سوريا ومؤامرة المؤتمرات

جان كورد

الأسباب التي ساعدت الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد في البقاء على رأس السلطة، رغم ارتكابه أشنع المجازر بحق شعبه السوري في نهاية السبعينات وأوائل الثمانينات، لاترال باقية، رغم تغير العصر وتبدل الظروف العامة المحيطة بسوريا.

فالمخاوف الكبرى للأوربيين لاتزال باقية، من أن يأتي نظام “إسلامي” لحكم دمشق، ويفتح ابواب إثارة المشاكل على اسرائيل عن طريق تحريك موضوع الجولان المحتل من قبل اسرائيل منذ 1967، غير مقبول بأي شكلٍ من الأشكال، وليست هناك في رأي الغربيين معارضة سورية وطنية ديموقراطية قادرة على طمأنة قلوبهم بأنها ستسعى إلى السلام الكامل مع اسرائيل، بل إن مختلف شرائح المعارضات السورية، القديمة والحديثة تخيف الغربيين عندما تتهم النظام الأسدي المستفيد من أخطائها باستمرار بتقاعسه عن “تحرير الجولان” أو عن موالاته لاسرائيل ومن وراءها.
ولقد لاحظنا في مؤتمرات حول سوريا قبل سنواتٍ عديدة بأن هناك جهات أوروبية غير مستعدة إطلاقاً للتعاون مع السوريين على مسار العمل لاسقاط النظام، والسبب في ذلك هو أمن اسرائيل وليس أي شيء آخر، بل إن سعي هذه الأطراف من خلال الدعوة للمؤتمرات بصدد سوريا ومستقبلها، هو انتزاع الاعتراف من السوريين بأن أمن اسرائيل أهم شيء في الوجود، وليس سعادة أو خير أو تقدم الشعب السوري، أو تحقيق الديموقراطية وانتزاع الحريات السياسية وصون حقوق الإنسان.

وهذه حقيقة لايجوز لنا اللف والدوران حولها دون التطرق إليها.

لقد كاد ينتهي عام كامل على إنطلاقة الثورة السورية، التي ملأت الدنيا ضجيجاً وصراخاً مؤكدة على أن الشعب السوري يريد استرداد حريته واقامة تظامٍ ديموقراطي، وضحى السوريون بمختلف فئاتهم وطوائفهم وقومياتهم في سبيل هذا الكفاح الذي يضرب به الأمثال في البذل والفداء والاصرار على السير في الاتجاه الصحيح، إلا أن المؤتمرين الغربيين ومن يقتفي آثارهم من عرب لا يزالون في مربعهم الأول يتساءلون عن طبيعة المعارضة السورية، فالشعب لايهمهم والاصرار على الحرية لايساوي شيئاُ، والمهم فقط هو التأكد فيما إذا كان المعارض الفلاني أو الفلاني مناسب لهم أم غير مناسب.


على المعارضة السورية تقوية نفسها، وتعميق صلاتها بالشارع السوري، وترتيب بيتها الوطني وقيادة الثورة عن كثب، وترك المؤتمرات لمن يكثر الكلام ولاينتج من “الأصدقاء!”، لهؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم سادة الدنيا ولايجوز في نظرهم أن ينال شعب حريته إلا بعد تقديمه صك الولاء والوفاء لهم، لامتلاكهم المال والقوة… وعندما تقوى المعارضة السورية وتكون قادرة على فرض املاءاتها فهؤلاء التجار سيأتون بأنفسهم، وبدون مؤتمرات ليعرضوا “خدماتهم” و خبراتهم على السوريين… فالمؤتمرات لم تأت للسوريين سوى بالمؤامرات حتى الآن، من اسطانبول إلى القاهرة إلى تونس… كلها استهدفت وللأسف منح النظام مجالاً أكبر للمناورة ولاستمرارية ومنهجة القتل في سوريا، وكل مشاريعها تلد ميتة، إلا مشروع الثورة السورية الذي هو مشروع وطني أصيل وليست له غايات تجارية كما لدى المؤتمرين “الأصدقاء!”، ومنهم مع الأسف من عانوا بأنفسهم من ارهاب أنظمتهم المخلوعة قبل أن يصبحوا رجال دولة
كاتب سوري مقيم في ألمانيا منذ 1979

‏25‏ شباط‏، 2012

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…