حيدر عمر
صدر مشروع الدستور الجديد الذي روجت له وسائل الاعلام السورية، متضمناً مقدمة موجزة ومائة وسبعاً و خمسين مادة موزعة على ستة أبواب.
صدر مشروع الدستور الجديد الذي روجت له وسائل الاعلام السورية، متضمناً مقدمة موجزة ومائة وسبعاً و خمسين مادة موزعة على ستة أبواب.
إن قراءة متأنية لمجمل مواد هذا الدستور لتنتهي إلى نتيجة مفادها أنه لم يأت وفق ما كان يتوقعه الشعب السوري الذي يعترف الدستور نفسه في مادته التاسعة بأنه يتكون من مكونات متعددة حيث تقول هذه المادة (يكفل الدستور حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته، و تعدد روافده باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية في إطار وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية).
نحن نعتقد بأن واضعي الدستور، وإن لم يسموا مكونات المجتمع السوري بأسمائها، يعرفون حق المعرفة أن هذه المكونات لها أسماؤها من عرب و كرد و شركس و تركمان و أرمن، و لهذه المكونات ثقافاتها التي تختلف عن الثقافة العربية في بعض وجوهها، و مع ذلك أصرَّ الدستور على تسمية البلد بـ(الجمهورية العربية السورية)، أليس في ذلك تناقض؟ إذ كيف لدستور يعترف بأن للمجتمع تنوعاً ثقافياً، ثم يسمي البلد وفق إحدى تلك الثقافات؟ هل الديمقراطية المنشودة تمنح الأغلبية حق إلغاء الأقلية؟.
و كيف لدستور يعترف بهذا التنوع الثقافي الذي لا يمكن لأثنين أن يختلفا على دلالته من حيث أنه يدل على تنوع إثني و على وجود شعوب أخرى إلى جانب الشعب العربي في سوريا، كيف له أن يتجاوز ما أقره بنفسه، و يجعل الأحكام القضائية (تُصدر باسم الشعب العربي في سورية) كما تقتضي بذلك الفقرة 3 من المادة 138.
إن ما يُفهم من هذه المادة واحد من اثنين، فهي إما تكرِّس سياسة التعريب، أو تلغي المكونات الأخرى للمجتمع السوري، و كلا الأمرين لا يخلو من دلالة عنصرية.
أليس جميلاً و أدعى إلى المساواة لو قالت تلك المادة (تُصدر الأحكام القضائية باسم الشعب السوري)؟.
ثم كيف له أن يحمي التنوع الثقافي في الوقت الذي يجعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة (المادة 4) دون الإشارة إلى لغات أخرى هي موجودة و تشكل العنوان الأبرز لذلك التنوع الثقافي الذي أبدى الدستور حرصه الشديد عليه؟.
إن الدستور الجديد، كصنوه المعمول به حالياً، و بدءاً من المقدمة التي تُعتبَر وفق المادة 151 (جزءاً لا يتجزأ من الدستور) قفز على المكونات الإثنية المتآخية و المتعايشة في سوريا حين جعل الشعب السوري (جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية)، لماذا لم ينصف الدستور المكونات الإثنية الأخرى، بأن يقول (الشعب العربي السوري جزء لا يتجزء من الأمة العربية)؟ .
رسمت الفقرة 4 من المادة 8 الحياة السياسية في سوريا، و وضعت عراقيل عديدة أمام ممارسة السياسة و تشكيل الأحزاب و التجمعات السياسية، إذ حظرت تشكيلها على (أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون….).
إن أول من تطاله هذه المادة هو حزب البعث العربي الاشتراكي نفسه، فهو، علاوة على أنه لم يكن حزباً مرخصاً، حزب قائم على العرق بدءاً من تسميته، و هو و إن كان و ما يزال يقبل في عضويته آخرين من غير الأخوة العرب، إلا أنه يقبلهم كعرب، إذ لا يعترف بقومية أخرى غير القومية العربية في سوريا، أي أنه مؤسسة تعريبية، و في ذلك تغنٍ مباشر بالقيم العنصرية.
