أثر السياسة في المجتمع (مقدمة عامة)

ابن الجزيرة

قيل: بين العبقرية والجنون شعرة..( وأقول:ودقيقة أيضا..).
– لا أدري ما هي المناسبة التي قيل فيها هذا القول..

ولكن الذي أدريه أنه قول يتكرر..! وخاصة عندما يوصف شخص متميز بقدرات ذكائية..

إذا صدر عنه سلوك ما،يلقاه الناس غريبا..

وربما مستهجنا أيضا..

من حيث أنه لا تسنده حالة منطقية مألوفة..! مما يجعل القبول بهذا المعنى غير معقول..و غير معتبر..!!  R- والذكاء صفة تطلق – عادة- على من يحسن الفهم والتصرف بشكل عام، أو على من ينطبق عليه تعريف صاغه أحد علماء النفس بالقول:( الذكاء هو مرونة التكيف مع البيئة)*.

ولكن التدقيق في معنى الذكاء قد يفتح أمامنا أبوابا لا نحسن في النهاية إغلاقها..لكثرة تشعبانها..

وكثرة الاجتهادات فيها..باعتبارها صفة بشرية،لا ما دية..

” يُتفق على تحديدها  في العموم ويُختلف في تفاصيلها” وهذه خاصة مميزة لموضوعات العلوم الإنسانية عموما،ولا يعيبها ولكن ينبغي تفهمها.
لماذا هذه المقدمة..؟
– في أبحاث علم النفس يوضع السياسيون الناجحون في أولى درجات الذكاء عادة..
وذلك بسبب صعوبة التعامل مع الكائن البشري، العاقل، النامي، المتغير، والاجتماعي.

.

(ذي الجنسين المختلفين” المتكاملين أو المتضادين أيضا” .وذي الفئات العمُرية،  والثقافية، والاختلافات الاثنية عموما..) فضلا عن التكوينات النفسية المتراوحة بين الكبت..

والتعقيد..

 والأريحية..الخ.
فالتعامل مع كائن بهذه المواصفات..طابعه التمرد..

و الانزياح..

يقتضي قدرة ذكائية فائقة، تسمح بتأطير تلك الحالات البشرية المختلفة، وتوجيه طاقاتها  المترجرجة..

نحو مجرى سياسي عام؛يقوده السياسي (الناجح) نحو بناء شامل لمكونات الحياة العامة في قطاعه الحزبي” القومي أو ألأممي..الخ”.

والسؤال الذي يتوارد في الخواطر:
هل تمتع السياسيون – دوما –  بهذه الخاصة..؟
من هنا نبدأ..ولكي نحسن الابتداء لا بد من تأطير بعض المفاهيم التي سنظل نتكئ إليها في البحث، ولتكون مسارا للتصورات لدينا(كاتبا وقارئا) منضبطا بهذه الأطر..
1- السياسة:
هي تعريفا (فعل الممكنات في إدارة الحياة الاجتماعية  في شكلها الأعم والأرقى..)
وبغض النظر عن تفاصيل البحوث التي تناولت هذا المعنى .

والتعريفات المتعددة ..والتي أخرجها المهتمون بالأمر مثل:
– العلاقة بين الجانب العلمي والفني في السياسة.
– أو بكون السياسة هي (الوظيفة العليا في إدارة المجتمع وقيادته..)…الخ.
بغض النظر عن ذلك، فإن التأطير المبين أعلاه قد يغني حاجة مسعانا في هذا البحث بشكل عام.
2- المجتمع: (مجموعة بشرية من الجنسين والفئات العمرية المختلفة، ذات ثقافة منوعة، تؤطره اتجاهات عامة، وعلاقات تفاعل شاملة اقتصادية..

سياسية..

اجتماعية..الخ.

تعيش على ارض واحدة(ضمن جغرافية محددة) لها بعدها التاريخي..).

 وبالطبع فإن تعريفات كثيرة يمكن إيرادها..إلا أننا نرى أن يكون الإطار الذي أوضحناه هو المعتمد في تصورنا المشترك..
3- القومية..(شعور أبناء المجتمع بانتمائهم إلى تاريخ مشترك في بناء حياتهم الاجتماعية وتطلعهم إلى الاستمرار في هذه الحياة المشتركة(وحدة المشاعر والعيش المشترك).

بروح جامعة بينهم يسميها هيجل(روح الأمة)(1) ويتضمن هذا الشعور، اعتزازا بالانتماء هذا، واستعدادا للعمل من أجله حتى التضحية الكبرى
4- الوطنية: (حب الأرض، والتمسك بها، والاستعداد للدفاع عنها..باعتبارها المكان الذي يعيش فيه أبناء المجتمع الواحد(القومية الواحدة).ويمكن وصفها بعلاقة الإنسان مع الأرض، وهي علاقة تبنى على العواطف،والألفة والمصلحة(الشعور بالأمان،وتوفير عناصر المعيشة المباشرة..)أي عناصر مادية ومعنوية.
5- الأمة..مفهوم واسع الدلالة ويعني: (الإطار الأوسع لمعاني القومية، والشعب (أو الشعوب)، في مرحلة متطورة من الحياة الاجتماعية الشاملة للقومية والوطنية، في جوانبها الاقتصادية والثقافية..الخ أي في الحياة السياسية).
6- الشعب: ( مجموعة بشرية ذات خصائص مشتركة ..تاريخ..وإرادة..حياة مستقبلية..).

أو هو( المجتمع في معناه الأكثر سياسية..).
ويلاحظ أن هذه المفاهيم جميعا متداخلة..

ومتفاعلة..

