الأسد مشكلة..هل المعارضة هي الحلّ؟

هوشنك بروكا

لا جدال في أنّ الرئيس السوري بشار الأسد، هو المشكلة الأساس، لا بل كلّ المشكلة بأسّها وأساسها، في كلّ ما حصل ويحصل، من قتلٍ وتنكيل ومحوٍ وتهجيرٍ جماعيٍّ، بحق المدنيين السوريين المنتفضين ضد نظامه، منذ 11 شهراً.

ولا جدال أيضاً، في إنّ الثورة السورية، ككل ثورات “الربيع العربي”، هي الحصاد الطبيعي لما زرعه النظام، من ديكتاتوريةٍ، وخوف، وظلمٍ، وحقد، وكراهية، ولاوحدة ولاحرية ولاإشتراكية، مفصّلة على الطريقة البعثية، طيلة أكثر من أربعة عقودٍ من الزمان الديكتاتوري الصعب.
النظام السوري من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، هو الآن، كما كان من قبل، دون أدنى أيّ شكٍّ، مشكلة كلّ سوريا وكلّ السوريين، التي لن تزول إلا بزواله، ولن تُحل إلا بفرط كلّ عقده.

لكنّ السؤالُ، الذي كان ولا يزال يفرض نفسه، منذ اشتعال الثورة السورية حتى الآن، هو:
إذا كان النظام هو المشكلة، من كلّ سوريا إلى كلّها(وهو لكذلك)، فهل المعارضة(بل المعارضات) السورية هي الحلّ لكلّ سوريا؟

قد يكون السؤال “إشكالياً” بعض الشيء، أو حتى “إستفزازياً”، إلى حدٍّ ما، لكنه سؤالٌ لا يزال قائماً، لم تجب عليه المعارضات السورية، المنشقة على نفسها، حتى الآن.

بعد فشل كلّ المحاولات والمبادرات العربية والأممية، في تمرير أيّ قرارٍ يدين النظام السوري في مجلس الأمن، وإصرار روسيا والصين على استخدام الفيتو كالسيف، ضد أيّ قرارٍ يتجه هذا المنحى، كان لا بدّ للمجتمع الدولي “الصديق” والعربي الشقيق، من طرق أبوب أخرى، وسلك طرقٍ أخرى، للإلتفاف على سياسة “العناد” الروسي الصيني المزدوج، فكانت النتيجة مبادرة ما تسمى ب”مجموعة أصدقاء الشعب السوري”، التي طرحها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، قبل أقل من أسبوعين.

المبادرة، لاقت حتى الآن ترحيباً دولياً(غربياً بالدرجة الأساس) كبيراًً، هذا فضلاً عن أنها باتت تستند إلى “شرعيةٍ” عربية، قد تحرج الروس والصينيين، في قادم الأيام، أو تسحب البساط، وإن قليلاً، من تحت أقدامهم.


أما الجديد “القويّ”، على مستوى التأسيس لهذه المبادرة، عربياً، فهو الموقف “الحاسم” للإجتماع الوزاري الأخير للجامعة العربية، التي خرجت بقراراتٍ “حاسمة”، نقلت القضية السورية من مستوى “التعاون الضروري” مع النظام(كما ذهبت إلى ذلك في “بروتوكول إرسال المراقبين”)، إلى مستوى “القطيعة الضرورية” معه.

الأمر الذي يعني إدارة الظهر للنظام إلى دون رجعةٍ، ومد اليد للمعارضة السورية، لتقديم “كافة أشكال الدعم السياسي والمادي” لها، كما جاء في قرارات الجامعة الأخيرة.


وهنا تحديداً، تكمن أهمية وضرورة الجواب على السؤال “الإشكالي” والمفصلي، المطروح أعلاه.

فالقطيعة مع “نظامٍ غير صالحٍ”(أو انتهى صلاحيته، في نظر المقاطعين له)، تعني ضرورة البحث عن “البديل الصالح”، الذي من المفترض به أن يكون “معارضةً صالحة”.
فهل المعارضة السورية(كمجموع)، هي البديل الصالح، الآن، لهذا النظام الطالح؟
هل المعارضة السورية، هي البديل المستقيم، لهذا النظام الأكثر من أعوج؟
هل المعارضة السورية(المخالفة لبعضها البعض، أكثر من أن تكون مختلفة مع بعضها) هي البديل الصالح، والصحيح بالفعل لإصلاح ما أفسده هذا النظام الخطأ؟

سؤالٌ كهذا عن البديل القادم، لا يزال برسم المعارضة، قبل غيرها، خصوصاً وأنّ العالم بشقه “الصديق” للشعب السوري، قد قال كلمته، وإن متأخراً، بالوقوف مع ثورته ضد النظام، ومع ما يريده الشعب ضد ما يريده النظام.

هذا العالم “الصديق” قد حسم أمره، على ما يبدو، بسحب البساط من تحت أقدام النظام، لإسقاطه في المزيد من اللاشرعية، وما مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري”، القادم، الذي ستستضيفه تونس في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، إلا خطوة “حاسمة” في هذا الإتجاه.