هل لاحظ واضعوا الدستور هذا الأمر؟.
و الفقرة 1 من المادة 3 نصت على أن (دين رئيس الجمهورية الإسلام)، و بذلك حرَّمت مكوناً سورياً مهماً، أقصد الأخوة المسيحيين، من التطلع إلى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
صحيح أن الغالبية من السوريين تدين بالإسلام، ولكن حصر رئاسة الجمهورية فيهم، ينسف مدلول الفقرة 3 من المادة 33 التي تقول (المواطنون متساوون في الحقوق و الواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة)، فكيف يكون المواطنون متساوين في الحقوق و الواجبات، و لاتمييز بينهم في ذلك بأسباب منها الدين، ثم يُمنع المسيحي من تولي منصب الرئيس؟.
إن تولي الأخوة المسيحيين المناصب العليا في سوريا ليس بدعة، فالتاريخ السوري الحديث يشهد بكفاءة فارس الخوري الذي تولى منصب رئاسة الوزراء.
و فضلاً عن ذلك، فإن الدستور يضع العراقيل أمام شريحة كبيرة من السوريين تمنعهم من الترشح لمنصب الرئاسة، إذ تشترط الفقرة 4 من المادة 84 في المرشح لمنصب رئيس الجمهورية (أن لا يكون متزوجاً من غير سورية)، و السؤال ماذا بشأن رئيس الوزراء أو الوزراء؟ هل يتوقع الدستور أن تلعب الزوجة غير السورية دوراً سلبياً إذا كانت زوجة الرئيس ولا تلعب ذاك الدور إذا كانت زوجة رئيس الوزراء أو زوجة وزير؟.
ما ذنب أولاد هذه الزوجة وهم سوف يشعرون بغير قليل من النقص بسبب كونهم أولاد امرأة غير سورية؟.
أما الفقرة 5 من المادة نفسها(84) فتشترط في المرشح لمنصب الرئيس (أن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم الطلب).
أعتقد أنه لا مثيل لهذا الشرط في أي من دساتير الدول الأخرى، و إلا فهل كان بإمكان المنصف المرزوقي أن يتولى منصب رئيس تونس؟.
إن هذا الشرط يحرم سوريا من كفاءات كثيرة مشتتة في العالم لأسباب ليست خافية على أحد.
إن الدساتير، على ما أعرف، لاتوضع على وقع أصوات الرصاص، و سيلان الدماء في الشوارع، واكتظاظ المعتقلات بطالبي الكرامة و الحرية، و على إيقاع الرقص على أجساد المتظاهرين، و مع ذلك حين أصدر الرئيس القرار الجمهوري رقم 33 بتاريخ 15.
10.
2011 القاضي بتشكيل اللجنة الوطنية لإعداد مشروع الدستور، ربما راود بعض السوريين أمل في تغيير إيجابي سوف يطرأ على أوضاع البلاد و حقوق المكونات السورية و حقوق الإنسان و غير ذلك مما افتقده الشعب السوري على مدى نصف قرن، و ذلك حين رأوا أن أسماء أعضاء اللجنة تنتمي إلى مكونات أخرى إلى جانب المكون العربي.
أقول ربما.
ولكن المشروع خيَّب أملهم.
لعل الشعب الكردي يشكل المكون الأكثر عدداً بعد الشعب العربي في سوريا، و هو كما يقول التاريخ و كذلك الجغرافيا، يعيش على أرضه منذ آلاف السنين إلى جانب الشعب العربي و الأقليات القومية الأخرى، و له باع طويل في النضال ضد الاستعمار الفرنسي، و بناء سوريا، و له شهداؤه في جميع الحروب التي خاضتها سوريا، بدءاً من 1948 إلى 1973 ولم يشهد التاريخ السوري تخلُّف الكردي عن أداء واجبه في الذود عن سوريا، و مع كل هذا لم يأت الدستور الجديد على ذكر الشعب الكردي.