ومتطابقة أيضا في حالتها النموذجية.

 مع الانتباه إلى الأثر( أو الجانب) المادي والمعنوي فيها جميعا…
وهذه المفاهيم نفسها تتمايز، إذا وجدت ظروف غير طبيعية كتجزئة واستعمار وحالات التخلف الشديد..الخ.
وكما أسلفنا القول فإن هذا التأطير قد لا يكون دقيقا في الإطار ألاختصاصي..ولكنه يبقى صحيحا في السياق الذي نحن فيه..

هادفين إلى إلقاء الضوء على فكرة:
(القادة السياسيون في نمط التفكير ألذرائعي(النفعي)المباشر وانعكاس الأمر سلبيا على حياة الناس(المجتمعات) في جانبها التربوي خاصة، ومن ثم العملي لا سيما على المدى البعيد).
إن مقولة مكيا فيلي التي تلخص فلسفته السياسية في كتابه الشهير” الأمير ” وهي: (( الغاية تبرر الوسيلة))(2) ربما تصلح ضمن ظرف معين..

في زمن معين..

وفي حالات محدودة..ولكنها قطعا تفقد قيمتها تماما إذا تجاوزنا المحدودية في الظرف..

والمكان..

والزمان..

وخلافها.

لأنها في هذه الحال – حقيقة- لا تخدم سوى حالات أنانية(في مستوى فردي أو جماعي..) أي استغلال من فرد لآخرين (فردا أو جماعة) أو استغلال من جماعة لآخرين(أفرادا أو جماعات..

كبيرة أو صغيرة) مهما كان شكل الاستغلال هذا..
وإذا كانت الحالة الاقتصادية هي الأبرز،إلا أن الحالة النفسية – بتقديري- تظل الأعمق والأخطر تأثيرا..!(3)
القادة السياسيون – على الرغم مما قد يتميزون به من الذكاء، فإنهم في الغالب الأعم، أسرى نزعاتهم الأنانية..

إلى درجة تبرير تسخير الآخرين لهذه النزعات..

(أفرادا ومجتمعات “شعبا أو امة..الخ)
ولكي ينجحوا في هذا المنحى..

فإنهم يوظفون ما لديهم من ذكاء وقدرة في غرس مفاهيم تخدم هذه النزعات الأنانية، حتى وإن اضطروا إلى اللجوء إلى سلوك يستنكرونه في الظاهر..

كالرشوة..

والكذب..

والنفاق..

والقتل..الخ.
بعبارة أخرى..

فإن( الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق) من مصادر المشكلة التي نحن بصدد محاولة تشخيصها..

وتلمس السبل لمعالجتها..

على الصعيد النظري على الأقل.
لا نزعم أن هذه ظواهر فاتت انتباه السابقين إليها..

أو أنهم لم يحاولوا معالجتها..

وإنما نريد فقط إحياء محاولاتهم وتجديد نتائجها..
إن العودة إلى الأبحاث والدراسات القديمة في هذا المجال..

سواء تلك التي أنتجتها عقول شرقية ..أو غربية..

فإنها توضح تراكما هائلا من هذه الدراسات والأبحاث..
إذا ما هي المشكلة..؟
أين تكمن الأزمة..؟
في الواقع تكمن الأزمة (أو المشكلة) في خاصة بشرية قد لا ينتبه إليها البعض ..

إنها تدخل في نسيج التكوين النفسي بمعناه العام..وتبدو جلية  إذا تتبعنا المتمايزات بين المجتمعات من جهة..

وبين الجيلين (أو الأجيال) ضمن المجتمع الواحد..!! ذلك أن الإنسان كائن عاقل..

نام..

متغير..

ومتطور في إطار اجتماعي.

ولكن العقل والنمو..

والتغير..

والتطور جميعا بحاجة – دوما- إلى توفير المناخ الملائم الذي يحقق هذه الخصائص، ويعطيها البعد الصحيح.

أو بتعبير أفضل:
مناخ يصلح لأن تنمو فيه هذه الخصائص، وتتبلور في صيغها الأكثر جلاء، والأفضل تحققا، وبجهود مزدوجة: – بعضها يعود إلى ما يوفره المجتمع من حوافز، وتسهيلات، ومعطيات مختلفة لازمة..

عبر مؤسساته المختلفة(نظام الحكم، المجتمع المدني، الوحدات الاجتماعية..
– وبعضها يعود إلى الاستجابة الفردية من أبناء الجيل الجديد دوما..وقابلية استيعاب الواقع، والتفاعل الإيجابي معه،لتحقيق تلك الخصائص(البعد الشخصي في نمو الذات).
في هذه النقطة (أو المرحلة أو الحالة …) تطرح المشكلة نفسها: مشكلة الفصل الحاد بين السياسة والأخلاق.
……………………………..
للبحث صلة وموضوعها العلاقة بين السياسة والأخلاق تاريخيا ومردو ديتها.
………………

 

* للذكاء تعريفات عديدة يكن الإطلاع عليها في كتب علم النفس المختلفة.

 

(1) روح الأمة: مفهوم استخدمه الفيلسوف الألماني هيغل للدلالة على الروح التي تجمع أبناء الأمة الواحدة على فكرة جامعة وحيوية لوحدتها

 

(2)  الأمير كتاب ألفه نيكولا ميكيافيلي لدعة الإيطاليين إلى الوحدة تحت راية أسرة ميدتشي

 

(3)  العلاقة بين السياسة والاقتصاد طبيعية وضرورية ويسمي المركسيون السياسة البناء الفوقي أما الاقتصاد فيسمونه البنية التحتية للمجتع

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…