التورط الروسي في العقدة السورية

 د.إسماعيل حصاف *

القادة الروس الثلاثة (بوتين – ميدفيديف – لافروف) يهدمون بمعاولهم صرخ العلاقات التاريخية التي ترسخت جذورها بين الدولتين (سوريا وروسيا) وشعبيهما ، خلال عقود عديدة ، إذ شهدت تلك العلاقات تطورا في كافة المجالات السياسية والثقافية والإقتصادية تميزت بالمودة ، لكن بوتين – ميدفيديف قوضا تلك العلاقات ، مثلما قوضوا صرح علاقاتهم مع العديد من الأصدقاء القدامى .

كتب المحلل السياسي الروسي المستقل الكسي فوروبيوف قائلا : (( أن روسيا تفقد على الدوام الدول الصديقة))، في حين ذهب رئيس تحرير ” روسيا في الشؤون العالمية ” فيودور لوكيانوف أبعد من ذلك بكثير، حين صرح )) نفقد شركائنا القدامى ، دونما نحظى بأصدقاء جدد )) .

هذه إعترافات وتحليلات خطيرة من أهل البيت ، والعلة في الإستراتيجية الروسية الخاطئة تاريخيا والتي تكمن في الوصول إلى المياه الدافئة ولو كانت ذلك على حساب دموع ودماء الشعوب .

لقد اصبح بوتين – ميدفيديف – لافروف شركاء حقيقيون لعمليات الإبادة الجماعية التي تنفذها القوات العسكرية والأمنية السورية ضد الشعب ، فمن جهة يستمر تدفق السلاح الروسي  المستمر التي تستخدم لقتل الشعب الأعزل من السوريين مما يؤجج لهيب العنف وتدفع بالأمور نحو حرب أهلية ، وبهذا الصدد أشار الخبير في منظمة العفو الدولية للتعاون مع الأمم المتحدة خوسية لويس دياز ، بان روسيا هي أكبر مورد للأسلحة للنظام السوري وبالتالي تتحمل روسيا مسؤولية خاصة ، ومن جهة أخرى تستمر الدبلوماسية الروسية منذ تشرين الأول 2011 في منع إعتماد قرارمجلس الأمن الدولي حول سوريا ، حين إستخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) عند النظر في قرار الإمم المتحدة بشأن سوريا التي أدانت حكومة الأسد لقمع الإحتجاجات المناهضة للحكومة.

وحسب وكالة “إنتر فاكس ” ، فقد  صرح الممثل الدائم للإتحاد الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بأن روسيا لن تسمح لإتخاذ قرار في مجلس الأمن بصدد سوريا.

وحقيقة الأمر بهذا الإصرار تصبح روسيا شريكة لجرائم النظام السوري ، ولايمكن لكرملين إلى مالانهاية التمسك بدبلوماسيتها الخجولة أمام الراي العام العالمي ، وهذا ماأكد عليه ممثل الولايات المتحدة الأمريكية الدائم لدى الأمم المتحدة سوزان رايس بانه في غضون (10) أشهر  راينا العواقب بسبب تقاعس بعض الدول ،ولم تعد لروسيا حجة لعرقلة قرارات الأمم المتحدة وتبرير النظام الوحشي في القمع .

والسؤال الذي يطرح نفسه ، لماذا تقف روسيا ضد الثورة السورية ، مدافعا عن نظام الأسد ؟.بالتأكيد هناك أسباب عدة يمكننا تلخيصها على النحو التالي :
 -تعتبر سوريا آخر حليف لروسيا في الشرقين الأوسط والأدنى وآخر معقل في عملية التوازن مع الغرب ، تخاف من فقدانه كحليف من الميراث السوفياتي ، لذلك تعادي الدبلوماسية الروسية كل المقررات الدولية والإقليمية والعربية ضد دمشق
 –  ينتمي كل من بوتين والأسد إلى مدرسة واحدة – مدرسة الإستبداد .

أدى فلاديمير بوتين خدمته العسكرية في جهاز أمن الدولة ، وعمل في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) في الفترة مابين 1985-1990 والتي كانت من أكثر الدول الشيوعية في أوربا الشرقية إستبدادا ودولة أمنية بإمتياز.

وفي تموز 1998 عين بوتين مديرا لجهاز الأمن الفدرالي في روسيا الإتحادية،وفي آب 1999 أصبح رئيسا لحكومة روسيا الإتحادية بإختيار من بوريس يلتسين ، وفي أعقاب إستقالة بوريس يلتسين تولى إختصاصات رئيس روسيا الإتحادية وكالة بتاريخ 31 كانون الأول 1999 ،وفي 26 آذار من عام 2000 أنتخب رئيسا لروسيا الإتحادية وأعيد إنتخابه في 14 آذار 2004 ، ويشغل بوتين منذ 8 أيار 2008 منصب رئاسة الوزراء لروسيا الإتحادية ، وهو يجهز لترشيح نفسه في الإنتخابات القادمة في الشهر المقبل ، الأمر الذي طلب منه الرئيس السوفياتي السابق غورباتشوف أن لايرشح نفسه مجددا .