و بما أن المحامي الأستاذ عصمت غباري* كان أحد أعضاء لجنة إعداد الدستور كشخصية كردية مستقلة غير منتمية إلى حزب البعث، فقد توجهتُ إليه عبر الهاتف سائلاً: أنتم كشخصية كردية ثقافية و اجتماعية معروفة ، كنتم أحد أعضاء لجنة إعداد الدستور، هل قمتم بواجبكم الوطني و القومي من خلال مقترحاتكم و مشاركتكم في إعداد الستور؟.
فكان جوابه:
(نعم..
رغم أنني كنت مريضاً و لازلت، سافرت إلى دمشق لأقوم بواجبي الوطني و القومي، و أقدم اقتراحات قانونية و دستورية لخدمة الشعب السوري عامة و الكردي خاصة، حيث شاركت في المناقشات و طرحت الكثير من الاقتراحات بما يتناسب مع طموحات شعبنا، ولا سيما أنني اقترحت بخصوص الشعب الكردي مقترحاً في صيغة (الأكراد جزء من النسيج الوطني السوري، يحق لهم تعلم و تعليم لغتهم و نشر ثقافتهم بحرية، باعتبارهم ثاني أكبر قومية في سوريا)، ولكن ما يؤسفني جداً هو أن المُقتَرح قوبل بالرفض القاطع، و لم يؤازرني أحد من أعضاء اللجنة.
و لأسباب صحية لم أحضر الاجتماعات اللاحقة، حيث سافرتُ إلى ألمانيا، و أُجْريَتْ لي هناك عملية جراحية، مما أضطرني للبقاء هناك مدة شهر و نصف، و بعد عودتي من ألمانيا تم الاتصال بي، حيث دُعيت لحضور ندوات لمناقشة الدستور في حلب، إلا أنني لم أتمكن من الحضور، و لم تتسنَّ لي الفرصة ثانية لمناثشة مواد الدستور بشكل مفصَّل، و إلقاء الضوء على سلبياتها و إيجابياتها أمام الحضور بشفافية.
على كل حال أتمنى للشعب السوري عامة و لشعبنا الكردي خاصة ولكل الأقليات الأخرى في بلدنا الحرية و السلام).
أنتهت إجابة المحامي الأستاذ عصمت غباري.
و نحن نتساءل: في الوقت الذي يُرفَض فيه إقتراح بهذه الصيغة، التي تُدخله في صُلب (التنوع الثقافي) الذي تشدد المادة التاسعة من الدستور على حمايته، كيف تكون هذه الحماية؟ و ما هو هذا التنوع الثقافي الذي تقصده تلك المادة؟ ألا ينسف هذا الرفض مدلول الفقرة 3 من المادة 33 التي أشرتُ إليها سابقاً؟ أليس من حق الكردي وغيره من أبناء المكونات الأخرى أن يتعلم و يعلم لغته ؟ أين المساواة إذن؟
نخلص من هذه القراءة السريعة إلى أن هذا الدستور، على الرغم من إلغائه المادة الثامنة من الدستور المعمول به حالياً، و هي المادة التي تجعل حزب البعث قائداً للدولة و المجتمع، إلا أنه يحافظ على فكره، من خلال التشديد على عروبية الانسان السوري و الأرض و الحجر و الشجر.
و لعل أخطر ما في هذا الدستور في هذه الظروف التي تعيشها سوريا هو ما ورد في المادة 154 التي تنص: (تبقي التشريعات النافذة و الصادرة قبل إقرار الدستور سارية المفعول إلى أن تُعَدَّل بما يتوافق مع أحكامه، على أن يتم التعديل خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية).
هذا يعني أن كل القوانين التي تشرعن الاعتقال التعسفي، و تمنع التظاهر السلمي و كل تشريعات مصادرة الرأي بحجة “وهن عزيمة الأمة و الانتساب إلى جمعية سياسية تعمل على اقتطاع جزء من سوريا و إلحاقه بدولة أخرى” و التشريعات المماثلة التي تميز بين المواطنين، و لا تنسجم مع الدستور الجديد الذي يقر المواطنة المتساوية و حق التظاهر و حقوق المرأة كما ورد في المادة 32 (الحرية حق مقدس، و تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية و تحافظ على كرامتهم ) كل هذه الأمور و الحريات يجب أن تنتظر ثلاث سنوات.