لكنّ السؤال الأهم، الذي لا بدّ وأنه سيطرح نفسه، على جدول أعمال هذا المؤتمر، هو:
هل حسمت المعارضات السورية أمرها مع نفسها، بالإنتقال من حالة الشقاق إلى الوفاق أو الإتفاق؟
سؤالٌ كبير، لا يزال بعد 11 شهراً من نزيف دم الثورة السورية، مفتوحاً على أكثر من جوابٍ، وأكثر من معارضةٍ سورية، في الداخل، كما في الخارج.

بعد اجتماع “الأصدقاء” القادم في تونس، سيكون هناك على الأرجح، “عنوانٌ صديق” لتقديم الدعم “الكثير”، وربما “المتعدد” للثورة السورية “الصديقة” أو الشقيقة، لكن السؤال الذي سيُطرح على طاولة “الأصدقاء” والأشقاء مجدداً، هو:
هل كلّ الطرق في الداخل السوري وخارجه، تؤدي إلى معارضة “صديقة” واحدة وموحدة؟
بالطبع لا.

لا تزال المعارضة السورية، رغم تقدم الثورة السورية، معارضة قلقة، هشة، مشوّشة، منقسمة على نفسها، مختلفة على النظام، بقدر اختلافها على الثورة.
هي مختلفة على حاضر سوريا بقدر اختلافها على مستقبلها.

على الأرض، ما بين الداخل السوري وخارجه، يمكن الحديث حتى الآن، عن 3 معارضات سورية، لها ثقلها، وهي الممثلة بكتلة “المجلس الوطني السوري”، و”هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي”، و”المجلس الوطني الكردي في سوريا”، إضافةً إلى “تيارات” و”إئتلافات” أخرى تشكلت طيلة الأشهر الماضية، هنا وهناك، لعل أحدثها هو “تيار التغيير الوطني”، الذي أعلن جماعة من المعارضين السوريين، عن تأسيسه في إستانبول، في الرابع من الشهر الجاري.

المشهد السوري المعارض، كما تقول الخلافات غير القليلة، بين ألوانه وأطيافه(لا سيما تلك التي بين أهل “المجلس الوطني السوري” وأهل “هيئة التنسيق”)، لا يبشر بخيرٍ كثير، لسوريا قادمة كثيرة.
الخلاف بين هذه المعارضة وتلك، هي أكبر مما يمكن أن يُتصور.

الخلاف بين هاتين الكتلتين، ليس على حاضر سوريا، وحاضر نظامها، وحاضر ثورتها فحسب، وإنما هو خلافٌ على مستقبل الثورة في سوريا، ومستقبل سوريا في الثورة أيضاً.
عليه، فإنّ ما بين هاتين المعارضتين السوريتين من خلافات؛ أيّ تلك التي في إستانبول، وأختها التي في دمشق، هو لا يقلّ، على ما يبدو، عمّا بين المعارضتين والنظام.

هذه المعارضات السورية، التي فشلت حتى الآن في الوصول إلى أيّ إتفاقٍ منتجٍ، على حاضر الدم السوري الكبير، لن تنجح على الأرجح في صناعة أيّ إتفاقٍ بينها مستقبلاً أيضاً.
فشل المعارضة في الإتفاق على حاضر الثورة، يعني فشلها شبه المؤكد، في الإتفاق على قادمها وربما مابعده أيضاً.

النظام في سوريا ممثلاً بعائلة الأسد، سيسقط، لكنّ الخوف بل كلّ الخوف هو ألاّ يسقط النظام في المعارضة؛ كلّ المعارضة السورية بدون استثناء.

المعارضة السورية، بكلّ أسف، لا تزال “رجعيةً” تمشي إلى وراء الثورة، بدلاً من أن تتقدمها.
هي معارضة ربما عرفت النظام، ولكنها لا تعرف كيف تسقطه.
هي، عرفت سجنه، لكنها لا تعرف كيف تهدم جدرانه، وتخرج منه.
هي، خبرت ديكتاتوريته، لكنها لا تعرف كيف تغادرها.
هي، تقول بالديمقراطيات، لكنها تمارس عكوسها.
هي، تدين سياسات الإقصاء والإلغاء والإمحاء، لكنها تقصي وتلغي وتمحي نفسها.
هي تمشي ضد النظام، أو هكذا تدّعي، لكنها تقلّده، فوق الكرسيّ وتحته.
هي تريد إسقاط النظام، لكنها بحاجة إلى من يسقطها.
هي، تلعن النظام في الفوق، عند كلّ “صلاةٍ” سياسيةٍ، قبلها و بعدها، لكنها بحاجة إلى تحتٍ يلعنها.
هي، تعاني من نظامٍ، هو كلّه في كلّه مشكلة، لكن مشكلتها هي أنها تحلّ المشكلة بالمشكلة.

hoshengbroka@hotmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…