وبالتالي نرى أن حكم بوتين الإستبدادي الطويل يتميز  بدكتاتورية شبيهة جدا لدكتاتوريات الشرق الأوسط  وبالأخص لدكتاتورية الأسد.

– تشكل ثورات الشرق الأوسط تهديدا لحكومتي روسيا والصين اللتان تنتظران ثورات مماثلة للربيع العربي.
  – بيع الأسلحة الروسية وهي جزء من حرب الشركات بسبب حاجة الصناعات العسكرية الروسية إلى السوق السوري .

إضافة إلى المصالح الإقتصادية الروسية سواء أكان على مستوى الشركات أو الأفراد.

– الحفاظ على القاعدة البحرية الروسية على الساحل السوري إضافة إلى خطط للتعاون في مجال الطاقة.
 –  خوف روسيا من سيطرة منظمة القاعدة والسلفيية المتزمتة على الوضع مما تشكل تهديدا للوجود الروسي في منطقة القوقاز .
 –  الحنين  إلى لعبة الكبار زمن الحرب الباردة بهدف الحفاظ على توازن القوى في المنطقة ، بعد أن شعرت روسيا بأنها فقدت نفوذها في العالم .

واليوم يبدو أن موسكو في ورطة حقيقية إزاء موقفها المشين من الثورة السورية ، لايمكن لقيادة روسيا مواجهة رغبات العالم العربي ولاسيما دول الخليج ، وفي وقت هبطت شعبية روسيا في العالمين العربي والإسلامي إلى الحضيض ، فالدبلوماسية الروسية بنت جدارا عاليا بين شعوب المنطقة وروسيا وهدمت جميع العلاقات مع الشعب السوري لدرجة أنها قطعت معها حتى شعرة معاوية ، وبذلك فإن روسيا أخذت تفقد آخر حليف لها في الشرق الأوسط وهو الشعب السوري الذي ملئ صدره حقدا ضد روسيا .

وبالتالي بدأت القيادة الروسية بالبحث عن إمكانيات الخروج من ورطتها ، فحسب المكتب الصحفي لكرملين شرح ميدفيديف لرئيس وزراء تركيا الموقف الروسي من الأزمة السورية ، باحثا عن طرق لعلاج الأزمة .وفي السابع من شباط كان وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف مع مدير الإستخبارات الخارجية ميخائيل فرادكوف في دمشق ، ربما للضغط على الأسد بالإسراع في ما سمي بإصلاحاته ، لأن روسيا لم تعد قادرة على مواجهة الرأيين العام الدولي والداخلي الروسي.

ونشرت جريدة ” فزكلياد” الروسية بأن الممثل الخاص السابق للرئيس الروسي في الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف قد قام بشرح الموقف الروسي للجانب السعودي .

وفي هذه المعمعة من الصراع الدولي وفي وقت أخذ الملف السوري طريقه إلى لجنة حقوق الإنسان لرفعه إلى الأمم المتحدة مؤكدا أن ما يحصل في سوريا هو جرائم ضد الإنسانية ، وفي وقت بات سقوط نظام بشار الأسد مسألة وقت ، يلعب رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بالفاظ لامعنى لها ، حين قال : ))أن المجتمع الدولي لاينبغي أن تتصرف “مثل ثور في متجر للخزف الصيني ” ، فإنه ينبغي أن تعطي للشعب السوري فرصة للتعامل مع المشاكل في بلادهم))– وهذا يعني من وجهة نظره إعطاء الفرصة لنظام بشار إبادة نصف الشعب السوري مقابل بقائه مثلما فعل بول بوت – يان سري في كمبوديا ، حيث لقي مليوني شخص مصرعهم بين عامي 1975 – 1979 بإسم الثورة الشيوعية.
 أن الدبلوماسية الروسية مثلما فقدت نفوذها في مصر وليبيا والعراق واليمن بسبب أخطائها فإنها بموقفها المخزي من القضية السورية ستفقد آخر حلفائها – الدولة السورية أرضا وشعبا وأعتقد أنها تبحث عن مصالح بديلة ، قد تلقى جوابها عند دول الخليج

*  سكرتير البارتي الطليعي الكردستاني – سوريا PÊŞENG  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…