——————————————————
و كيف لدستور يعترف بهذا التنوع الثقافي الذي لا يمكن لأثنين أن يختلفا على دلالته من حيث أنه يدل على تنوع إثني و على وجود شعوب أخرى إلى جانب الشعب العربي في سوريا، كيف له أن يتجاوز ما أقره بنفسه، و يجعل الأحكام القضائية (تُصدر باسم الشعب العربي في سورية) كما تقتضي بذلك الفقرة 3 من المادة 138.
إن ما يُفهم من هذه المادة واحد من اثنين، فهي إما تكرِّس سياسة التعريب، أو تلغي المكونات الأخرى للمجتمع السوري، و كلا الأمرين لا يخلو من دلالة عنصرية.
أليس جميلاً و أدعى إلى المساواة لو قالت تلك المادة (تُصدر الأحكام القضائية باسم الشعب السوري)؟.
ثم كيف له أن يحمي التنوع الثقافي في الوقت الذي يجعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة (المادة 4) دون الإشارة إلى لغات أخرى هي موجودة و تشكل العنوان الأبرز لذلك التنوع الثقافي الذي أبدى الدستور حرصه الشديد عليه؟.
إن الدستور الجديد، كصنوه المعمول به حالياً، و بدءاً من المقدمة التي تُعتبَر وفق المادة 151 (جزءاً لا يتجزأ من الدستور) قفز على المكونات الإثنية المتآخية و المتعايشة في سوريا حين جعل الشعب السوري (جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية)، لماذا لم ينصف الدستور المكونات الإثنية الأخرى، بأن يقول (الشعب العربي السوري جزء لا يتجزء من الأمة العربية)؟ .
رسمت الفقرة 4 من المادة 8 الحياة السياسية في سوريا، و وضعت عراقيل عديدة أمام ممارسة السياسة و تشكيل الأحزاب و التجمعات السياسية، إذ حظرت تشكيلها على (أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون….).
إن أول من تطاله هذه المادة هو حزب البعث العربي الاشتراكي نفسه، فهو، علاوة على أنه لم يكن حزباً مرخصاً، حزب قائم على العرق بدءاً من تسميته، و هو و إن كان و ما يزال يقبل في عضويته آخرين من غير الأخوة العرب، إلا أنه يقبلهم كعرب، إذ لا يعترف بقومية أخرى غير القومية العربية في سوريا، أي أنه مؤسسة تعريبية، و في ذلك تغنٍ مباشر بالقيم العنصرية.
هل لاحظ واضعوا الدستور هذا الأمر؟.
و الفقرة 1 من المادة 3 نصت على أن (دين رئيس الجمهورية الإسلام)، و بذلك حرَّمت مكوناً سورياً مهماً، أقصد الأخوة المسيحيين، من التطلع إلى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
صحيح أن الغالبية من السوريين تدين بالإسلام، ولكن حصر رئاسة الجمهورية فيهم، ينسف مدلول الفقرة 3 من المادة 33 التي تقول (المواطنون متساوون في الحقوق و الواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة)، فكيف يكون المواطنون متساوين في الحقوق و الواجبات، و لاتمييز بينهم في ذلك بأسباب منها الدين، ثم يُمنع المسيحي من تولي منصب الرئيس؟.
إن تولي الأخوة المسيحيين المناصب العليا في سوريا ليس بدعة، فالتاريخ السوري الحديث يشهد بكفاءة فارس الخوري الذي تولى منصب رئاسة الوزراء.
