الكتابة من تحت الدماء

إبراهيم اليوسف

باتت الأحداث الدموية التي تجري في العالم، الآن، ولا مناص من الهروب من قراءتها، والتفاعل معها، تجسرالعلاقة بينها وحبرالكتابة، حتى وإن كان هذا الحبرإلكترونياً، جرياً على سنة الدم الجديدة، وألسنة  النارالمحدثة، بحيث أنها تستيقظ مع أي كائن بشري، من المليارات السبعة، تداهمه، أينما كان، تستفزّه، تحاصره،  كي  ترسم هذه الدماء خرائط كليمة، ووجوه أطفال انطفأت أعينهم وهم في أسرتهم، أو لائذين بآبائهم، بعد أن هجروا لغة الألعاب، في ظل دوي أصوات آلات الموت، متباينة الجدوى، والفعالية، ومختلفة الأسماء، ومتفقة الهدف، حيث الإنسان هو من يدفع الضريبة الكبرى، أخيراً، مادام لاشيء أكبرمن أن يخسرالإنسان روحه…!.
لعل اللحظة الإلكترونية التي آل العالم برمته إليها، وهي توازي عقارب الساعة في عناقها الحالي، ضمن توقيت زماني، محدد، تشير إلى البرهة المبللة بدموع الثكالى، والدماء التي تسيل و تسيرفي كل صوب واتجاه، كي تبلل أيادينا، وثيابنا، وأوقاتنا، وكراريسنا، وكأن الجراح مفتوحة الأفواه التي تبدأ منها، إنَّما هي ملتصقة بأرواح العالم المتفرِّج، أرواحنا جميعاً، حتى وإن اختلفت قراءاتنا لما تدوِّنه بوضوح باد، لايقبل التأويل، كي يكون أي منا، ويجده مرغماً ليس لمحو الحدود بينه وشاشة الرائي في منزله، أو شاشة الحاسوب على طاولته،أو على ركبتيه، بل إنه ليرغم على أن يعيش في قلب الحدث اللهبي، بكل تفاصيله، كي تصله صرخة الجريح، أو استغاثة المذعور، أوإغاثة الملهوف، أو مناشدة المحاصربشبح الموت، كما تصله في اللحظة عينها، كي تلتصق ببؤبؤ عينه،  مناظرحطام البيوت البسيطة، أو العمارات الشاهقة، وهي مهدمة فوق رؤوس أصحابها، تسوي سقوف بالأرض، و تساوي بين كل أفراد الأسرة في تناول رائحة الموت، كما تناولوا قبل قليل وجبة العشاء الأخير.
هكذا يبدأ المشهد الواخز للضمير، غارقاً في لزوجة الدم، وكأنه واحد، أينما كانت رقعة سيلانه، لافرق تكشفه لواقط الإلكترون، وهي تستدرجه، في إيماضة العين الباصرة، بين دم ودم، حيث لا ضرورة لعدّ كرياته البيضاء، أو الحمراء، بل ولا ضرورة البتة لمعرفة الزمرة المصنفة له، مادام أنه واحد، وكأن كابوس الموت المخيم، بات من شأنه أن يقدم لنا هذا السائل اللزج، بصفات، وخصائص موحدة، لتكون له رسالة واحدة، لابد من قراءتها، إما بحسب الديباجة التي خطها، أوعلى نحو معكوس، كي ترتد كل قراءة إلى مصدرها، المصدرالذي يجمع أولاً وأخيراً، بين اثنين، هما القاتل والضحية، كي يصنف النظارة، على اختلاف مواقعهم، وزوايا الحدث، إلى موقعين، أو مكانين، لا ثالث لأحدهما البتة.
وملحمة الدم التي تتأسس على الجراحات التي تشخب، وتنز، منذ أولى قطرة دم هابيلي، تترك كل هذا الصدى، من الكلمات المتوزعة، في إهابين أحدهما: الشعر والثاني قرينه النثر، يحوطان بالملحمة، بل يدخلان في لجتها، يلتحمان بها، كي تظهررؤيا الشاعرأو الناثر، حيث يموقع رنين كلماته، يحدد هويتها، بين ذين التصنيفين، لاغير، مادامت نظرية الدم، لاتقبل الهدنة، أو الفلسفة الفائضة، وهي تختزل ردة الفعل، عارية، ناصعة، كليمة، أوملطخة بأثرالمدية، أو النصل، أو السلاح المتطور الذي آلا إليه، في حمى ابتكار الذبح الآدمي.

أجل، على هذا النحو تظل الستارة مفتوحة، على المشهد، في إيجازه لنظرية الدم، بكل أسفارها، و شخوصها، غلاظ  قلب قتلة، ومصفقين، أوساكتين، مقابل الضحية التليد، ذاته، يتكرربأسمائه الهائلة، المفتوحة على اللغات، والأشكال، وجهات الأرض، كي تنوس  بوصلة الكتابة، بين وجهتين، متباينتين، لن تلتقيا البتة….!.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…