة الحق، ثورة المساواة والعدالة والانصاف؟.
وأقل وفاءٍ نقدمه نحن الكورد لانتفاضة 12 آذار وثورة 15 آذار هو توحيد الصفوف وتوحيد الخطاب والمطلب، على مبدأ تصفية القلوب والنظر الى الامام، فقضيتنا ما زالت تحتاج الى الكثير، وأصدقاؤنا جد قلائل.
عذرا قامشلو لأننا مازلنا فرقاء، عذرا حمص لأنك مازلت تنزفين تحت القصف.
جاويدان كمال  3-3-2012
jawidankh@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مصطفى منيغ / تطوان تأجيل المُنتُظر لا يجُوز، ومِن المُنتَظر التأجيل بالواقع ممزوج، بالتمعن في الجملتين نصل لمدخل معرفة دول تائهة كتلك البلهاء لا تفكر إلا أن يحتَلَّها زوج وإن قارب أعمال يأجوج ومأجوج ، و تلك العالمة لما تقدِّمُه من معقول لكل مَخْرَج لها معه نِعْمَ مَخْرُوج ، المكشوفة رغم تستُّرها وراء سَدٍّ يقِي وجودها دون تقدير إن تردَّ…

د. محمود عباس   يعوّل الشعب الكوردي على المؤتمر الوطني الكوردي في غربي كوردستان بوصفه لحظة مفصلية، لا لمجرد جمع الفاعلين الكورد في قاعة واحدة، بل لتأسيس إرادة سياسية حقيقية تمثّل صوت الأمة الكوردية وتعبّر عن تطلعاتها، لا كفصيل بين فصائل، بل كشعبٍ أصيلٍ في جغرافيا ما تزال حتى اللحظة تُدار من فوق، وتُختزل في الولاءات لا في الحقوق. إننا…

ماهين شيخاني في عالم تُرسم فيه الخرائط بدم الشعوب، لا تأتي التحوّلات العسكرية منفصلة عن الثمن الإنساني والسياسي. انسحاب نصف القوات الأمريكية من شرق الفرات ليس مجرد خطوة تكتيكية ضمن سياسة إعادة التموضع، بل مؤشر على مرحلة غامضة، قد تكون أكثر خطراً مما تبدو عليه. القرار الأميركي، الذي لم يُعلن بوضوح بل تسرب بهدوء كأنّه أمر واقع، يفتح الباب أمام…

لم يعد الثاني والعشرون من نيسان مجرّد يومٍ اعتيادي في الروزنامة الكوردستانية، بل غدا محطةً مفصلية في الذاكرة الجماعية لشعبنا الكردي، حيث يستحضر في هذا اليوم ميلاد أول صحيفة كردية، صحيفة «كردستان»، التي أبصرت النور في مثل هذا اليوم من عام 1898 في المنفى، على يد الرائد المقدام مقداد مدحت بدرخان باشا. تمرّ اليوم الذكرى السابعة والعشرون بعد المئة…