و فضلاً عن ذلك، فإن الدستور يضع العراقيل أمام شريحة كبيرة من السوريين تمنعهم من الترشح لمنصب الرئاسة، إذ تشترط الفقرة 4 من المادة 84 في المرشح لمنصب رئيس الجمهورية (أن لا يكون متزوجاً من غير سورية)، و السؤال ماذا بشأن رئيس الوزراء أو الوزراء؟ هل يتوقع الدستور أن تلعب الزوجة غير السورية دوراً سلبياً إذا كانت زوجة الرئيس ولا تلعب ذاك الدور إذا كانت زوجة رئيس الوزراء أو زوجة وزير؟.
ما ذنب أولاد هذه الزوجة وهم سوف يشعرون بغير قليل من النقص بسبب كونهم أولاد امرأة غير سورية؟.
أما الفقرة 5 من المادة نفسها(84) فتشترط في المرشح لمنصب الرئيس (أن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم الطلب).
أعتقد أنه لا مثيل لهذا الشرط في أي من دساتير الدول الأخرى، و إلا فهل كان بإمكان المنصف المرزوقي أن يتولى منصب رئيس تونس؟.
إن هذا الشرط يحرم سوريا من كفاءات كثيرة مشتتة في العالم لأسباب ليست خافية على أحد.
إن الدساتير، على ما أعرف، لاتوضع على وقع أصوات الرصاص، و سيلان الدماء في الشوارع، واكتظاظ المعتقلات بطالبي الكرامة و الحرية، و على إيقاع الرقص على أجساد المتظاهرين، و مع ذلك حين أصدر الرئيس القرار الجمهوري رقم 33 بتاريخ 15.
10.
2011 القاضي بتشكيل اللجنة الوطنية لإعداد مشروع الدستور، ربما راود بعض السوريين أمل في تغيير إيجابي سوف يطرأ على أوضاع البلاد و حقوق المكونات السورية و حقوق الإنسان و غير ذلك مما افتقده الشعب السوري على مدى نصف قرن، و ذلك حين رأوا أن أسماء أعضاء اللجنة تنتمي إلى مكونات أخرى إلى جانب المكون العربي.
أقول ربما.
ولكن المشروع خيَّب أملهم.
لعل الشعب الكردي يشكل المكون الأكثر عدداً بعد الشعب العربي في سوريا، و هو كما يقول التاريخ و كذلك الجغرافيا، يعيش على أرضه منذ آلاف السنين إلى جانب الشعب العربي و الأقليات القومية الأخرى، و له باع طويل في النضال ضد الاستعمار الفرنسي، و بناء سوريا، و له شهداؤه في جميع الحروب التي خاضتها سوريا، بدءاً من 1948 إلى 1973 ولم يشهد التاريخ السوري تخلُّف الكردي عن أداء واجبه في الذود عن سوريا، و مع كل هذا لم يأت الدستور الجديد على ذكر الشعب الكردي.
و بما أن المحامي الأستاذ عصمت غباري* كان أحد أعضاء لجنة إعداد الدستور كشخصية كردية مستقلة غير منتمية إلى حزب البعث، فقد توجهتُ إليه عبر الهاتف سائلاً: أنتم كشخصية كردية ثقافية و اجتماعية معروفة ، كنتم أحد أعضاء لجنة إعداد الدستور، هل قمتم بواجبكم الوطني و القومي من خلال مقترحاتكم و مشاركتكم في إعداد الستور؟.
فكان جوابه:
(نعم..
رغم أنني كنت مريضاً و لازلت، سافرت إلى دمشق لأقوم بواجبي الوطني و القومي، و أقدم اقتراحات قانونية و دستورية لخدمة الشعب السوري عامة و الكردي خاصة، حيث شاركت في المناقشات و طرحت الكثير من الاقتراحات بما يتناسب مع طموحات شعبنا، ولا سيما أنني اقترحت بخصوص الشعب الكردي مقترحاً في صيغة (الأكراد جزء من النسيج الوطني السوري، يحق لهم تعلم و تعليم لغتهم و نشر ثقافتهم بحرية، باعتبارهم ثاني أكبر قومية في سوريا)، ولكن ما يؤسفني جداً هو أن المُقتَرح قوبل بالرفض القاطع، و لم يؤازرني أحد من أعضاء اللجنة.
و لأسباب صحية لم أحضر الاجتماعات اللاحقة، حيث سافرتُ إلى ألمانيا، و أُجْريَتْ لي هناك عملية جراحية، مما أضطرني للبقاء هناك مدة شهر و نصف، و بعد عودتي من ألمانيا تم الاتصال بي، حيث دُعيت لحضور ندوات لمناقشة الدستور في حلب، إلا أنني لم أتمكن من الحضور، و لم تتسنَّ لي الفرصة ثانية لمناثشة مواد الدستور بشكل مفصَّل، و إلقاء الضوء على سلبياتها و إيجابياتها أمام الحضور بشفافية.
على كل حال أتمنى للشعب السوري عامة و لشعبنا الكردي خاصة ولكل الأقليات الأخرى في بلدنا الحرية و السلام).
أنتهت إجابة المحامي الأستاذ عصمت غباري.
و نحن نتساءل: في الوقت الذي يُرفَض فيه إقتراح بهذه الصيغة، التي تُدخله في صُلب (التنوع الثقافي) الذي تشدد المادة التاسعة من الدستور على حمايته، كيف تكون هذه الحماية؟ و ما هو هذا التنوع الثقافي الذي تقصده تلك المادة؟ ألا ينسف هذا الرفض مدلول الفقرة 3 من المادة 33 التي أشرتُ إليها سابقاً؟ أليس من حق الكردي وغيره من أبناء المكونات الأخرى أن يتعلم و يعلم لغته ؟ أين المساواة إذن؟
نخلص من هذه القراءة السريعة إلى أن هذا الدستور، على الرغم من إلغائه المادة الثامنة من الدستور المعمول به حالياً، و هي المادة التي تجعل حزب البعث قائداً للدولة و المجتمع، إلا أنه يحافظ على فكره، من خلال التشديد على عروبية الانسان السوري و الأرض و الحجر و الشجر.
و لعل أخطر ما في هذا الدستور في هذه الظروف التي تعيشها سوريا هو ما ورد في المادة 154 التي تنص: (تبقي التشريعات النافذة و الصادرة قبل إقرار الدستور سارية المفعول إلى أن تُعَدَّل بما يتوافق مع أحكامه، على أن يتم التعديل خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية).
هذا يعني أن كل القوانين التي تشرعن الاعتقال التعسفي، و تمنع التظاهر السلمي و كل تشريعات مصادرة الرأي بحجة “وهن عزيمة الأمة و الانتساب إلى جمعية سياسية تعمل على اقتطاع جزء من سوريا و إلحاقه بدولة أخرى” و التشريعات المماثلة التي تميز بين المواطنين، و لا تنسجم مع الدستور الجديد الذي يقر المواطنة المتساوية و حق التظاهر و حقوق المرأة كما ورد في المادة 32 (الحرية حق مقدس، و تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية و تحافظ على كرامتهم ) كل هذه الأمور و الحريات يجب أن تنتظر ثلاث سنوات.
——————————————————
*عصمت غباري من موليد قرية جلبر التابعة لمنطقة عفرين.
يعمل في المحاماة منذ تخرجه عام 1970 إنتُخِب في اول دورة للإدارة المحلية عام 1972 على قائمة الحركة الوطنية الكردية.
شارك في أربع دورات متتالية في مجلس الشعب حتى عام 1990.
يُشهَد له بإخلاصه لقضية شعبه الكردي و الدفاع عنها أينما سُنحت له الفرصة، كما يُشهد له بنقائه و عدم التملق للنظام السوري.
يعمل في المحاماة منذ تخرجه عام 1970 إنتُخِب في اول دورة للإدارة المحلية عام 1972 على قائمة الحركة الوطنية الكردية.
شارك في أربع دورات متتالية في مجلس الشعب حتى عام 1990.
يُشهَد له بإخلاصه لقضية شعبه الكردي و الدفاع عنها أينما سُنحت له الفرصة، كما يُشهد له بنقائه و عدم التملق للنظام السوري.